الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"فاروق حسني يتذكر" (3): تليفزيون مبارك صنع من المتطرفين نجومًا.. وطالبت بتوحيد الآذان فقالوا لي "وإنت مالك؟"

الرئيس نيوز

- التليفزيون كان يعطي الفرصة لدعاة منتمين لـ"الإخوان" للظهور.. واقترحت "مجموعة تنمية بشرية" ولم يهتم أحد

- شكوت لمبارك عدم اهتمام التليفزيون بنشاطات الوزارة.. فأذاعوها في الثالثة صباحًا

- الأمن كان يستعبد أسماء من قائمة حضور لقاء الرئيس بالمثقفين.. وكنت أستقطبهم لأنهم "أدواتي"

- كنت معجبًا بكتابات صنع الله إبراهيم.. وعندما رفض جائزة الرواية غيرت رأيي فيها

 

 

أن تبقى لنحو ربع قرن وزيرًا فإن الأمر مثير للتأمل والتحليل، ورغم أن الموضوع قد لا يخلو من تميز، فإنه أيضًا لا يعفي من مسؤولية ولو أدبية عن بعض القيم التي مثلتها تلك الفترة في ظل نظام سياسي ظل لنحو 30 عامًا في السلطة.

هو فاروق حسني، وزير الثقافة المصري في الفترة من 1987 إلى 2011، والذي تتراوح النظرة إليه ما بين الفنان المستنير المبدع في عيون محبيه، وراعي "الحظيرة" في نظر كل من اختلفوا معه ومع سياساته طوال سنوات.

كتاب "فاروق حسني يتذكر.. زمن من الثقافة"، الصادر عن دار نهضة مصر، 2018، وهو كتاب حوارات، حررته الصحفية انتصار دردير، يستعيد تفاصيل تلك الفترة التي شغل فيها الفنان الوزارة، وشهدت معارك وأحداث وتطورات ثقافية شتى.

"الرئيس نيوز" يعرض الكتاب الذي يمكن اعتباره مذكرات الوزير الأسبق، على عدة حلقات، نظرًا للمكانة الجدلية التي شغلها صاحبه في مسيرة الثقافة المصرية الرسمية طوال أكثر من عقدين.

 

*

 

ظلّ نظام حسني مبارك في السطة نحو 30 سنة؛ وهو متسع من الوقت كان من الممكن فيه إصلاح نظام التعليم عبر خطة طويلة الأجل تمتد لثلاثة عقود، لكن هذا لم يحدث حسبما نفهم من كلام فاروق حسني، وزير الثقافة في النظام لأكثر من 23 سنة، والذي يحمِّل نظام التعليم مسئولية مشكلة التطرف.

يقول: "هناك مآخذ عديدة على المناهج التعليمية، ولا بد من تنقيتها، وعشرات المآخذ على أسلوب التعليم ذاته، وهناك أيضا آلاف الزوايا التي تغيب عنها الدولة وتبث الأفكار المتطرفة في عقول الناس باسم الدين".

عندما تسأله محررة الكتاب عن موضع الثقافة في كل هذا بصفته كان وزيرًا لسنوات طويلة يرد: "التعليم جزء من الثقافة، ومحاربة الفكر المتطرف تتطلب منظومة كاملة من عدة وزارات، نحن كوزارة أقمنا قصور الثقافة والمكتبات في كافة المحافظات والقرى والنجوع، وأطلقنا الأنشطة الفنية من مهرجانات مسرحية وسينمائية وأدبية في كافة الأقاليم".

ثم يضيف شيئا يعيد إلى الأذهان المعركة المكتومة بينه وبينه صفوت الشريف من 1982 إلى 2004. يقول "حسني" عن مجهوداته تلك: "لم يكن يسلط عليها الضوء إعلاميا كما ينبغي، وكنا نستجدي التليفزيون لكي يعرضها لتصل إلى الناس، وكنت أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم به فيعطي توجيهاته لهم فيعرضونها في الثالثة صباحا بحيث لا يراها أحد".

ثم يتحدث بوضوح أكثر عن مسئولية نظام مبارك عن التطرف: "كانت الزوايا مليئة بالمتطرفين وهم من يعتلون المنابر، والدولة كانت غائبة عنهم، حتى في التليفزيون كانوا يعطون الفرصة للدعاة الجدد المنتمين للإخوان فكريا ويصنعون منهم نجوما، ووزارة الثقافة لم تكن تستطيع أن تصفق وحدها".

ماذا كان يُفترض حدوثه في رأي وزير الثقافة في النظام إذن؟

يقول فاروق حسني إنه قدم اقتراحا كان ولا زال الكثيرون وينادون به بالفعل: "كان لا بد من وجود مجموعة للتنمية البشرية على غرار مجموعة التنمية الاقتصادية، وقد اقترحت ذلك، وقلت: فليرأسها رئيس الوزراء لضمان تفعيل قراراتها، على أن تضم الأوقاف والشباب والثقافة والإعلام والتعليم، وكبار المثقفين ورجال الأزهر والكنيسة، في فريق كامل بحيث لا يعمل كل فريق بمعزل عن الآخر"، ثم يردف: "ولم يؤخذ الاقتراح باهتمام وجدية".

ثم يكشف عن اقتراح آخر محدد قائلا: "طالبت بتوحيد الآذان قالوا: "وانت مالك؟"، لكننا لا نعرف على وجه الدقة لمن قدم اقتراحه ومن رفضه وقال له إن هذا ليس من شأنه.

نتقل مع فاروق حسني إلى أمور محددة أكثر أثارت الجدل والانتقاد في عصر مبارك، وعلى رأسها لقاء الرئيس الأسبق بالمثقفين في معرض الكتاب كل سنة.

يقول "حسني": "المعتاد أن أرسل للرئاسة أسماء من سيحضرون اللقاء، ولم يكن عندي "خيار وفاقوس"؛ بل أرسل جميع الشخصيات على اختلاف توجهاتها السياسية، وكانت قائمة الحضور يتدخل فيها الأمن وتصلني مستبعدا منها بعض الأسماء، فكنت أعود لأناقشهم، وأحيانا أقنعهم بعدم استبعاد أحد، وأقول لهم: هل سيحضر ومعه مسدسا؟! إنه سيطرح رأيا، والرأي يرد عليه برأي آخر، لكن أحيانا يتمسكون بوجهة نظرهم".

واللافت أنه يقول إنه "لم تحدث أزمات في هذا الشأن"، وهو كلام يتعارض مع وقائع أعلن عنها أصحابه بخصوص لقاء المثقفين، ومنها أسئلة صريحة عن الديمقراطية وجهها المفكر الراحل محمد السيد السعيد للرئيس الأسبق في أحد هذه اللقاءات.

عندما يأتي الكتاب إلى أزمة مؤتمر إعلان جوائز الرواية العربية عام 2003 والتي كان بطلها كلمة الروائي صنع الله إبراهيم عندما صعد إلى المنصة وبدلا من أن يتسلم الجائز ألقى فيها كلمة وجه فيها انتقادا لاذعا لنظام حسني مبارك؛ فإننا نجد فاروق حسني منفعلا للغاية.

يرى الوزير الأسبق أن صنع الله إبراهيم جاء إلى المؤتمر ليصنع "شو" لا أكثر، ويقول إن الروائي الكبير "أحد الباحثين عن الشهرة، فهو غير معروف على المستوى الشعبي، ويبدو أن هذا الأمر ظل يؤرقه".

ويبدو أن انفعال "حسني" ورطه في موقف متناقض، فبينما يقول عن صنع الله إبراهيم إنه "ككاتب كنت أقرأ له وأعجب برواياته" يتحول موقفه سريعا بسبب ما حدث في مؤتمر إعلان الجائزة ليقول: "لكن أدركت أن كتاباته تشبه تصرفه"، وهي نظرة لا تفصل بين إبداع الكاتب الذي كان يعجب الوزير وبين موقفه الذي يعتبره "شو لا أكثر".

ويكشف فاروق حسني أنه في صباح اليوم التالي للواقعة عندما تناقل البعض أن مباحث أمن الدولة ستلقي القبض على صنع الله إبراهيم، شعر بالقلق واتصل بالرئيس لكن مبارك طمأنه قالا: "إيه الكلام الفاضي ده!"، إذ كان الوزير الأسبق "يخشى أن يتحول صنع الله إلى بطل قومي".

في السنوات الأخيرة من عهد فاروق حسني وعهد نظام حسني مبارك عُرف مصطلح "حظيرة النظام" في الأوساط الثقافية، وهو اتهام وُجّه للوزير الأسبق على خلفية محاولاته استقطاب المثقفين لصالح النظام.

يرد على كل هذا قائلا: "إذا كنت قد استقطبتهم ليأخذوا وضعهم في المشهد الثقافي، فهل هذا اتهام؟! هذا من حقي وواجبي، من حق القيمة أن تنتشر لتؤثر في الناس، ومن واجب اللاقيمة أن تتوارى".

ثم يضيف موضحا رؤيته التي تبدو غريبة لفهم دور المثقفين، وكأنه يتحدث عن نجاح شخصي: "كنت أستقطبهم لأنهم أدواتي كرجل مسئول عن الثقافة"، ثم يضفي على ذلك صبغة وطنية قائلا: "كان ذلك من أجل مصر الدولة وليس من أجل النظام".