الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تفاصيل "سياسية" قد لا تعرفها عن النبي محمد

الرئيس نيوز



12 ربيع الأول.. تاريخ مميز لكل المسلمين على أرض المعمورة، إذ نحتفل فيه بذكرى مولد نبي الإسلام محمد بن عبد الله، في عام 571 م، الموافق 53 قبل الهجرة.

ذكرى عطرة تستدعي معاني سامية جسدتها شخصية خاتم الأنبياء ورسالته للبشرية بالتسامح والسلام والخُلق والتضحية.

إلى جانب هذه القيم التي تتجلى لنا في سيرة النبي، فإنه استطاع الجمع بين صفات النبي المُرسل وبين صفات الإنسان الذي يقود أمه، ويدبر أمور دولة، ويواجه بها قبائل مختلفة الديانة والعصبية وممالك كبرى.

في كتاب "السياسة الإسلامية في عهد النبوة"، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، يستعرض العالم الأزهري الراحل ملامح السياسة في فكر النبي محمد، منذ أن تلقى الوحي الإله بدعوة الناس إلى الإسلام، إلى أن أسس الدولة الإسلامية في شكلها الأول.

ويبدأ عبد المتعال الصعيدي بكيفية إدارة الرسول للدعوة، فيقول: "كان من سياسة التلطف في بدء هذه الدعوة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بها رؤساء قومه، فلم يقصدهم بها في أول أمره، كما قصد موسى فرعون في أول أمرة".

ويضيف أنه لو فعل مثل النبي موسى وذهب إلى رأس القوم مباشرة فكان هذا "يثير عداوتهم لها في أول أمرها، ويجعلها مفاجأة لا تنجح في جذب أحد إليها، وتحمل هؤلاء الرؤساء على أن يقضوا عليها قبل أن يفتت أحد بها".

وفي مبدأ الشورى الذي أرساه النبي، وهو مبدأ سياسي بامتياز، يقول إنه كان يأخذ برأي الجميع، الخاصة والعامة، والرجال والنساء.

ويروي قصة أنه "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلح الحديبية أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم ليتحللوا من عمرتهم، فلم يبادروا إلى امتثال أمره، لأنهم كانوا يرون في هذا الصلح غبنا لهم".

وحزن الرسول للأمر "فدخل على زوجه أم سلمة يستشيرها في أمرهم، فقال لها: هل المسلمون، أمرتهم فلم يمتثلوا. فقالت له: يا رسول الله، اعذرهم، فقد حمّلت نفسك أمراً عظيماً في الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون، ولكن اخرج يا رسول الله وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك تبعوك".

هكذا كانت الشورى التي طلبها النبي من زوجته، وهي سيدة، سبباً في انقاذ المسلمين من "الهلاك" بتعبير الرسول.

ننتقل إلى جانب مهم من سياسة الرسول، خاصة بالحروب والغزوات التي خاضها، إذ يحدثنا "الصعيدي" عن أن النبي راعى عدة حدود في هذه الحروب.

أول هذه الحدود أن تكون الحرب للدفاع عن النفس، ثم أن يكون الدفاع على قدر ما حصل من الاعتداء، وأنه يجب على المسلمين الكف عن القتال إذا كف أعداؤهم، وأنه يجب قصر الحرب على الجيش المحارب.

كذلك منع الرسول التمثيل بالقتلى والإحراق بالنار، أو إتلاف الأموال إلا عند الضرورة القصوى، وأمر بالتورع عن تجويع الأعداء، والإحسان إلى الأسير.

وفي كيفية مواجهة أعدائه، يقول المؤلف إن الرسول اتبع أسلوب "الجاسوسية" مع هؤلاء، موضحاً: "كان المنافقون في المدينة وما حولها جواسيس لأعداء المسلمين، يطلعونهم على أخبارهم، ويجتهدون في معرفة أسرارهم ليطلعوهم عليها".

ويستشهد "الصعيدي" بالآية 47 من سورة التوبة "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين".

ويكمل: "رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ جواسيس من المسلمين، ليعملوا له بإزاء جواسيس الأعداء، ويقوموا في السر بإفساد خططهم، ويطلعوه على مؤامراتهم، ويندسوا بين أولئك الأعداء كما يندس جواسيسهم بين المسلمين، فيعرفوا أخبارهم وأسرارهم".

ويستردك المؤلف: "وليس في هذا ما يؤخذ على الإسلام، وإنما هو من اليقظة التي يجب أن يأخذ بها المسلمون، حتى لا يأخذهم عدوهم على غرة، ولا يعيشوا في جهل بما يدبر لهم. وإنما يعيب على المسلمين أن يأخذوا في تجسسهم بوسائل غير شريفة، كاستخدام النساء فيها استخداما غير شريف".

ثم يستشهد بالآية 61 من سورة التوبة "ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أٌذن قل أُذن خير لكم".

الطريقة الأخرى التي تعامل بها الرسول أحياناً مع أعدائه كانت "الاغتيال"، وهو أمر قد يبدو غريباً، لكن عبد المتعال الصعيدي يشرح: "نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بعض المسلمين الذين يعملون في السر إلى اغتيال بعض أعدائه".

ثم يستدرك: "ولكنه لم يفعل هذا إلا مرتين أو ثلاثاً، ومع أناس كانوا يؤلبون عليه الأعداء، ويجمعون القبائل لحربه، مثل كعب بن الأشرف وأبي رافع سلام ابن أبي الحقيق، وكانا من أخطر اليهود على الإسلام، وكل منهما كان يعمل في السر لجمع القبائل على حرب المسلمين والقضاء عليهم فكان اغتيالهم في سبيل الدفاع عن النفس".

ويتابع: "قد تكون هذه الوسيلة في الدفاع عن النفس أقل ضرراً من الحرب التي تقوم جهراً، فيكثر فيها القتل ويعم فيها الضرر، أما هذه الوسيلة فإنها خفية قد يجهل الفاعل فيها، فلا تقوم حرب بسببها، ولا يتعدى القتل ما حصل فيها".