السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"أقلام مأجورة".. خريطة تأثير المال القطري على مراكز البحث في أمريكا وبريطانيا

الرئيس نيوز

ـ 6 دول خليجية قدمت أموالها للجامعات الغربية أبرزها قطر التي أنفقت 1.3 مليار دولار

ـ "الجزيرة" تدير منصة لوسائل التواصل الاجتماعي دخلت في شراكة مع وسائل إعلام أمريكية بميول يسارية

عندما تدخل الأموال المسيّسة من الباب، تقفز الموضوعية والمهنية ومعهما المصداقية المفترضة في المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث من النافذة؛ فهما نقيضان لا يجتمعان، على سبيل المثال: تعلو في بريطانيا، خلال الآونة الأخيرة أصوات المنتقدين ضد محاولات الصين وغيرها من الدول التأثير على المسؤولين الحكوميين والتلاعب بوسائل الإعلام البريطانية من خلال الجامعات ومراكز البحث ولا تعد الصحف البريطانية استثناء من هذا الاستهداف الذي استفحل في الدوائر الأكاديمية والبحثية في بريطانيا والولايات المتحدة، بصفة خاصة.

وأشارت وثيقة صدرت مؤخرًا، وفقًا لصحيفة "التايمز" البريطانية، إلى أن مركزًا في جامعة "ليدز" يقدم دروسًا في اللغة والثقافة الصينية للشركات المحلية، بهدف تعزيز الروابط بين بكين والموظفين الحكوميين في بريطانيا.

قدّم مركز أبحاث إعلامي في جامعة ويستمنستر له صلات بالحكومة الصينية دورات تدريبية لأكثر من 600 متحدث رسمي من الإدارات الحكومية الصينية، حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام البريطانية. ويدير المركز "هوجو دي بورغ"، الأكاديمي البريطاني الذي تفاخر بأنه رافق رئيس الوزراء الحالي "بوريس جونسون" في رحلته الأولى إلى بكين قبل 10 سنوات، وكانت جامعة ليدز قد افتتحت معهد كونفوشيوس للأعمال في ديسمبر 2012.

تعرَّضت العلاقة بين الجامعات الغربية ودول الخليج، وبصفة خاصة قطر، للتدقيق الشديد منذ منتصف العام الماضي، وقد رصدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية احتجاجًا عالميًا ضد تدخل المال السياسي في الشؤون الأكاديمية والبحثية. فمع مليارات الدولارات التي تبرعت بها قطر للمؤسسات الأكاديمية التي تدافع تقليديًا عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية، تثار أسئلة حول ما إذا كانت أموال الخليج قوضت قدرة الجامعات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة واستراليا على دعم القيم التي من المفترض أن تدافع عنها.

قدمت ست دول خليجية ما مجموعه 2.2 مليار دولار للجامعات الأمريكية منذ بداية عام 2012، وفقًا لتحليل صحيفة الفاينانشال تايمز. يمثل مجموع المبالغ المعلنة بالفعل أقل بقليل من مجموع قيمة الهدايا والعقود الأجنبية، خلال تلك الفترة.

احتلت قطر المركز الأول في تمويل الجامعات ومراكز البحث الغربية، وتعد أغنى دولة في العالم من حيث دخل الفرد، وأنفقت 1.3 مليار دولار، تليها المملكة العربية السعودية التي أنفقت مبلغ 580.5 مليون دولار ثم الإمارات العربية المتحدة التي أنفقت 213 مليون دولار.

وقالت صحيفة فاينانشال تايمز إن هناك شفافية أقل على التمويل الأجنبي للمؤسسات البريطانية. لكن الكيانات الخليجية، تبرعت بعشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية للمؤسسات الرائدة في البلاد، في المقام الأول لمراكزها ذات الصلة بدراسات الشرق الأوسط.

وتوصل بحث أجراه أكاديميان أنه تم دفع 89 مليون دولار على الأقل لمؤسسات أكاديمية وبحثية بالمملكة المتحدة وحدها بين عامي 1997 و2007.

تعد جامعة هارفارد واحدة من أوائل الجامعات التي أدارت ظهرها لأموال الخليج منذ أكتوبر الماضي، حسبما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز، بما في ذلك عدم تجديد برنامج زمالة مدته خمس سنوات مع مؤسسة مسك، وهي مؤسسة خيرية مرتبطة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. يقول ويليام إي جرانارا، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد: "سوف يجعلنا هذا التوجه الجديد جميعاً أكثر وعياً، وأكثر حرصاً، فيما يتعلق بكيفية بحثنا عن المال، وكيف نقبل المال، فالحملة الأخيرة ضد المال المسيس سوف تبقينا جميعًا واقفين على أطراف أصابع أقدامنا".

ووصف عدد من الأكاديميين المشار إليهم في تقرير "فاينانشيال تايمز" الوضع الشائك الذي وضعت الجامعات نفسها به نتيجة لعلاقاتها بالخليج؛ فقال مضاوي الرشيد، وهو استاذ زائر في مركز الشرق الأوسط في لندن: "تهدف الجامعات إلى دعم بعض القيم والموضوعية والتمويل من دول الخليج، خاصة تلك التي تشتهر بانتهاك حقوق الإنسان، وتشوه سمعة هذه المراكز؛ إنهم [المتبرعون الخليجيون] يخلقون مجالًا للتأثير في ما تنشره الجامعات. إنه تأثير غير مباشر، ولكنه قوي بالتأكيد".

قال أحد الأكاديميين البريطانيين المذكورين في التقرير إنه عندما نشر مقالاً عن دولة خليجية، أرسل أحد كبار أعضاء جامعته في المملكة المتحدة رسالة له عبر البريد الإلكتروني لتذكيره بأن الدولة المعنية كانت "متبرعة وشريكة للجامعة لفترة طويلة، لذا يرجى أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار". الأكاديمي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته أو اسم المؤسسة التعليمية، غادر الجامعة لاحقًا. وقال: "لم يكن هناك شك في أنني سأضطر إلى مغادرة الجامعة لأسباب أخلاقية، فهل نقبل مثلاَ منحة من مسؤول بالكرملين ونقرر تسمية مبنى باسمه؟ من الواضح أن الإجابة هي: لا".

وجدت الأبحاث التي أجراها أكاديميان بريطانيان، هما بيرجان درايج وليسترا، أنه قبل الانتفاضات العربية عام 2011، كانت المؤسسات البريطانية الممولة من الخليج أقل إقبالاً على إثارة قضايا تمس الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والقضايا المتعلقة بحقوق المرأة. ولكن، بعد احتجاجات عام 2011، أولت جميع المؤسسات المزيد من الاهتمام للديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن تلك المؤسسات التي تمولها الكيانات الخليجية "ظلت أقل احتمالًا إلى حد ما فيما يتعلق بإثارة هذه القضايا".

لماذا أصبحت المؤسسات الأكاديمية الغربية فريسة سهلة للأموال الخليجية؟

أجاب كريستيان كوتس أولريكسن زميل معهد بيكر لدراسات الشرق الأوسط: "لقد تغير مناخ التمويل بشكل كبير على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية لدرجة أنها أصبحت مجبرة تقريبًا على جمع الأموال من أماكن أخرى. وقد أعطت الأولوية من قبل بعض دول الخليج لتعزيز قوتهم الناعمة في مجالين - التعليم والرياضة".

أشار تقرير "فاينانشيال تايمز" إلى أن العلاقات تنطوي على مزيد من التعقيد بسبب الخلاف الإقليمي المرير الذي يربط بين قطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، مع عزم جميع الأطراف على استخدام قوتهم الناعمة للترويج لرسالتهم. أما الخطر بالنسبة للأكاديميين فيكمن في حقيقة أن أبحاثهم وعلاقاتهم أصبحت مسيسة.

وقال البروفيسور توبي دودج من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: "هناك منافسة على النفوذ على مستوى العالم بين طرفي هذا النزاعات التي تدور رحاها في لندن وواشنطن وفي جميع أنحاء العالم، وهذا يجعل من الصعب على أي شخص في الأوساط الأكاديمية أو أي شخص آخر اتخاذ مسار مستقيم، أما أنا شخصيًا فأود عدم اختيار أي من الجانبين."

الصحف ومراكز الرأي

في الرابع من يونيو الماضي، نشرت صحيفة واشنطن تايمز "قسمًا خاصًا" من المقالات التي أثنت على قطر ومؤسساتها وتأثيرها العالمي. تم تصنيف كل من هذه المقالات على أنها "شبه مدفوعة"، على الرغم من إنكار التايمز حدوث ذلك. للوهلة الأولى، يعد هذا حدثًا غير مسبوق في تاريخ الصحيفة المحافظة التي كان مجلس تحريرها ينتقد سابقًا دولة قطر كلما سنحت الفرصة لذلك.

في حين أن الأموال القطرية موجودة في كل مكان، إلا أنه في السنوات السابقة كان تأثيرها في الغالب على اليسار الأمريكي ملحوظًا، على سبيل المثال، تدير إمبراطورية الجزيرة الإخبارية في قطر منصة لوسائل التواصل الاجتماعي تعرف باسم AJ+، والتي دخلت في شراكة مع العديد من وسائل الإعلام الأمريكية ذات الميول اليسارية.

وفي الوقت نفسه، تلقت مؤسسات الفكر والرأي البارزة مثل معهد بروكينجز عشرات الملايين من الدوحة. وحصل على 15 مليون دولار في عام 2013، وعلى الأقل 2 مليون دولار في العام الماضي فقط، وربما أكثر من ذلك بكثير.

 لقد أتاح هذا السخاء القطري لبروكينجز افتتاح مركز فخم في الدوحة، وفي الوقت نفسه، لذا يتمتع النظام القطري بتدفق مطرد من الأوراق الأكاديمية التي تقلل من خطورة رعاية قطر للإسلام السياسي والحركات العنيفة وتصور علاقاتها بالجماعات الإرهابية المعنية على أنها ليست أكثر من محاولات جادة للحوار، تُنفذ في إطار اكتساب النفوذ مقابل الإحسان.

لكن المؤسسات مثل بروكينجز - إلى جانب العديد من الجامعات الأمريكية (بما في ذلك الكليات العامة) التي تتمتع بترتيبات مماثلة أصبح معظمها مجرد لعبة في يد الدوحة. على مدار الأعوام القليلة الماضية، كانت هناك محاولات قطرية ملحوظة لكسب الأصدقاء والتأثير على أشخاص خارج نطاق اليسار المعتاد.

المثال الأبرز الذي حظي ببعض الاهتمام العام في السنوات القليلة الماضية هو عروض الحصول على منح نقدية وتحمل نفقات السفر المقدمة إلى المنظمات اليهودية الأمريكية الرائدة منذ عام 2017، في إطار محاولة أخرى للجمع بين النقيضين وتقديم الدعم لحماس والمنظمة اليهودية في آن واحد.

أقلام مأجورة

أصبح من المألوف منذ 5 يونيو 2017 ـ تاريخ مقاطعة دول الرباعي العربي ـ النظر إلى الكاتب والصحفي البريطاني "ديفيد هيرست" على أنه الناطق الرسمي باسم الدوحة، وأطلق الكاتب لنفسه العنان في هجوم عنيف روتيني ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بل طور من أدواته، فبات مؤخرًا يحذر السعوديين من الإماراتيين والعكس، على سبيل المثال عنون هيرست عبر موقع ميدل إيست آي الموالي للدوحة منذ يومين: "على آل سعود الحذر من أبناء زايد"، والتقطت مقاله وسائل الإعلام ذات الميول القطرية مثل شبكة رصد الإخوانية والمواقع الإخبارية التي على شاكلتها.

أما ديفيد كيرك باتريك، الصحفي اللامع بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فقد أصبح متخصصًا في كتابة الموضوعات التي تركز في موضوع واحد هو الإساءة إلى الرياض وأبو ظبي في كل مناسبة، ويدعم جميع حملات وقف تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السعودية والإمارات، كما ينضم إلى أصوات تعلو بوسائل الإعلام التركية بين حين وآخر في الإساءة إلى الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ونادرًا ما يتم توجيه هجوم صحفي ضد دول الرباعي العربي فرادى، وكان ديفيد كيرك باتريك أيضًا وراء إشاعة وجود علاقات سرية بين مصر وإسرائيل، ويعتبر من المناهضين لفكرة الرئيس ترامب المتعلقة بإدراج تنظيم الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية.