الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

السناوي عن رسالة الرئيس للإعلام: الأزمة في السياسات.. والتغيير لا يتم بالعزل الإداري (2-4)

الرئيس نيوز

فلسفة "انسف حمامك القديم" لا تصلح في الإعلام

الوجوه الإعلامية الأخيرة "لا تعرف ظهروا ليه ولا اختفوا ليه"..ورؤساء التحرير "مأساة حقيقة"

العزل الإدارى مينفعش فى الإعلام ولو كان ينفع كان نفع زمان

السادات ثار بسبب حوارات هيكل وقال "بيعمل حوارات بصفة ايه؟..مش انا عزلته"

6 سنوات تصل فيها رسائل من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الإعلام، ما بين لوم وعتاب يصل للتعنيف فى بعض الأحيان، إلا أن رسالته الأخيرة فى مؤتمر الشباب يوليو 2019، كانت لافتة، لأول مرة يكشف الرئيس عن ملامح خطة الدولة لإصلاح مجال الإعلام، وربما تكون تلك المرة الأولى الذي يتحدث فيها بشكل صريح ومعلن عن تدخل الدولة في المحتوى الإعلامي وتغيير الوجوه على الساحة.

قال السيسي: "الإصلاح واجب لكل القطاعات بما فيه قطاع الإعلام، نشجع جدًا كل الشباب، ولما نشوف الوجوه الإعلامية الموجودة، مش هوعدكم بحاجة في الموضوع ده، بدأنا في المحتوى وأتصور خلال سنتين أو 3 هيبقى المحتوى أفضل من الواقع ده".

رسالة الرئيس دفعتني إلى التفكير، إذا كان هناك نية حقيقية لإصلاح الإعلام، والوقوف على حقيقة أسباب الوضع "غير المرضي" أليس من الطبيعي أن تكون الرسائل في اتجاهين، فالواجب أن يستقبل الرئيس والدولة الرسائل من الإعلام في المقابل، وأن يستمعوا إلى شكوى المريض الصحفي حتى يمكن كتابة روشتة العلاج الشافية.

لم يكن ممكنا أن أترك رسالة الرئيس تمر مرور الكرام دون أن أخضعها للتحليل، هل هي أزمة محتوى وأزمة وجوه فعلا؟، ولو كانت أزمة محتوى فعلى من تقع مسئولية "الهزال الصحفي"؟، ولو كانت أزمة وجوه فهل هي مشكلة اختيارات أم مشكلة نضوب مواهب؟، ألقيت بما لدى على ضيفي الكاتب الصحفي عبد الله السناوي.

هل هي أزمة محتوى ووجوه؟

أجاب على الفور "أزمة سياسات"، وتابع: بعد 30 يونيو يوجد مرحلة خطرة، والتضييق على الإعلام في عصر الثورة الرقمية وهم كبير جدًا، ويجب أن نكون مدركين لتحديات العصر الذي نعيشه، بالتطور الرقمي والفضائي وشبكات التواصل الاجتماعي، نحن في احتياج ضروري للتطوير المستمر، ورفع مستوى الخدمة وإعادة التدريب والتموضع والتمركز والتحديث فى بنية الصحف وصالات التحرير للاتساق مع احتياجات القراء.

فلو ألقينا نظرة على الصفحة الأولى لأي جريدة الأن سنقرأ فيها ما شاهدناه في برامج التوك شو ليلا، ولو دخلنا فى محتوى الحوادث والترفيه سنجد أن المحتوى فيه ضعف ظاهر ولغة غير مناسبة بينما ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر جذبا، بينما شبكات التواصل الاجتماعي في تقدم سريع وبلا قيود، أما الصحافة أصبح عليها قيود أكثر مما تطيقه لذلك فقدت مصدقيتها.

تساءل مندهشا: "كيف أقدم محتوى صحفي يجذب القارئ؟"، بأن أقدم له ما لم يجده على مواقع التواصل الاجتماعى، وكيف أفعل ذلك إذا لم تكن المعلومة متوفرة لدى من الأساس؟!!، فعلى سبيل المثال خبر لقاء الرئيس مع أحد المسئولين الأجانب (وزير الدفاع الروسى شويجو)، لا أملك أي معلومات عن أجندة اللقاء أو ملفاته، وإذا كان هناك صفقات عسكرية تم الاتفاق عليها أو يتم التفاوض حولها، هل هناك اتفاق حول الرؤية السياسية فى ملف معين؟، هل هناك اختلاف؟، ماذا جرى فى اللقاء؟، إذا لم أمتلك معلومات  فالمحصلة أن كل الصحف ستنشر البيان الرسمي فقط، والذي تمت إذاعته على التلفزيون وقراءته فى المواقع فى اليوم السابق للصدور.

تطوير المحتوى يحتاج إلى الدخول فى قصص سياسية معمقة، والتحليل، "والإنسايد ستوري" وهي كلها تحتاج إلى قدر من الحرية وتدوال المعلومات، فإذا غابت الحرية فإنه مهما كانت كفاءة رئيس التحرير فإنه لا يستطيع جذب القارئ ما يدفعنا إلى اللجوء للمحتوى الترفيهى.

تابع: "تراجع التوزيع ونسب المشاهدة محزنة، والخسائر فادحة، فحصيلة أرقام توزيع الصحف مجموع ما يوزع  من قومية وخاصة يومية وأسبوعية، الأرقام الرسمية لا تعلن بشكل حقيقى، لو متفائلين فإن العدد لن يتجاوز 300 ألف، وهو رقم نصف ما توزعه جريدة خاصة فى أعقاب يناير".

كان منغمسا في شرح ما نواجهه فى أزمة المحتوى لدرجة شعرت معها بالاستماع لمايسترو صحفىي يعرف جيدا مصدر النغمة النشاز فى معزوفته، استكملت  الحديث وماذا عن اختيارات رؤساء التحرير؟.

قال كل ما سبق كوم واختيار رؤساء التحرير كوم آخر، فرئيس التحرير له مهمتين الأولى إدارة الخط السياسي والتحريري للجريدة والثاني إدارة المواهب،  ليس بالضرورة أن يكون رئيس التحرير هو أفضل كاتب أو صحفي في الجريدة، ولكنه يمتلك القدرة على تخليق الأفكار وإدارة المواهب، وقد يكون رئيس التحرير لم يكتب خبرا واحدا فى حياته، ولكنه قادر على إدارة المواهب وتخليق الأفكار، ومثال على ذلك أحمد بهاء الدين فهو لم يكتب خبرا في عمره ولكنه صاحب اكتشاف العديد من المواهب الصحفية، وتمهيد الطريق لها.

مستدركا "ولكن إذا كان رئيس التحرير قادر على إدارة المواهب وفي نفس الوقت هو أفضل كاتب يمتلك فإنه بذلك  يصبح رئيس تحرير عظيم"، وهؤلاء ربما لا يتجاوزوا 10 فى العالم كله، رئيس التحرير الناجح هو الذى يملك قائمة بالكوادر التي شكلها والمواهب التي أطلقها وأدارها، والكتاب الذين اكتشفهم، والملفات التي أدارها والحملات التي أطلقها.

 رؤساء التحرير الأن مأساة حقيقية، ولا يوجد رئيس تحرير حاليًا يقوم بالمهمة الرئيسية له لأنها أصبحت مجرد "وظيفة"، وعليه تعبئة الورق والحفاظ على  فترة وجوده في رئاسة التحرير دون النظر إلى عمل شيء له قيمة ومؤثر.

استلمت منه خيط الحديث، وتابعت: تبنت الدولة مبادرة لتجديد النخبة على رأسها النخبة الإعلامية، كيف تقيم أثر ذلك بعد ست سنوات من انطلاقها؟.

هناك فكرة خاطئة سيطرت لفترة طويلة، "انسف حمامك القديم فنحن نبنى نخبة جديدة، وأنا أقول "ليس هكذا تبنى النخب"، هذا كلام بدون زعل من حد، هذا كلام مثل فقاقيع الصابون، ينتهى مع أول اختبار حقيقى.

وقد سبق واختاروا مجموعة من الوجوه الإعلامية، أين هم الآن؟، معظمهم اختفوا كما ظهروا، "لا تعرفي ظهروا ليه ولا اختفوا ليه"، كان بعضهم لديه موهبة ولو فيه ظروف صحية وضغوط أقل كان من الممكن أن يحققوا نتيجة أفضل على المدى الطويل، وهذة قناعتى الشخصية.

المشكلة ليست مشكلة وجوه إعلامية ولكن "مشكلة سياسات"، والتغيير لا يتم على طريقة العزل الإداري، لو العزل الإدارى هينفع  كان نفع زمان.

أكمل ضاحكا، هناك قصة شهيرة عندما خرج هيكل من الأهرام عام 1974، قام بعمل  مجموعة من الحوارات مع قادة الثورة الإيرانية الذى نتج عنه  كتاب "مدافع أية الله"، وعندما نشر موضوع فى التايمز عن الكتاب، ثار السادات بشدة وقال بأى صفة يقوم بعمل هذة الحوارات، فقالوا له بصفته صحفى، فرد "إزاي مش انا عزلته"، ملخص القول أن الصحفى الحقيقى يبقى محافظا على قامته وقيمته حتى لو استبعده النظام.

أجواء الحوار أعادت إلى ذهني حديث سابق دار بيني وبين  أحد المسئولين رفيعي المستوى حول الإعلام، قولت له وقتها إن هناك فرصا عديدة تمنح لمن لا يستحق، وعلى الرغم مما أثارته كلماتى من حنق مكتوم لدى الطرف الثانى، إلا أنه رد منفعلا هذا أفضل ما وجدناه ، طرحت السؤال على السناوى هل هناك أجيال أكفاء؟.

رد بحسم "نعم في"، ولكن لا أحد يعرفهم ولا أحد يبحث عنهم.. نعرف منين إن فى صحفى شاطر؟، إنه لما يعمل شغل حلو يتم لفت النظر إليه ..هناك أشخاص يستطيعون فرض موهبتهم من خلال ربع فرصة، وفى النهاية الموهبة ستظهر ولكن هذا يستلزم الكثير من الوقت والمجهود يمكن توفيره لو الدولة خلقت الفرص لمن يستحقها، هناك كثير من المواهب لا تجد لنفسها موطئ قدم لمجرد أنها غير معروفة أو غير ظاهرة لأصحاب القرار، والمفروض هنا تتدخل الدولة لخلق فرصة كاملة للمواهب.

من المؤكد أننا نحتاج إلى تدريب مهنى ولكن ما تقييمك لما يتم فى هذا الشأن؟

قال لابد من توافر تدريب مهنى، وهو أمر لم يتم، رغم أنها أكثر كلمة تتردد، والتدريب التقني هو أمر أساسى ولا غنى عنه، ولكنه لابد أن تكون الأولوية للتدريب المهنى، والمهارات الأساسية لمهنة الصحافة، فى كتابة الخبر والقصة الخبرية والتقرير والمهارات الأساسية للصحفى، والتقاط الخبر وتطويره، مثل لاعب الكرة كيف يستقل الكرة ويمررها كيف يضغط على خصمه، لو اعتبرنا فريق هيئة التحرير هو فريق كرة قدم، فإن افتقاده  المهارات الأساسية يعرضه لإهدار الكثير من الفرص الصحفية، وهى مهارات تربى وتصنع فى المدارس الصحفية التي لم تعد موجودة.

حاولت سحبه بعيدا عن أرض الصحافة  قليلا إلى عالم الإعلام المرئي، هل يختلف الحال فى الفضائيات عن الصحف؟.

قال إن الوضع لا يختلف كثيرا، والفضائيات الخاصة ليس لها تأثير: "محدش بيتفرج عليها"، هل يعقل ان البرنامج الحوارى الأول من حيث المشاهدة فى مصر، مذاع على قناة سعودية، وقناة فضائية أخرى كانت ملئ السمع البصر، خريطتها البرامجية لا يوجد فيها سوى برنامج توك شو واحد، هذا أمر طبيعى مع غياب المعلومة، وكثرة الممنوعات، أصبحت القنوات تتجه إلى المحتوى الترفيهى والخفيف.

مشيرا إلى أن مقدمى البرامج يتنقلون بين القنوات بقرار إداري، فقد أصبحوا موظفين، تجده اليوم فى قناة ومساء انتقل إلى قناة أخرى، ومذيع كان الأشهر فى قناة خاصة تم الاستعانه به فى قناة أخرى، وقالوا عنه "أفضل مذيع فى مصر"، ثم أحالوه للتقاعد دون مقدمات، ليبلغ بقرار الاستغناء عنه وهو فى طريقه إلى الأستديو.

وهناك وجوه تم استبعادها  ثم إعادتها بعد فترة، لا يوجد أى منطق أو وضوح للأسباب فى الاستبعاد أو العودة، غياب المنطق يؤثر بلا شك على الثقة حتى على الكتلة الموالية.

(للحديث بقية)


الجزء الأول

عبد الله السناوي: الإعلام لا يصنع الثورات.. والصحافة تحتاج إلى جهاز تنفس صناعي (1-4)