الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

رئيس تحرير «الشروق»: الصحافة الخاصة تلقت ضربة ثلاثية.. والاستثمار فى الأسلحة النووية أسهل من الإعلام (1- 3)

الرئيس نيوز

انسحاب «برومو ميديا» من السوق كان ضربة قاصمة للصحف والفضائيات

وظيفة رئيس التحرير في هذه الأيام الحفاظ على استمرار جريدته

أزمة الصحافة دفع ثمنها كل عناصر المهنة "كل واحد بطريقته"

حلمنا بالخروج من الأزمة إلى مصاف الجرائد المستقرة فهبط الجميع إلينا

الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، لم يقع اختياري عليه لإجراء حوار لأنه رئيس تحرير جريدة يومية خاصة، فالمنصب في حد ذاته لم يعد "شهادة جودة" للصحفي هذه الأيام، ولكن أيضا لم أوجه له الدعوة عشوائيا.

كنت قد بدأت سلسلة من الحوارات عن الإعلام، أبحث فيها عن رسم خريطة كاملة للتشوهات التي لحقت بالمهنة على مدار 5 سنوات وأكثر، أديرها مع شخصيات لا يجرفها شطط الجنون فتسب الدولة وتلعنها، ولا يجرفها نفس الشطط تجاه المهنة فتمزق الباقي من أوصالها، ولا يقع عماد حسين ضمن جماعات مصالح تجعل شهادته مجروحة، فلن يهيل التراب على ما بقى من الجسد الإعلامي المتآكل.

هاتفته أطلب منه الانضمام إلى قائمتي الحوارية، رد هاشا باشا إلا أنه طلب مهلة للتفكير، لم يفاجئني رده بل هو ما توقعته، فهو شخص يحسب أين يضع قدمه قبل أن يخطو.

تولى عماد حسين رئاسة تحرير الشروق مطلع عام 2012، أي أنه كان على رأس التجربة الصحفية منذ بداية التحولات السياسية على الأرض.

رئيس التحرير الشاطر هذه الأيام هو من يستطيع الحفاظ على استمرار مطبوعته، وهى مهمة نجح فيها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وفي ذات الوقت مثل الإعلام الخاص صداعا في رأس الدولة، جعل هناك حالة من النفور كادت أن تطيح بما بقي من ملامح الصحافة الخاصة فى مصر، إلا أنه نجح فى إيجاد تلك الصيغة التوائمية التى تسمح باستمرار "الشروق"، بحالة كافية من الرضا بين جميع الأطراف، وحالة رضا عن شخصه أيضا.

يمكن وصفه بـ"الربان الشاطر" الذى استطاع أن ينجو بسفينته وما بقي من طاقمها وسط أمواج عاصفة، وهي صيغة لم ينجح فيها إلا بالوقوف في منطقة "الوسط" بين الدولة والإعلام، وهى نفس المنطقة التى أتحرك فيها، وأجمع لاعبيها في سلسلة حواراتى.

جاءتنى موافقته على إجراء الحوار، لنستقبله في مقر موقعنا فى أجواء صحفية خالصة، فهو حوار عن الصحافة من قلب تجربة صحفية، كما نقول فى الصعيد الذى أنتمي والأستاذ عماد له "كلام فى بيته".

لم أمهد له فى مقدمات طويلة، ودخلت في الموضوع مباشرة، تعاني الصحافة الخاصة أزمة اقتصادية طاحنة لا تخفى على أحد، اهتزت لها كل المؤسسات الصحفية بما فيها جريدة الشروق التي استحقت لقب "الجريدة الصامدة"، كيف بدأت الأزمة الاقتصادية فى الصحافة الخاصة؟

قال إن هناك أسباب لبداية الأزمة وأسباب لاستمرارها، فقد كان الصحفيون يأتون للعمل فى الشروق باعتبارها جريدة كبيرة وكان يقال إن الأفضل العمل فى الشروق عن السفر إلى دولة عربية، كانت المرتبات كبيرة ومجزية، وهو نفس ما كان ينطبق على جريدتي المصرى اليوم والوطن فى بداية إصدارها، فى هذه الفترة كانت الحريات الصحفية على أشدها والإعلانات قوية.

ولكي ترى الناس الظاهرة مكتملة  كان هناك وكالة إعلانية "برومو ميديا"، فى هذا الوقت كانت تستحوذ على امتياز الحق الإعلانى لأغلب الجرائد الخاصة والفضائيات، وتوفر مبالغ مالية ضخمة للجرائد سواء حققت المستهدف الإعلانى أو لم تحققه، وهو ما كان يوفر نسبة كبيرة من النفقات المالية.

متابعا: هل كانوا يفعلوا ذلك لوجه الله؟، أم كان السبب وراء ذلك هو استعداد حزب المصريين الأحرار لخوض الانتخابات؟، الله أعلم، المهم أنه لسبب من الأسباب كانت توفر الوكالة هذه المبالغ.

وكان يتم سداد المرتبات يوم 25 فى الشهر، فى 2015 انسحبت برومو ميديا من السوق، فتعرضت غالبية الصحف المصرية والفضائيات إلى ضربة قاصمة، وأصبح كل وسيلة مسئولة وملزمة عن توفير حصيلتها الإعلانية بنفسها، فيما يتعلق بالشروق كانت الأزمة شديدة.

بعض الزملاء وقتها كانوا يتمنون الالتحاق بأي جريدة قومية أو تشرف عليها الدولة توفر لهم دخلا ثابتا، المفارقة أننا حلمنا بالخروج من الأزمة إلى مصاف الجرائد المستقرة فكان الخبر السيئ هو هبوط الجميع إلينا.

 هذا الجزء الخاص ببداية الأزمة ماهى أسباب استمرارها؟

هذا يتعلق بالجزء الخاص ببداية الأزمة، أما الجزء الأخطر فيها كان ما حدث يوم قرار التعويم فى 3 نوفمبر 2016، فى هذا اليوم الذى قفز فيه الدولار من 8 جنيهات إلى 18 جنيها، ووزيادة  أسعار ورق الطباعة بنسبة 85%، وانخفضت القيمة الشرائية  للجنيه ما أثر على دخول الصحفيين، وفى أعقاب ذلك بـ6 شهور زاد سعر الورق بنسبة 45%، لتصبح إجمالى الزيادة 125% فى أقل  من ٨ شهور.

الخبر السيئ أيضا أن حصيلة الإعلانات الدولية الموجهة للوطن العربى بدأت تقل، فإذا افترضنا أن إعلانات بقيمة 4 مليارات بدلا من توجهها إلى الجرائد والفضائيات التقليدية، أصبحت توجه إلى مواقع إلكترونية لشركات وشبكات تواصل اجتماعى.

منذ أيام أعلنت قناة ten، التوقف رسميا عن البث لضيق سوق الإعلانات، هل بعد انسحاب برومو ميديا لم يدخل آخرين لسد الفجوة، أم أن هناك استحواذ من وسائل إعلامية بعينها على الحصيلة الإعلانية؟

 مجمل الوضع الاقتصادى والسياسى، جعل أى حد يفكر فى الاستثمار فى قطاع الصحف، يتردد ويتراجع وينسحب، حتى 2013 الاستثمار فى الصحف كان مفيدا، لكن بعد 2017 المجال صعب، وأصبحت التجارة  فى الأسلحة النووية أسهل من الاستثمار فى الإعلام.

هناك اتهام لملاك الصحف الخاصة بانسحابهم من السوق الإعلامى والتخلى عن الدعم المادى لها خلال الأزمة؟

للأمانة فإن المالك قام بضخ مبالغ كبيرة ولكنه لم يستطع الاستمرار على هذه الوتيرة، وهناك ميزة فى الشروق عن غيرها، أن أغلبية مالكى الصحف مع احترامنا لهم من رجال الأعمال ليس لهم علاقة بالصحافة، على عكس إبراهيم المعلم مالك الشروق فهو صنعته الأساسية النشر، وذلك يسر عملية التفاهم معاه كثيرا وتقبله لسلسة الخسائر الفادحة التى ضربت الجريدة.

أربعة أعوام من تبعات الأزمة المالية كيف ألقت بظلالها على الجريدة؟

دخلنا فى سلسلة من الإجراءات التقشفية، منها التقليل فى أعداد المحررين والعاملين وتخفيض المرتبات، وتقليل أعداد النسخ الورقية فكلما تطبع أكثر كلما كانت الخسائر أكبر، أيضا أضطررنا إلى الانتقال من المقر فى البطل أحمد عبد العزيز إلى جاردن سيتى ثم إلى الدقى، وتندر الناس أن الخطوة الثالثة هى الانتقال إلى "أبو أتاته".

هذه الأزمة دفع ثمنها من أصغر محرر حتى رئيس التحرير، كل واحد دفع بطريقته، وهناك تعبير لصديقنا ياسر عبد العزيز، أن وظيفة رئيس التحرير هذه الأيام هى الحفاظ على استمرار جريدته.

لمن لا يعرف من القراء فإن إنتاج مادة صحفية متميزة يستهلك فاتورة مالية  كبيرة، تبدأ من راتب محرر وصولا إلى توفير نفقات انتقال ووسائل اتصال، أو ترجمة أو اشتراكات فى صحف عالمية  أو مراكز دراسات، للحصول على القصص الإخبارية والتقارير والتحليل، سألته  كيف انعكست الأزمة الاقتصادية على التحرير؟

 

قال إن هناك أناس كثيرون يختزلون أزمة الصحافة وضعف المحتوى فى زيادة القبضة وهذا صحيح جزئيا إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها دور كبير أيضا، فبدلا من أن ينشغل رئيس التحرير بالبحث عن حملة صحفية ولا خبر ولا تقرير ولا معلومة تقوى مادته التحريرية، أصبح همه هو  البحث عن المرتبات، وتصبير الزملاء والمحررين، فى الشروق ظللنا أكثر من عامين نسدد نصف الرواتب فقط، ومازال حتى الآن هناك من له باقى مستحقات لم يتقاضاها عن الأعوام السابقة.

 الأزمة المالية أثرت على الاستعانة بعناصر مهنية مدربة تدريب مهنى عالى، ولم يعد هناك ضخ مالى يسمح باستقدام عناصر جيدة، وألغينا اشتراكنا فى أفضل الصحف الأجنبية والعالمية.

ولم يعد مطلوبا فقط توفير مرتبات الزملاء ولكن أيضا سداد مديونيات المطابع، ونفقات التحرير من جولات خارجية، و مراسلين، وإعداد تقارير صحفية، مترجمات، فبدأت حالة انكماش تحريرى، وكانت الأزمة شديدة فى الشروق ولحقتها باقى الجرائد.

ضعف المحتوى، تراجع الحريات الصحافية بدءا من 2016، الأزمة الاقتصادية، تلقت الصحافة ضربة ثلاثية، فالجرائد أصبحت متشابهة، فانصرف القارئ.