الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: معارضة تحت الطلب!

الرئيس نيوز



وجود المعارضة إلى جانب الأنظمة الحاكمة، حالة صحية تماماً لاستقرار الدول والنظم السياسية، فالحرص على وجود المعارضين وفتح المجال العام لهم يعطي غطاء أمان للنظام ويفتح باب المعارضة من الداخل التي تستهدف صالح الوطن بالطبع، أما تصدير فكرة تخوين المعارضة الوطنية فمن شأنه أن يعطي شرعية للمعارضة من الخارج التي تكون خائنة بالفعل في غالبية الأحيان.
في مصرنا، يبدو أن هذا الأمر تم الانتباه له مؤخراً، ضمن ما يُطلق عليه فتح المجال العام أو الانفراجة السياسية والسماح بالأصوات المعارضة في الظهور الإعلامي وغيره، إلا أن ذلك جاء متأخراً للغاية فالتضييق لسنوات طويلة على المعارضة الوطنية أنتج حالة من عدم وجودها، ومَن حافظ منها على تواجده في المشهد أو الشارع بدى خطابه مفتقداً للمنطقية في بعض الأحيان.
حيث أن حالة التضييق المستمرة على المعارضة الوطنية ومنعها من الظهور، خلقت شرعية للمعارضة من الخارج التي يسيطر عليها الفكر الاخواني والتضامن مع الدول والأنظمة المعادية، كما أنها لم تدع للشعب سبيلاً إلا الاستماع إليها فلا يوجد بديل، خاصة أن الصوت الواحد غير كاف تحت أي وضع، ولا لوم على المواطن في ذلك.
الغريب في الأمر، أنه حينما تم استدعاء المعارضة الوطنية إلى المشهد، وتم التيقن من موتها إكلينيكيا بعد سنوات طويلة من التضييق، لم نجد مفراً من تحويل داعمي النظام إلى التحدث بلسان الانحياز الشديد للشعب ومصالحه.
ناهيك عن أن فكرة استدعاء المعارضة وقتما يريد النظام وفتح المجال لها، تطوي على نوع من اصطناع الديمقراطية وهو ما يذكرني بفيلم "زوج تحت الطلب" للزعيم عادل إمام، إلا أن إيجاد أقنعة لأوجه اعتدنا على انحيازها للنظام نحاول تصديرها على أنها المعارضة الحقيقية، هو أمر يثير التعجب الشديد والتندر.
تخيل معي الموقف، حينما زاد التأييد المطلق وغلب تماماً على المشهد، فطنّا إلى ضرورة إظهار نوع من المعارضة، وحينما توجهنا إلى المعارضة وجدناها قد قتلت بفعل التضييق عليها من ناحية وانحسار التعاطي السياسي لغالبية الشعب، فتم الاهتداء إلى فكرة إلباس قناع المعارضة على الأوجه الحالية!.

بالطبع لم يكن من المنطقي إلباس حزب "مستقبل وطن" مثلاً وجه المعارضة، حتى شاهد الجميع في مقطع واسع التداول رئيس هيئته البرلمانية تحت القبة، يتحدث كما لو كان أعظم معارض وصوته ناقم على الوضع والنظام، يكيل الهجوم اللاذع على السياسيات ويتهم النظام بمعاداة المواطن ومصالحه، فأي عقل يمكن أن يصدق ذلك!.. فكيف لمن يستطيع إقالة حكومة كاملة بما له من وزن برلماني، أن يكتفي باستنكار صعوبة مقابلة وزرائها؟ 
إن التعاطي مع السياسة بمبدأ المنح والمنع يفسدها، كما أنها أسلوب خطير في ظل حداثة الممارسة السياسية، فدور النظام لم يكن أبدا تحديد الوقت الذي يتم استضافة المعارضة في وسائل الإعلام والوقت الذي ينعدم ذكرها أو صوتها تحت أي ظرف، فأصبحنا أمام نظرية جديدة  اسمها "منح الحق في ممارسة السياسة".
يمكن استشفاف ذلك بسهولة مطلقة، وأبسط دليل ما حدث بعد الحديث عن فتح المجال العام والسماح للمعارضة، حيث لأول مرة وجدنا استضافة أوجه معارضة في الإعلام والحديث معهم ونشر بعض المقالات التي تحمل لهجة هجوما وكانت اختفت منذ فترة طويلة.
لن تفلح المعارضة التي يتم اصطناعها أو فتح المجال لها في وقت محدد وإعادتها إلى حيز التضييق مرة أخرى، إذا زادت عن الحد في الانتقاد، كما أن الشعب ليس مغيباً إلى هذا الحد حتى يقبل بتغيير الأوجه لنفس الأشخاص، فهذا ليس من السياسة في شيء، ولن يحقق المأمول من فتح المجال العام أيضا. 
المعارضة الحقيقة هي وليدة الممارسة، ولابد من اكتسابها وليس منحها، أما دور النظام الحاكم أو الدولة، فهو توفير حماية وحرية لها لممارسة دورها، ودعم مناخ عام مناسب لها، وإلا وجد نفسه مجددا في مواجهة "الأشكال الضالة"، وعلى الشعب أيضاً الممارسة السياسية عن طريق التعاطي مع الأحزاب و طرحها - إن وجد - و الفرز الدقيق لكل من رغب الترشح في الانتخابات النيابية القادمة وما أكثر عددهم وما أكثر دوافعهم، فالشعب طرف أصيل في المعادلة عن طريق المشاركة الفاعلة في القنوات الشرعية. 
ليس عندي ملكة الأستاذ ياسر رزق في التنظير عن الإصلاح السياسي الذي ربما يأتي وربما لا، لكنني معايش وملامس للواقع السياسي والشعبي عن قرب، وأحذر من أن تبعات التحكم في المجال العام بهذا الشكل قد تأتي بنتائج عكسية من الهدف المقصود منها.