السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

من عبدالناصر إلى السيسي.. ماذا فعل رؤساء مصر لاحتواء الشباب؟

الرئيس نيوز

شيماء جلال
في 2009، لم يردّ جمال مبارك على سؤال يتعلق بإمكانية أن يجلس مع الشباب المعارض، ويتحاور معهم بشأن ما يشغلهم، ولم يرد «حسين» أيضا، وهي الجملة التي قالها ساخرًا «ابن مبارك» عن إمكانية عقد مثل هذا اللقاء، والتي أصبحت تعبيرا يستخدمه كل من يريد التهرب من الإجابة، وكان يقصد وقتها الإعلامي حسين عبدالغني، الذي لم يستطع حينها أن يبرر سبب هذا الرد أو سبب الضحك. صورة مصغرة تلخص الكثير عن الحوار مع الشباب قبل 25 يناير، لكن في تاريخ مصر العريق وحتى الآن، أساليب مختلفة وقصص عن الحوار مع الشباب، منذ ثورة 23 يوليو 1952، التي قادها مجموعة من شباب الجيش، بدأت مصر تهتم بشكل خاص بالشباب، وطوال 60 عاما، والعلاقة بين الدولة وشبابها تمر بلحظات شد وجذب، صفاء وتوتر، يرصدها “موقع الرئيس”، مع كشف كثير من التفاصيل والمعلومات الجديدة، حول تعامل الدولة حاليا مع هذا الملف.
مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، بدأت الدولة في وضع استراتيجية خاصة للاستفادة من طاقة الشباب، الذين يشكلون أكثر من 66% من المجتمع، حتى لا تتحول هذه الطاقة إلى قنبلة موقوتة. وفي أكثر من مناسبة أعلن السيسي عن اهتمامه الخاص بالشباب، وضرورة تمكينهم من العمل في الجهاز الإداري للدولة، ودعم من يريدون خوض مجال الاستثمار، وهو ما دعاه للإعلان عن تخصيص عام 2016 للشباب. ونظمت مؤسسة الرئاسة مؤتمرات قومية للشباب، بدأت في شرم الشيخ، خلال أكتوبر من العام الماضي، أعقبه مؤتمر القاهرة في ديسمبر من العام ذاته، ثم أسوان خلال يناير الماضي، وبعده مؤتمر الإسماعيلية في أبريل 2017، وأخيرا مؤتمر الإسكندرية. وترجم السيسي اهتمامه بالشباب بتشكيل “لجنة العفو”، لفحص طلبات الإفراج عن الشباب المحبوس، وبالفعل تم العفو عن 3 دفعات من المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر، الأخيرة منها ضمت 502 سجين بينهم طلاب، استجابة لتوصيات مؤتمر الشباب في شرم الشيخ. ولا يمرر الرئيس السيسي أي فرصة حوار مع الشباب، إلا ووجه رسالة لهم يقول فيها “أتمنى أن أرى شابا مصريا يقف مكاني في موقع رئيس الجمهورية”. وفي حوار تلفزيوني مع الرئيس، قال المذيع أسامة كمال “الشباب مشكلة والحوار معه مشكلة، وأشعر إنهم من كوكب تاني، ولغتنا لازالت اللغة القديمة”، فرفض السيسي كلامه قائلا: “أنا مش موافق أن شباب مصر مختلفين ومن كوكب تاني.. شباب مصر بخير وواعي أوي وفاهم أوي، إحنا بنتكلم على 60 مليون مش ألف ولا اتنين.. شبابنا بخير أوي بس هو عايز فرصة كمان، مش عمل بس لكن حوار ونقاش”. ورغم تقدير الرئيس للشباب المصري، إلا أنه اعترف خلال الحوار، بإخفاق مؤسسة الرئاسة في التعامل والحوار مع الشباب قائلا “نحن لم ننجح إلى الآن أن نوجد صيغ وآليات تحقق لنا الحوار مع الشباب.. من حقهم يسمعونا ونسمعهم، لكن لازم نتفق أنتوا أمل مصر”. ولم يغفل الرئيس، خلال الحوار التلفزيوني، الذي أذيع في يونيو 2016، التحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي كمتنفس للشباب، ومنبرا للتعبير عن الرأي، قائلا “لازم نعترف إننا احترمنا الدستور ومنظمناش الإعلام وسبناه من غير قيادة، مفيش دولة في العالم كدا، لكن إحنا حبينا ننجح تجربتنا، عشان يحقق الدور الأمثل ليه”.
يدرك الرئيس السيسي جيدا أهمية احتواء الشباب الذي شارك أو عاصر ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وأن أهم مراحل الاحتواء تتعلق بدعمهم سياسيا، وتمكينهم من الوصول إلى الوظائف القيادية في الدولة، ما دفعه لأن يدعو الشباب إلى تقديم “النجباء الأفاضل” من بينهم، لخوض انتخابات المحليات، والمنافسة على ما بين 35 إلى 50 ألف مقعد. وقال السيسي، خلال كلمته في المؤتمر الوطني الأول للشباب بشرم الشيخ “شباب الأحزاب والبرلمان وكل الشباب وكل المعني بالشأن العام في مصر، أنتم جسر بين الدولة والناس”، موضحاً أن “صوت الشباب مسموع، وعندما يتحدث شاب حزبي أو تم انتخابه انتخابا حرا، فهي نقطة مضيئة جدا ولم تكن موجودة بالوضوح والشفافية والمستوى الموجود حالياً”. في 13 سبتمبر 2015، كان السيسي التقى مجموعة من الطلاب تمثل 25 جامعة مصرية، ضمن فعاليات أسبوع شباب الجامعات المصرية العاشر في قاعة المؤتمرات الكبرى بجامعة قناة السويس في الإسماعيلية، والذي أقيم بعد توقف استمر نحو 6 سنوات عن انعقاده. ووجه الرئيس خلال اللقاء رسالة إلى الشباب قائلًا “من فضلكم انزلوا الانتخابات، وأنا معنديش حد أقولكم انتخبوه، ولا قائمة معينة أزكيها، أنتم جيل جديد لم ولن ينكسر أبدًا”. وأطلقت وزارات التنمية المحلية والشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي مبادرة “مستقبلنا بأدينا”، لتدريب 330 شابا، يتولون عملية إعداد 40 ألف كادر شاب وتأهيلهم للمشاركة الفعالة في المحليات والعمل العام. المبادرة تم إطلاقها قبل تأجيل انتخابات المحليات، التي كان مقررا إجراؤها في عام 2014، عقب تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية، لتصل إلى نحو 4 ملايين شاب على مستوى الجمهورية، يكون الـ40 ألف الأساسيين مدربين لهم. ويلزم الدستور المشرع بالنص في القوانين الخاصة بالمحليات على تخصيص نسبة لا تقل عن الربع للشباب، في جميع المجالس المحلية، وبصفة دائمة، فضلا عن خفض سن الترشح إلى 21 عاما، بعدما كان محددا بـ25 عاما في الماضي. وتم اختيار الشباب المشارك في الورشة التدريبة، من خلال إعلان نشرته وزارتا التضامن الاجتماعي والشباب والرياضة، وترشيحات منسقي التعليم المدني ومنسقي المحافظات، كم تم استيفاء بيانات المرشحين من خلال استمارة معدة من قبل وزارة التضامن، بها جميع بيانات المشارك، واختباره في المعلومات العامة، والسياسية وما يجب معرفته عن الدستور الجديد ونظام الحكم، وتم تحديد 81 جمعية أهلية ستعمل في المشروع على مستوى الجمهورية بحد أدنى 3 جمعيات في كل المحافظة، واختيار المشاركين من الشباب في الفئة العمرية من 20 حتى 35 عاما، من أصحاب المؤهلات العليا
توجه فريق الرئاسة إلى الشباب مباشرة، وعبر عنوان غير سياسي بالمرة، استهدف توظيف الطاقة الشابة في إطار محاور تعليمية وتثقيفية ترفع شعار “صنع كوادر إدارية وتنفيذية مؤهلة لسوق العمل والإدارة” عنوانا لها، فأطلق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب plp. ويستهدف البرنامج الذي أطلقه الرئيس من مقر جامعة قناة السويس، خلال مشاركته في أسبوع شباب الجامعات، العام الماضي، تأهيل 2500 شاب وفتاة سنويا، وتتأسس فلسفته على بناء قاعدة قوية وغنية من الكفاءات الشبابية، تكون مؤهلة للعمل السياسي والإداري والمجتمعي في الدولة. ولم يشترط البرنامج أي انتماء سياسي أو توجه فكري بعينه، وإنما قبِل كل أطياف الشباب، انطلاقا من فكر السيسي نفسه، الذي لا يعترف بالأيديولوجيات، وربما رآها بابا للصراع والفُرقة. لاحقا تطور البرنامج إلى إنشاء الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، التي تستهدف تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر الشبابية في كل قطاعات الدولة، والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم، ومن المقرر أن تبدأ عملها خلال العام الجاري، وتتبع الأكاديمية رئيس الجمهورية مباشرة. وأعلن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، في وقت سابق عن تعيين أول الدفعات، التي تخرجت من البرنامج في وظائف مساعدي ومعاوني الوزراء والمحافظين، فضلا عن توزيع حوالي 20 شابا على كل وزارة للعمل في مجالات تتعلق باتخاذ قرارات التطوير، أو المرتبطة بتطبيق التكنولوجيا، باعتبارها هدفا تسعى إليه الحكومة. وانقسم خريجو البرنامج إلى 3 فئات، الأولى رشحت للعمل في مناصب مستشاري ومعاوني الوزراء والمحافظين. وألحقت الثانية بالعمل في وظائف الإدارات المحلية التابعة لوزارة التنمية المحلية، أما شباب الفئة الثالثة فتمّ توفير فرص عمل لهم داخل قطاعات الوزارات المختلفة والشركات الخاصة الراعية للبرنامج.
كشفت مصادر عن تعاقد مؤسسة الرئاسة مع إحدى الشركات المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي، لتصميم تطبيق خاص بالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب plp، على أن يكون التطبيق المغلق بديلا لموقع “فيس بوك”، ويشبه برنامج “51 “com الصيني الشهير، وموقع “Renren” المصمم خصيصا للطلاب. وأوضحت المصادر أن هذه التطبيقات تتمتع بذات الخصائص، التي يتمتع بها “فيس بوك”، من صفحات شخصية وعامة وإمكانية إجراء المحادثات وإرسال الرسائل، لكنها لمجتمع ضيق ومغلق. واتجهت الصين إلى هذه التجربة لضمان عدم تأثر مواطنيها بالفكر الغربي، من خلال التطبيق العالمي المفتوح. ووفقا للمصادر يحصل كل دارس بالبرنامج الرئاسي على حساب شخصي، عبر التطبيق الجديد، وكذلك أعضاء هيئة التدريس، والقائمين على البرنامج. ولا يقتصر استخدام التطبيق على نشاطات تخص فاعليات البرنامج الدراسي، لكن أيضا النقاش في الشأن العام، والتواصل مع المسئولين في الرئاسة. ووفقا للمصادر “سيتم فتح التطبيق بعد زيادة عدد مستخدميه من خريجي البرنامج، وطلاب الأكاديمية الوطنية للشباب، المقرر بدء عملها خلال أكتوبر الجاري، لينافس بذلك تطبيق فيس بوك”. وحسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الصادرة في أغسطس، فإن نسبة مستخدمي شبكة الإنترنت من الشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 29عاما، بلغت 61.9٪، ويعد “فيس بوك” و”تويتر” من أهم وسائل التواصل بين الشباب عبر الإنترنت، وبلغت نسبة مستخدمي الموقعين 76.8 ٪ لنفس الفئة العمرية. ومع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة، تعاقدت المؤسسة مع الشركة المتخصصة في “السوشيال ميديا” لإعداد تقارير دورية عن صفحة الرئيس، التي تم تدشينها أثناء حملته الانتخابية، لرصد حجم التفاعل، وإجراء تحليل نوعى لمتابعيها، وأكثر الأوقات إقبالا. وتخضع هذه التقارير لعملية تحليل إحصائي دقيق للشرائح العمرية، فضلا عن تحليل سياسي حول مدلول ذلك، ومدى حالة الرضا عن قرارات الرئيس المنشورة عبر الصفحة. واستعان المكتب الإعلامي للرئيس بشباب في العشرينات من العمر، لإضفاء روح شبابية على الحسابات الخاصة بالرئيس، واستخدام لغة بسيطة وسهلة، للوصول إلى قطاعات الشباب الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي. وانتبهت الدولة ومؤسساتها السيادية في السنوات الأخيرة إلى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما انطلقت منها الشرارة الأولى لثورة 25 يناير، عبر صفحة “كلنا خالد سعيد”. ومع استعادة أجهزة الدولة عافيتها، اتجهت إلى إنشاء صفحات خاصة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينها الصفحة الرسمية للمتحدث باسم القوات المسلحة، ويتابعها 5 ملايين و700 ألف شخص. وساهمت صفحة المتحدث العسكري في خلق حالة من التواصل المباشر والأكثر فاعلية مع الجماهير، في المرحلة الانتقالية الأولى، بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد. وعلى درب المتحدث العسكري، سارت وزارة الداخلية، ودشنت صفحة رسمية لها، قبل أن تطور الأجهزة التابعة لها أدائها، وتدشن عدد من الصفحات غير الرسمية التي تروج فيها “كوميكس” وصور وتعليقات داعمة للدولة، وتنافس بها الهجمات الإخوانية .
بشكل مفاجئ ظهر كيان طلابي داخل أسوار الجامعة يحمل اسم “طلاب تحيا مصر”، وبدأ عدد من المنسقين التابعين له في الجامعات الخاصة والحكومية، ممارسة نشاطات طلابية وتنظيم زيارات خارجية، وسافروا إلى دولة روسيا الاتحادية، عقب حادث الطائرة الروسية، وتعليق السياحة إلى مصر. ووسط تساؤلات حول تمويل هذا الكيان، ومن يوفر له الدعم المالي فضلا عن انتشاره في 21 جامعة حكومية، و4 جامعات خاصة، و7 معاهد، والتسجيل كأسرة طلابية في بعض الجامعات، من بينها الفيوم، لم ينجح الكيان في تكوين قاعدة جماهيرية من الطلاب، رغم الحرية الممنوحة له في ممارسة أنشطته داخل الجامعة، مقابل التضييق على باقي الحركات والأسر. وساهم الدعم المفتوح والحرية الممنوحة للكيان في تكهنات حول تشكله تحت سمع وبصر أجهزة الدولة، وبمباركاتها ودعمها المالي أيضا، لكن تأخر إجراء انتخابات الاتحادات الطلابية، لأكثر من 3 سنوات حتى الآن، تسبب في انحسار هذا الكيان وعدم نجاحه في جذب الطلاب إليه. الدولة والشباب.. تاريخ من الصراع ومحاولات الاحتواء كان الشباب المصري وقود معركة وطنية مخلصة لمقاومة الاحتلال الأجنبي، قبل ثورة 23 يوليو 1952، وقدم تضحيات غالية ومهمة حتى جلاء المحتل، ما فطن إليه ضباط يوليو، وأغلبهم من الشباب. وكان الرئيس جمال عبدالناصر، يميل إلى الاستعانة بالشباب وتقوية وجودهم في أجهزة الدولة، والاستعانة بهم في كل شيء، من خلال احتوائهم في تنظيمات سياسية تدعمها السلطة، خاصة بعد تجميد الحياة الحزبية.
في 21 يوليو 1966 ولدت منظمة “الشباب الاشتراكي” من رحم جامعة القاهرة، وتم الإعلان عنها كتنظيم سياسي مستقل، بدأ بعضوية 30 ألف شاب من جميع محافظات الجمهورية. وحاول عبد الناصر، من خلال المنظمة، تشكيل قواعد شبابية سياسية تضم جميع التيارات والاتجاهات السياسية، ووفقا لكتاب “منظمة الشباب الاشتراكي – تجربة مصرية في إعداد القيادات 1963 – 1976” للسياسي عبدالغفار شكر، تم الإعلان عن أن “المنظمة ستكون تنظيما سياسيا مستقلا له ممثلون في المستويات القيادية المماثلة في الاتحاد الاشتراكي العربي”. وجاء الإعلان في احتفال بتشكيل أول لجنة مركزية للمنظمة، وهى أعلى هيئة قيادية، وتضم 52 عضوا، وأسماء أعضاء السكرتارية المركزية (الأمانة المركزية) وتضم 7 أعضاء، وهي الهيئة القيادية المنوط بها إدارة العمل اليومي المركزي، والإشراف على جميع أنشطة المنظمة. كانت أهم أهداف المنظمة، تنظيم جهود الشباب لتحقيق أهداف خطة التنمية، وتقديم نموذج جديد لدورهم في المجتمع وإعداد قيادات جديدة، ويقول شكر إن التحضيرات لتأسيس “المنظمة” بدأت أواخر العام 1963، وعهد بها إلى واحد من أهم قيادات ثورة 23 يوليو 1952، وأكثرهم كفاءة، زكريا محيى الدين، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي الوحيد)، ورئيس الإدارة المركزية للشباب فيه. واجتمع محيي الدين مع الدكتور أحمد كمال أبو المجد، ويحيي الجمل، وأحمد صادق القشيري، ومحمد الخفيف، وغيرهم، في هيئة السكرتارية المؤقتة، على مدار 6 شهور، لصياغة برنامج المنظمة، الذي تميز بالجمع بين القيم الأساسية للتيارات السياسية الأربعة. خلال هذه الاجتماعات تمت الاستعانة بمفكرين من كل الاتجاهات السياسية، ماركسيين وإسلاميين وقوميين، في إعداد البرنامج الفكري، كما تقرر أن تبدأ عملية اختيار مجموعة من الرواد، ليقودوا المنظمة بعد ذلك، وتنظيم معسكرات لهم في أماكن منعزلة (مرسى مطروح وحلوان) للتفرغ تماما لإنجاز المهمة. وقاد المنظمة شخصيات موضع ثقة النظام، مثل اللواء أنور بهاء الدين، أحد الضباط الأحرار، والعقيد كمال الحديدي، مدير التدريب بكلية الشرطة، فضلا عن الدكتور حسين كامل بهاء الدين، المدرس بكلية الطب جامعة القاهرة، ووزير التربية والتعليم لاحقا، ومثل الماركسيين الدكتور محمد الخفيف، والدكتور إبراهيم سعد الدين، والدكتور عبدالرازق حسن، ومثل الليبراليين الدكتور أحمد صادق القشيري، بينما مثل التيار الإسلامي الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والقومي الدكتور يحيى الجمل. ومن أساتذة الجامعات الدكتور عبدالرازق عبدالفتاح، رئيس جامعة حلوان فيما بعد، والدكتورعبدالخالق علام، نائب رئيس الجامعة الأمريكية فيما بعد، ومن القيادات النقابية العمالية إبراهيم عبداللطيف، ومن خبراء الشباب المتخصصين سعيد حشمت ونعمان صبري، بالإضافة إلى طلعت خيرى وزير الشباب. وتصدر من تربوا في هذه المنظمة، المشهد السياسي فيما بعد، وتولوا مناصب وزارية وقيادية في الدولة، وبعضهم تولى مناصب رؤساء أحزاب معارضة، وقادة حركات شعبية، لكن كان لنظام المعسكرات الذى انتجته المنظمة أثرا كبيرا في سقوطها، ورفض المجتمع لها في بداية انطلاقها، فقد تركت انطباعا بأنها تسعى إلى غسيل مخ الشباب، وأنه تم إعدادهم لكتابة تقارير سرية، حتى أشيع ان الابن يكتب فيها تقارير عن أسرته.
لم يكن أنور السادات وحسني مبارك، يهتمان كثيرا بدعم الدولة للشباب سياسيا، ولولا الحرب وما تبعها من سعي السادات للسلام مع إسرائيل، لتراجعت مشاركة الشباب في العمل السياسي، خلال عقد السبعينات، وهو ما حدث مع خلفه، حيث بدأ العمل السياسي في الخفوت كثيرا خلال الثمانينات، إلى أن وصل للموت في التسعينات. وظل الوضع السياسي على تراجعه، حتى لاح في الأفق جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، ومع ظهوره تردد أنه يسعى لوراثة الحكم. وأسس جمال مبارك جمعية “جيل المستقبل” في عام 1998، وشغل رئاسة مجلس إدارتها وزراء وأعضاء أساسيين في الحزب الوطني المنحل، على رأسهم جمال نفسه، وأحمد عز، وأحمد المغربي، ورشيد محمد رشيد، وشريف والي. ولم تكن الجمعية تهدف إلا لتكوين قاعدة جماهيرية من الشباب، لدعم جمال سياسيا، بالإضافة لوراثة والده في الحزب الوطني. وهناك رواية حول تأسيس الجمعية، تقول إن المقترح الأساسي كان تأسيس حزب جديد يرأسه جمال، بعد خلافه مع جناح الحرس القديم داخل الحزب الوطني، الذي تحفظ على اقتحامه شئون الحكم والحزب، رغم قلة خبرته السياسية. وحسب الرواية فأن مبارك لم يكن يعلم بأمر حزب جمال، الذى بدأ اتخاذ خطوات عملية على الأرض لتأسيسه، حتى سأله أحد رؤساء تحرير الصحف القومية المرافقين له في إحدى الزيارات الخارجية، عن آخر أخبار الحزب الجديد، فاندهش الرجل، واستدعى زكريا عزمي رئيس الديوان وقتها، ليسأله عما يحدث، وتسببت الواقعة في غضب الرئيس من الابن، الذي اضطر لتحويل الحزب إلى جمعية. ومع الإعلان عن الجمعية، وتحديد مقار لها داخل جامعة القاهرة ، والإعلان عن توفيرها منحا مجانية، تهافت الشباب على الانضمام لها، فكان واضحا أنها بوابة العبور إلى العمل الحكومي والخاص على حد سواء، وأعلنت الجمعية عن أنها ساهمت في تخريج 100 ألف شاب منذ إنشائها، وساعدت على توظيفهم. وبعد ثورة 25 يناير 2011، أزال مسئولو جامعة القاهرة، كل ما دل يوما على وجود الجمعية دخل الحرم الجامعي، وحل في مقرها معهد الدراسات التربوية، بعد أن احتلت الجمعية المقر لمدة 13 عاما.