الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حوار| حلمي النمنم: الملك فاروق كان مؤيدًا لأفكار "الضباط الأحرار".. والإخوان خرجوا ولن يعودوا (1- 2)

الرئيس نيوز

 

-        الجماعة اختارت أن تكون تنظيما "ماسونيا" عالميا بعد 3 يوليو.. وأفرادها مستعدون لقبول الجنسية الإسرائيلة

-        -إعادة الإخوان للحياة السياسية في السبعينيات جزء من صفقة بين السادات والأمريكان.. وكيسنجر قال له "لماذا تقمعونهم؟"

-        - قيادات الإخوان قالوا لي "هنخليك في منصبك بس بطل شتيمة".. ورددت عليهم بكتاب عن حسن البنا

 

في أحد الأيام، بعد العودة للدراسة من إجازة حرب أكتوبر التي امتدت لما بعد عيد الفطر في ذلك العام، 1973، استوقف مدرس اللغة العربية بالصف الثاني الإعدادي، الطالب حلمي النمنم، الذي كان يحمل كتابًا للدكتور طه حسين، قائلاً له "لا تقرأ هذه الكتب".

هذا المدرس كان "قيادي إخواني بالدقهلية سٌجن في قضية تنظيم 1965 ولما خرج هاجر إلى دولة عربية ثم عاد"، متمتعاً بإفساح المجال أمام الجماعة بأمر من الرئيس الراحل أنور السادات.

جاء المدرس بعد أيام بكتاب لأبي الأعلى المودودي وأعطاه للطالب. لم يعجب الكتاب "النمنم"، وأكمل قراءة "هذه الكتب" لعميد الأدب العربي وباقي رموز الثقافة في مصر.

كان هذا هو الاحتكاك الأول لـ"النمنم" مع الإخوان. لاحقا ألّف هذا الطالب الذي تخرج في "فلسفة آداب عين شمس"، أربعة كتب عن الجماعة، آخرها صدر قبل أقل من شهر بعنوان "الإخوان والجيش"، ضمن ما يبدو أنه مشروع بحثي للكاتب الصحفي ووزير الثقافة السابق.

"الرئيس نيوز" حاور "النمنم" في مكتبه بدار "الهلال"، عن الكتاب، ليشرح كيف بدأت وجرت علاقة الجماعة الإرهابية بالمؤسسة العسكرية العريقة، ثم أخذنا مجرى الحديث إلى قضايا الخطاب الديني والإعلام والشيخ متولي الشعراوي والتحول الذي يجري في المملكة العربية السعودية.

من هدوء الباحث، إلى دفاع المسئول السابق عن نفسه، إلى هجوم الكاتب الصحفي على أفكار ومفاهيم يراها موجودة حالياً، وفي الإعلام تحديداً.. جرى هذا الحوار الذي ننشره على حلقتين:

 

الجماعة تأسست وسط مثلث "الخلافة والإنجليز وثورة 19".. وعنفهم ضد الدولة بدأ منذ أواخر عهد الملكية


انطلاقًا من كتابك الأحدث "الإخوان والجيش".. كيف تشكلت العلاقة الصدامية بين الدولة وبين الجماعة الإرهابية  تاريخيا؟

عداوة الإخوان للدولة كانت منذ لحظة تأسيس الجماعة. لاحظ أن الجماعة تأسست وسط مثلث، ضلعه الأول الخلافة العثمانية المتآكلة، والجماعة قامت لاستعادة مفهوم هذه الخلافة، ونحن نعرف أن الخلافة بالمفهوم الأممي أو "الجامعة الإسلامية" ضد الدولة الوطنية المدنية الحديثة.

الضلع الآخر كان الاحتلال البريطاني الذي كان يهمه أن تسود بين المصريين فكرة الخلافة والدولة الأممية وليس الدولة الوطنية، لأنه إذا سادت الدولة الوطنية فلا بد أن يخرج الإنجليز من مصر.

أما الضلع الثالث كان ثورة 1919 وما نتج عنها من ليبرالية وحرية، وهم - حسن البنا والتيار الإسلامي - إلى يومنا هذا، رأوا في الثورة علمانية يجب أن تُقاوم، والعلمانية عندهم كُفر.

النقطة الثانية أن هذه الثورة نتج عنها مفهوم الاستقلال التام، وكان يعني آنذاك الاستقلال عن بريطانيا العظمى وعن الدولة العثمانية، لأن الحزب الوطني وتيار مصطفى كامل كان ينادي بالاستقلال عن الإنجليز فقط والبقاء في أحضان الدولة العثمانية.

 

- ألا نستطيع أن نؤرخ لهذه العداوة فعلياً بداية من صدامهم مع نظام 23 يوليو؟

أولًا، دعني أوضح أني أُفرِّق بين الدولة وبين النظام السياسي، النظام الملكي كان نظاما سياسيا لكن في إطار الدولة المصرية، وكذلك النظام الجمهوري الذي تلاه. وبالتالي حدث أن تغير النظام من ملكي إلى جمهوري لكن بقيت الدولة المصرية.

الإخوان بدأوا يمارسون التصرفات العدائية منذ اغتيال أحمد ماهر، في فبراير 1945، ثم اغتيال محمود فهمي النقراشي في ديسمبر 1948.

لاحظ أنه عام 1947، بينما كان النقراشي يتأهب للسفر إلى الأمم المتحدة لعرض القضية المصرية هناك، قاد حسن البنا بنفسه مظاهرة لتأييده. إذن ما الذي جرى خلال سنة ليأمر باغتياله؟ قرار الحل؟ وهذا القرار كان بناءً على ماذا؟ بناءً على أعمال عنف قام بها الإخوان في الشارع، حرق دور السينما وحارة اليهود ومحال كثيرة، وبالتالي عداءهم مع الدولة المصرية بات واضحا منذ نهاية عهد الملك فاروق، ومارسوا هذا العداء بالفعل.

إذا جئنا إلى لما بعد 1952، فهم رأوا أن الثورة كانت قد اقتربت منهم كثيرا، وأن هؤلاء الضباط "شوية عيال صغيرين سنسقطهم بمظاهرة صغيرة في الشارع". وتصور حسن الهضيبي وعبد القادر عودة هذا الكلام، لكن الضباط كانوا أذكى ومدركين لخطط الجماعة.

 

- في كتابك قلت إن الضباط الأحرار كانوا يقصدون "تمردًا محدودًا" ليلة  23 يوليو.. ألم يتحدثوا صراحة عن فساد الملك في بياناتهم؟

الضباط الأحرار لم يكن لديهم غضب شديد موجه تجاه الملك فاروق، برغم هزيمة 1948 في فلسطين، لأن لها أسباب أخرى تتجاوز حدود الملك وقدراته، والجيش المصري في 48 كان ضعيفا جدا، وكذلك الجيوش العربية كلها.

خطوة الملك كانت في بالهم نعم منذ بياناتهم في نادي الضباط عن الفساد، أنت عندما تتكلم عن الفساد فالمقصود فساد الملك، لأن الحكومات تروح وتجئ.

لكن كان ذكاءً وبراجماتية منهم أنهم لم يعلنوا عزمهم الإطاحة بفاروق منذ اللحظة الأولى للثورة، ولهذا سنجد أن الملك "ساندهم" في خطواتهم الأولى، فاستجاب لبعض مطالبهم وأقال فلان وفلان.

 

الملك تلقى رسائل من الأمريكان برفع يده عن قضية فلسطين.. وأوصى محمد نجيب على "البلد والجيش"


- ذكرت في الكتاب أن  الملك الألباني أحمد زوغو، الذي كان مقيما في مصر آنذاك، تحدث مع فاروق عن "ضرورة تنظيم الجيش" وقبول قرار تقسيم فلسطين.. هل كان ذلك أكثر من مجرد نصيحة؟

أحمد زوغو قال للملك فاروق إن إنجلترا وفرنسا وأمريكا "مش هيعملوا دولة عشان إنت تيجي تهدها"، وفي تصوري أن كلامه كان رسالة من الأمريكان، وسأقول لك تفاصيل تدعم هذا.

هناك وثيقة كنت نشرتها عندما كنت رئيس دار الوثائق، تكشف أن القنصل المصري في موسكو - كان السفير في إجازة - عام 1947، قبل قرار التقسيم، التقى نائب وزير الخارجية السوفييتي لشئون الشرق الأوسط، وكانوا يتكلمون في أن مصر طلبت مساعدة السوفييت في عرض مطلبها في الاستقلال عن إنجلترا، هذا المسئول قال للقنصل المصري "وافقوا على قرار التقسيم وحل المشكلة اليهودية، ونحن سنساندكم".

في نفس السنة، قابل النقراشي باشا- وهذا موجود في مذكراته - سفير الولايات المتحدة في القاهرة ووفدا من السفارة، قبل أن يسافر إلى أمريكا، لتنسيق الزيارة، فقال له السفير الأمريكي:"ما تشغلوش نفسكو بموضوع فلسطين كتير وركزوا على قضيتكم نفسها".

وطرح السفير الأمريكي على النقراشي عدة حلول للقضية الفلسطينية رفضها بالكامل، كان أحدها أن الفلسطينين بالكامل يُهجَّرون، جزء في الأردن والآخر في مصر، و"ما يبقاش فيه حاجة اسمها الشعب الفلسطيني".

أنا رأيت شهادة كبير المستشارين العسكريين السوفييت في الجيش السوري أثناء حرب أكتوبر، قال بالنص: "التعليمات لدينا كانت لو أن القوات العربية، المصرية والسورية، بدأت تهدد كيان إسرائيل، فسنقاتل إلى جوار إسرائيل".

هم ينحازون للعرب إلى أن يستردون أرضهم، لكن أن تقترب من كيان الدولة فلا، مثلما نرى دور روسيا الآن في سوريا.


ذكاء الضباط الأحرار جعل فاروق "يساندهم".. ونقطتان مشتركتان تجمعهم سياسياً

  ـ في رأيك.. لماذا سلّم الملك فاروق السلطة بهذه السهولة؟

لأنه في السنوات الأخيرة من حكمه كان قد وصل لحالة من اليأس الشديد.

- في لحظات يأسه تلك.. ألم يراوده تفكير في الاستعانة بالإخوان، كدواء مُر؟

الإخوان؟ لا . لم يكن يثق فيهم، وكانوا قد حاولوا اغتياله من قبل.

كانت ثقته بالجيش المصري واعتماده عليه. الملك فاروق سياسيا في السنوات الأخيرة تستطيع أن تعتبر أن تفكيره كان قريبا من تفكير الضباط الأحرار، بمعنى هو كان يكره الإنجليز كراهية شديدة، كان يمقت الأحزاب وقادتها مقتا شديدا، ثم وصل إلى درجة أنه لم يعد يثق فيها نهائيا، أصبح ضد الأحزاب تماما. هاتان النقطتان مشتركتان بينه وبين الضباط الأحرار.

 

-       لكن ألا يبدو أن دوافع الطرفين – الملك والضباط - كانت مختلفة تمامًا؟

فاروق كان يرى أن سب انهيار الحياة السياسية في الأحزاب والبشوات أيضا، لم يكن هذا من منطلق حماية عرشه، هذا العرش هُدد في 4 فبراير 1942 أين كانت الأحزاب؟ كانوا مع الإنجليز، ومن وقتها لم يثق في الأحزاب، وبالتالي تفكيره السياسي كان قريبا جدا من تفكير الضباط الأحرار.

لاحظ مثلا، أنه هو كان يفكر في العدالة الاجتماعية لكن بشكل مختلف عن الضباط الأحرار، ولذلك وافق على مجانية التعليم عام 50 في وزارة الوفد.

وهناك موقف عظيم ينبغي أن يُذكر للملك فاروق، حدث في يوم 25 يوليو 1952 عندما ذهبت قوات من الضباط الأحرار إلى القصر الملكي في رأس التين وحدث اشتباك بينها وبين الحرس الملكي.

أنا طالعت وثيقة خطية من قائد الحرس الملكي في القصر وقتها، كاتب بالنص أن الملك عندما سمع إطلاق النار خرج ونهر الضابط الذي أمر بذلك، وقال له: "إنت عارف إن اللي بتضرب عليه نار ده ممكن يكون أخوك أو قريبك أو بلدياتك، ده مش عسكري إنجليزي، ده زميلك".

 

-       كيف تكونت هذه المشاعر لدى الملك فاروق في رأيك؟ البعض يتعجبون ويقولون مثلا إنه سليل أسرة غير مصرية؟

أنا لا أحب الحديث في هذه النقطة، لكن ما أريد قوله أن الملك فاروق كان مدركا لأهمية الدولة.

هو سلسل أسرة ليست مصرية في الأساس.. طيب يا سيدي، هل كان صلاح الدين الأيوبي مصريا؟ هل كان الظاهر بيبرس مصريا؟ هل كان سيف الدين قطر وطومان باي وعلي بك الكبير مصريين؟

فاروق كان رجل دولة؛ وهو خارج من مصر أوصى محمد نجيب قائلا له "ربنا يعينكم، خدوا بالكم من البلد، أنتم سبقتوني، وخدوا بالكم من الجيش"، هذه مفاهيم رجل دولة، يعني هو ماشي لكن الدولة ينبغي أن تستمر.


جماعة الإخوان متأثرة بالفكر الشيعي.. وإخواني في تركيا طُرد من وزارة الثقافة بعد ضبطه في علاقة شاذة

 

-       إذا أردنا تشريح أعمق لجماعة الإخوان.. كيف تقرأ المرجعية الفكرية والهيكلية للجماعة؟

هي جماعة فقيرة فكريا، لأنها قائمة على استنبات مظلومية فكرية. وأريد أن أشرح شيئا متعلقا بالمنظور الفكري للجماعة، فكثيرون يبحثون في الصلة بين إيران وجماعة الإخوان، ويقولون إسماعيل نواب صفا وكذا وكذا، وأنا لا أعوِّل كثيرا على هذا، لأن جماعة الإخوان وأي إسلام سياسي يظهر في العالم الإسلامي السني لا بد أن يتأثر بالإسلام الشيعي، لماذا؟ لأن الإسلام السني لا يعرف مفهوم "الإمام المعصوم" وهذا أهم ما يميز السنة عن الشيعة، إذ أن مفهوم السمع والطاعة بإطلاق للمرشد مفهوم شيعي وليس سني.

الإسلام السياسي بهذا المعنى منبته شيعي، وهم لكي يروجون لهذه المسألة لا بد أن يخلقوا مظلومية كبيرة، على غرار كربلاء، ويبقى عندهم شخصيات في قداسة وقدسية الإمام الحسين، وشخصيات معصومة مثل الإمام علي، الوصي. لا بد أن يكون هناك إمامًا معصومًا ووصيًّا.

كل هذا ستجده في الإخوان بصياغات ومسميات مختلفة.

يعني مثلا مفهوم فضيلة المرشد.. من أين أتوا بـ"الفضيلة"؟! لماذا تمنحه لقب فضيلة؟! نحن نقول فضيلة المفتي، فضيلة الإمام الأكبر، فضيلة العالم الجليل، اللقب يُمنح لذي العلم والخلق والمنصب الرفيع، لماذا تمنحها لـ"المرشد"؟! لأنها فكرة التعظيم والسمع والطاعة كما قلت.


-       بالمناسبة.. هل هناك سبب واضح لاختيار كلمة "المرشد" لتسمية رأس الجماعة؟

الكلمة نفسها في الأصل ليست مفهوما سنيًّا، نحن نعرف مثلا "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية".. كلها مفاهيم شيعية.

.. النقطة الثانية، هي فكرة الازدواجية عند الإخوان. "إنه يبقى قاعد بيسلم عليك وبيحبك ومن وراك حاجة تانية". مثلما فعلوا مع مبارك مثلا، عندما ذهب إلى ألمانيا للعلاج في عام 2010، وخرج المرشد محمد مهدي عاكف وقال: "اللي نايم في ألمانيا ده مش رئيس الحزب الوطني ده أب لكل المصريين"، ثم في 25 يناير عندما كان الثوار يهتفون "ارحل" هتف الإخوان "المشنقة".

الخلاصة أن هذه الازدواجية لديهم هي أيضا نفس فكرة التقية الشيعية.

  

-       هل تقصد أن الفكر الإخواني يتماهى مع الفكر الشيعي؟ أم تقول بأنهم اقتبسوا كل هذا؟

لا، الإخوان أخذوا كل هذا من الشيعة لأنه سيلبي مصالحهم. يعني مثلا ما الذي كان يجعل شخص اسمه "حسن أفندي البنا" مدرس الخط العربي وخريج تجهيزية دار العلوم، يعني "دبلوم"؛ أن يتحدث عن الدكتور طه حسين والدكتور محمد حسين هيكل وعن شيخ الأزهر.

القضية عند الإخوان أن لا تمس المرشد.. وسأعطيك مثالا: الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله كان في مطالبته بالليبرالية المصرية عميق جدا، وذهب فيها إلى حدود بعيدة، ربما أبعد من طه حسين.. لماذا لم يهاجم الإخوان "هيكل" ويجعلونه عدوا بينما جعلوا طه حسين عدوا وعباس العقاد من أعدائهم؟ لأن طه حسين وعباس العقاد انتقدا حسن أفندي البنا، بينما الدكتور هيكل لم يفعل.

ولذلك مثلا، أحد الموجودين في تركيا الآن - وأنا مندهش أنه دائم الحديث في القنوات الإخوانية عن "الشهيد" سيد قطب - كان يعمل في وزارة الثقافة فترة الوزير فاروق حسني أيام الرئيس حسني مبارك، وطُرد من هناك لأن خطيبته ذهبت إليه في المسرح فوجدته في وضع علاقة جنسية مع شاب، وكان هو السالب في العلاقة، فخرجت وصرخت ولمَّت الناس وفضحته، فطرد المسئولون في المسرح الاتنين.

أريد أن أقول إن هذا يغتفر عند الإخوان طالما أن هذا الشخص يمجد حسن البنا وسيد قطب وقاعد حاليا في إسطنبول.

 

-       عطفاً على ما تعتبره مرجعية شيعية لفكر الإخوان.. أليس غريباً أن الجماعة كانت على علاقة قوية في فترة ما بالسعودية، والمملكة قطب إسلامي سُني؟

لا. أنا قلت في كتابي عن حسن البنا، إنهم أول من خانوا السعودية أيام حرب الكويت وخرجوا هاجموها. المملكة كانت توفر لهم فرص عمل وبعائد مالي ضخم وكانوا مقيمين فيها.. لا أكثر ولا أقل.

 

-       إذا نظرنا لمستقبل الجماعة.. هل من الممكن أن تعيد شتاتها مرة أخرى؟

أتصور أن هناك استحالة في عودة الإخوان إلى مصر مرة أخرى، استحالة. الجماعة بعد 3 يوليو 2013 اختارت منحى آخر، أن يكونوا تنظيماً سرياً عالمياً على غرار الماسونية العالمية، عن طريق فكرة اللجوء للخارج، وأن يكونوا تنظيماً باطنياً.

هم الآن في الخارج ورتبوا أمورهم في الخارج وسيقون في الخارج. وظني أنه لو أتيج لهم أن يحصلوا على جنسية دولة أجنبية حتى لو كانت الجنسية الإسرائيلية لن يقولوا لا.

لاحظ أن الإخوان لديهم خطابان، الأول في مصر يقول إن العلمانية كُفر، لكنهم يعيشون في الدول العلمانية ويستظلون بحماية القيم العلمانية.

مثلا هم يقيمون في تركيا ، في إسطنبول، وهناك المثلية الجنسية متاحة رسميا، والدعارة مباحة فيها، لك أن تتخيل أنهم هنا، في مصر، كانوا يقولون عن الفن إلحاد وعري إلخ.

يعيشون في لندن أيضا بنفس الطريقة، وفي أمريكا. أقلموا أنفسهم على هذا ولم تعد لديهم مشكلة، هم يتجهون كما قلت لأن يكونوا تنظيماً باطنياً عالمياً.

 

-       ألا يجدر بنا أن نستفيد من درس عودتهم في السبعينيات؟ لربما التفُّوا وتشكّلوا من جديد؟

في السبعينيات، الإخوان لم يعودوا من أنفسهم، لكن تمت استعادتهم وابتعاثهم من الرئيس أنور السادات والدولة المصرية آنذاك. وثيقة المصالحة في السبعينيات التي كانت بين التنظيم والدولة، ورعتها مباحث أمن الدولة، بها بندين متضاربين، أنهم لن يعملوا بالسياسة لكن أن يُخلى بينهم وبين المصريين في الدعوة، يعني يروحوا الجوامع والمدارس والجامعات.

 

-       هل كان السادات مدركًا لخطورة خطوته هذه؟

أتصور أنه "محسبهاش صح". وأنا لست مع التفسير الذي يقول إنه أخرج الإخوان ليضرب بهم الشيوعيين والناصريين، لأن هؤلاء أدخلهم السادات السجون في مايو 1971، لا أظن أنهم كانوا يسببون له مشكلة كبيرة.

تصوري أن هذا كان جزءًا من صفقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهنري كسينجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أشار لهذا في مذكراته، بأنه في جلساته الأولى مع السادات، حدثه قائلا "إنكم تقمعون الإسلاميين وجماعة الإخوان".

- وماذا كان يريد كيسنجر من إحياء الجماعة في السبعينيات؟

مواجهة الاتحاد السوفييتي، طرده من المنطقة، وكان في هذه الفترة قويا. كانت الولايات المتحدة لا تستطيع الخروج من أزمة فيتنام، كانت في مأزق حقيقي، والغرب يتجه ناحية الاتحاد السوفييتي.

كان خطأ ضخما للسادات، لكنه جاء في النهاية وانتبه لهذا، وقال بوضوح عن الجماعات الإسلامية، في خطاب شهير له "كلهم زي بعض". وهذا  الكلام قاله حسني مبارك كذلك في حوار مع صحيفة أمريكية سنة 1994.

 

-      إلى أي مدى ترى أنه بإمكان القوى المدنية أن تتصدى للإخوان سياسيا؟

في 2012 و2013 فعليا من وقف ضد الإخوان ما نسميه "حزب الكنبة الشارع، الناس اللبسيطة، من يريدون أن يعيشوا الحياة.

القوى المدنية معظمها وليس كلها وقف ضد تغول الإخوان وليس ضدهم وجودهم في المنطلق، وهو ما أنتج نظرية "أنا مش إخوان بس بحترمهم"، وأنا في تلك السنة كان هناك أناس أحترمهم جدا لكني اكتشفت العجب منهم.

 

-       إلى هذه الدرجة يشعر مواطنون بسطاء بتهديد مفهوم الدولة نفسه؟

نعم، لأن المجتنمع المصري مجتمع متماسك ويذوِّب الهوامش الصغيرة بداخله، هذا المجتمع لا يستقيم بدون دولة، يعني مثلا مجتمع الطوائف ممكن طائفة فيه تمشيه،

يعني مثلا في عز ما يحدث في لبنان، والحكومة مهددة بالعجز عن دفع الرواتب والمعاشات، خرج حسن نصر الله وقال "إحنا معندناش مشكلة وبندفع الرواتب وقادرين وهندفع". معنى هذا الكلام أنه يقول لطائفته "إذا الدولة مش موجودة.. طز، أنا جاهز، أنا هشيل".

مصر لا يوجد بها هذا الكلام، لسنا قبائل وعشائر مثل العراق مثلا، نحن مجتمع متماسك.

وبمثال آخر.. عندما ستذهب إلى العراق ستجد أكرادا، عندما ستذهب إلى سوريا ستجد أكراردا، طب أين أكراد مصر؟ هل موجودين أم لا؟ نعم موجودين، ومحمود المليجي كان واحد منهم، وصلاح الدين كان واحدا منهم، وبقايا عائلته ما زالت موجوده ومنها المطربة عايدة الأيوبي، الشعب المصري امتص كل هؤلاء وذوّبهم.

مثل هذا المجتمع لا يستقيم بدون دولة، اللي يعرف الكلام ده مين؟ المواطن العادي، بيعرفها وهو رايح يجيب ترخيص لمحل، بيعرفها وهو رايح يطلع البطاقة، وهو بيطلع شهادة التجنيد أو الميلاد، وهو بيدخل المدرسة أو الجامعة، وعشان كمجده اللي وقف ضد الإخوان بجد هم حزب الكنبة، عامة الشعب.

 

-       هل تتذكر أول احتكاك لك بفكر الإخوان؟ في قريتك أو في المدرسة أو الجامعة؟

ما زلت أذكر جيدا حين وقعت حرب أكتوبر العظيمة وكنا في بداية العام الدراسي "سنة ثانية إعدادي"، أُغلقت المدارس وأخدنا إجازة في اليوم التالي مباشرة، وظللنا في المنزل إلى ما بعد نهاية إجازة عيد الفطر آنذاك، يعني أكثر من 20 يوما.

حينما عدت للمدرسة بعد الحرب دخل الفصل مدرس للغة العربية، كان من قيادات الإخوان في المنطقة اللي كنت فيها وحوكم في 1965 وسجن مدة بسيطة وخرج إلى دولة عربية ثم عاد.

كان لديّ نهم للقراءة وأتردد على المكتبة، وكان معي كتاب لطه حسين، فناداني هذا المدرس وقال لي "ما تقراش الكتب ديه، أنا هجيبلك كتاب". وبالفعل أحضر لي كتابا كان "المصطلحات الأربعة في القرآن" لأبي الأعلى المودودي، ظل معي لأسبوع، وبعدها سألني  "قريته؟"، قلت له "لأ، ما حبتوش".

 

-       .. وفي الجامعة؟

كان الاحتكاك أكبر في الجامعة نعم، في "عين شمس". وجدت الإخوان في المدينة الجامعية، وبدأت محاولات الاستقطاب بالطبع، وآخرها كان عندما وصل الإخوان للسلطة.

-       ماذا حدث؟

أشياء كثيرة جدا، فوق ما أي أحد يتخيل.

-       مثل ماذا؟ لأنهم هنا كانوا يحاولون استقطاب مثقف معروف وليس مجرد طالب جامعي؟

أول ما تولوا الحكم جاءتني رسالة من قياداتهم - وكنت رئيس مجلس إدارة الهلال - تقول لي "لا تقلق أنت باق في موقعك مفيش أي حاجة حصلت، نحن نقدرك ونحترمك، بس يعني خف من الهجوم على حسن البنا وسيد قطب". كانت رسائل عبر وسطاء.

-       وماذا كان ردك؟

ردي كان أن أصدرت كتاب "حسن البنا البنا الذي لا يعرفه أحد"، حولتهم من مجرد هجوم إلى موقع الدفاع.

كنت كتبت 4 مقالات في المصري اليوم عن حسن البنا، حولته لكتاب نهاية 2011، وكان في معرض الكتاب 2012.

-       ألم يعرضوا عليك منصبا ما؟ وزير ثقافة مثلا؟

لا، أنا أغلقت هذا الباب، وفكرة المناصب طوال حياتي لم تكن موضع تفكير.