الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

الكاريكاتير السياسى.. رحلة “هات وخد” بين الرسامين والرؤساء

الرئيس نيوز

شيماء جلال
السخرية لها أثر كبير في الرأي العام، خاصة الشعوب التي تميل بطبعها إلى هذا النوع من الفنون، وقد يكون لبعض “النكات” تأثير أكبر وأعمق من المقالات الصحفية والأحاديث التلفزيونية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي يعرف بصفته رجل مخابرات سابق يدرك جيدا تأثير ذلك النوع من الفنون فيما يُسمى بـ”الحرب النفسية”، خاصة وأن السخرية كانت رأس الحربة في إسقاط جماعة الإخوان الإرهابية ومندوبها في القصر الرئاسي، محمد مرسي.
مع بداية تسلم السيسي مهامه كرئيس، صدرت تعليمات شفهية لوسائل الإعلام بعدم تناوله في أي مواد ساخرة، أو رسوم كاريكاتورية.
وشددت التعليمات على أنه في حال الاضطرار لتناول الرئيس في رسم كاريكاتوري، لابد أن يكون مرسوما بالزي الرسمي، ودون أي تلميحات أو إسقاطات، ما ترتب عليه عدم رسم الرئيس خلال السنوات الماضية.
المحاولة الوحيدة لتناول الرئيس في رسم كاريكاتوري، كانت للكاتبة نشوى الحوفي، التي حصلت على موافقة من مؤسسة الرئاسة، بنشر سلسلة رسوم كاريكاتورية في جريدة “الوطن”، تحت عنوان “خالتي وجيدة”، إلا أنها لم تحقق نجاحا جماهيريا، فتوقفت.

خلفت واقعة القبض على رسام الكاريكاتير الشاب إسلام جاويش، حالة استياء واسعة بين الشباب، المتابعين لصفحة “الورقة”، على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، معتبرين أن ذلك مصادرة لحرية الرأي والتعبير.
وتحظى رسومات صفحة “الورقة”، بمتابعة واسعة على موقع “فيس بوك”، وقد صدرت في كتاب، طُرح في الدورة الماضية من معرض القاهرة الدولي للكتاب.
كانت صفحة «الورقة»، أعلنت توقفها عن نشر أعمالها الفنية، احتجاجا على القبض على جاويس من قبل رجال الشرطة، معتبرة أن ذلك عقابا على نشره رسوما ضد النظام.
وقالت وزارة الداخلية وقتها إنها قبض على إسلام، بتهمة إدارة موقع إلكتروني دون الحصول على ترخيص ومخالفة قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، باستخدام برامج حاسب آلى مقلدة، إلا أن النيابة العامة أخلت سبيله دون توجيه اتهامات له.
وعلق الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أحد المؤتمرات على أزمة جاويش، قائلا «أنا والله ما بزعل من حد، ومفيش حاجة اسمها بشر على قلب رجل واحد، ودا ما اتعملش مع الأنبياء، وأنا والله ما زعلان من جاويش ولا من غيره».

تعتبر فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، من أكثر الفترات التي حظي فيها الكاريكاتير السياسي، وأغلب الأعمال الفنية الساخرة، والتي تحتوى على نقد لاذع لجماعة الإخوان، بانتشار وقبول جماهيري واسع.
ورغم أن الجماعة كانت تنتبه لخطورة فتح الباب واسعا أمام الأعمال التي تتناول قياداتها بسخرية شديدة، إلى درجة أن بعض أعضائها طالبوا المعزول مرسي بالتصدي لها، حيث دعاه أحدهم للتحرك قائلاً “أضرب يا ريس”، إلا أن الوقت لم يكن كافيا للتحرك.
وبذلك مثلت الأعمال الساخرة، في مقدمتها الرسوم الكاريكاتورية، وبرنامج “البرنامج” للمذيع باسم يوسف، رأس الحربة في عملية إسقاط مرسي.
بعد ثورة 25 يناير انتشرت كالنار في الهشيم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رسومات الفنان البرازيلي من أصل لبناني كارلوس لاتوف، والتي كانت تسخر بشكل أساسي من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وكانت تعتبر رسومات لاتوف، أكثر حدة من الرسومات التي تنشرها وسائل الإعلام المصرية لفنانيين مصريين، وقد حققت أصداءً واسعة بين الشباب، الذين عارضوا إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية الأولى.
ورغم أن رسومات لاتوف لم تتوقف حتى الآن، إلا أنها لم تجد طريقها مرة أخرى للأوساط السياسية المصرية، كما كانت من قبل.
رغم التزام أغلب رسامي الكاريكاتير بالخطوط الحمراء، التي وضعها نظام مبارك، وعدم تناوله وأسرته بنقد لاذع، إلا أن الكاريكاتير السياسي في عهد الرئيس المخلوع كان ثريا، ومن أشهر الأعمال الكاريكاتورية في تلك الفترة، رسومات “فلاح كفر الهنادوة”، التي كانت تنشرها صحيفة “أخبار اليوم”، للكاتب أحمد رجب، والفنان مصطفى حسين.
واشتهر فلاح “كفر الهنادوة”، الذي كان يرمز للشعب المصري، بتوجيه الأحاديث الساخرة لرئيس الحكومة.
ومن أشهر أحاديث فلاح الهنادوة، التي كان يوجهها لرئيس الحكومة، بداية من عاطف صدقي “البيه عاطف”، والذي لم يضيق صدره بالنقد اللاذع، ولم يحتج على أي سخرية، بالعكس كان يظهر سعيدا بها.
وعندما تولى الدكتور كمال الجنزروي، رئاسة الحكومة، خلفا لـ”عبيد”، طلب من صحيفة “أخبار اليوم” عدم تعرض “فلاح كفر الهنادوة” له، فتحولت إلى مخاطبة رئيس مجلس الشعب وقتها، الدكتور فتحي سرور، ومن بعده إلى عاطف عبيد الذي تولى المسئولية مرة أخرى، ثم الدكتور أحمد نظيف.
وبعد الانتخابات الرئاسية فى 2005، تناول “فلاح كفر الهنادوة” الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعلى الرغم من أنه لم يكن يمس هيبته، أو يوجه نقد لاذعا له، إلا أن ذلك مثّل نقله هامة فى الكاريكاتير السياسي، وشجع آخرين على كسر الخطوط الحمراء.
بعد انتصار أكتوبر المجيد في 1973، منح الرئيس محمد أنور السادات الصحافة وكتاب الرأي بعضا من الحرية، وبدأ الكاتب الساخر أحمد رجب يتناوله في أعماله، بشكل جدي.
ورغم قراره بمنح الحرية وسعادته بالنقد الذي كان يوجه له، إلا أن صدر السادات ضاق بأعمال رجب، لكنه أراد استخدامه في مهاجمة خصومه، خاصة من قادة الدول الأخرى، فقال تحت قبة مجلس الشعب “الواد المجنون بتاع ليبيا مش راضي يبطل جنان”، فكانت مقولته إشارة بدء بالسخرية من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، فوجه رجب وحسين سهام السخرية الحادة إليه.
وفي حديث صحفي قال حسين عن رسومات التي تطاول فيها على العقيد، حيث رسمه في إحداها كطفل يجلس على “القاعدة البلاستيكية المخصصة لتبرز الأطفال”، إن هذه الرسومات وضعتني مع رجب على قائمة اغتيال تضم 6 شخصيات، أذكر منها إحسان عبدالقدوس وكمال الطويل.
وقد ردت السلطات الليبية على هذه الرسومات بمنع دخول صحيفة “الأخبار” إلى الجماهيرية، لكن التيار السياسي المعارض للعقيد، بذل مجهودات كبيرة لإدخال الأعمال الساخرة منه إلى ليبيا، حتى أنه جمع تلك الرسومات، التي كانت بمثابة منشورات سياسية في كتاب، ونجح في إدخالها إلى البلاد.
“الحرية” التى سمح بها السادات فى انتقاد الحكام العرب، لم تكن متاحة لانتقاده، فأصدر قرارا بمنع الفنان بهجت عثمان من نشر أعماله الكاريكاتورية، إلا أن الأخير تحايل على النقد المباشر  للسادات، عبر ابتكاره شخصية «بهجتوس»، التي رسمها بالملابس العسكرية وتتقلد الأوسمة والنياشين المميزة لزي الرئيس، وصار “بهجتوس”، زعيم جمهورية «بهجاتيا العظمى»، عنوانا لتمرير النقد اللاذع.

ذبل الكاريكاتير السياسي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، فلم يكن يجرؤ أي رسام كاريكاتير على تناول “الزعيم الخالد” بالسخرية، خاصة مع تراجع الصراع الحزبي، وتماشي رؤية الفنانين الساخرين من رؤية السلطة في ذلك الوقت، لكن الأمر لم يسلم من بعض الانتقادات الخجولة.
وقد اقتصر الكاريكتير فى عهد عبد الناصر، على دعم المشاريع القومية وشحن الجماهير معنويا لدعم تحركات السلطة، خاصة فيما يتعلق بالاتجاه إلى القومية العربية.
وفى إحدى المرات، نشرت مجلة “صباح الخير”، غلافا من رسومات الفنان حجازي، تظهر فيه فتاة من بنات الذوات أمام دولاب ملابس، به رجال تختار من بينهم من يناسب فستانها، وقال عبدالناصر «ده مش المجتمع المصرى»، فتوقف حجازى عن الكاريكاتير السياسى واتجه لرسومات الأطفال.