أوروبا تتجه للتغلب على روسيا بـ"شنجن العسكرية" - يمكن للقوات عبور الحدود خلال 24 ساعة
في أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث تتقاطع السياسات الدفاعية مع التهديدات الجيوسياسية، تبرز مبادرة "شنجن العسكرية" كخطوة استراتيجية جريئة لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية أمام التهديد الروسي المتزايد. مع اقتراب نهاية عام 2025، أقر البرلمان الأوروبي قرارًا يدعم إزالة الحدود الداخلية لنقل القوات والمعدات العسكرية، مما يسمح للقوات بالعبور خلال 24 ساعة في حالات الأزمات، في محاولة للتغلب على روسيا التي تواصل حربها في أوكرانيا. هذه المبادرة، التي تُشبه اتفاق شنجن للحركة الحرة للأشخاص، تهدف إلى تعزيز الردع والاستعداد السريع، خاصة على الجبهة الشرقية مثل دول البلطيق وبولندا.
وبدأت الفكرة تتبلور كرد فعل على الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، الذي كشف عن ضعف القدرات الأوروبية في نقل القوات بسرعة. حاليًا، يمكن أن يستغرق نقل الوحدات العسكرية أكثر من شهر بسبب العقبات الإدارية والمالية والبنية التحتية، مثل الحاجة إلى تصاريح متعددة وطرق غير ملائمة للمعدات الثقيلة.
وفقًا لتقارير نشرها موقع البرلمان الأوروبي على الويب، يهدف اتفاق "شنجن العسكرية" إلى إزالة هذه العوائق من خلال إنشاء منطقة عسكرية حرة، مع حلول رقمية و"نافذة واحدة" للتصاريح، وفريق عمل متخصص، ومنسق أوروبي للتنقل العسكري. كما يدعو القرار إلى ترقية البنية التحتية على طول أربعة ممرات تنقل عسكرية رئيسية، بما في ذلك السكك الحديدية والطرق والأنفاق والجسور، لضمان تدفق سلس للقوات.
من الناحية الزمنية، يقترح القرار اتباع نموذج الناتو للسماح لقوات الرد السريع بعبور الحدود الداخلية في غضون ثلاثة أيام في أوقات السلم، وفي غضون 24 ساعة أثناء الأزمات. هذا الجدول الزمني الطموح يُعتبر ضروريًا للردع، حيث يمكن أن يمنع روسيا من استغلال التأخيرات الأوروبية، كما حدث في الصراع الأوكراني.
وفي سياق أوسع، يأتي هذا الاقتراح بعد شهور من التوترات المتزايدة، مع تهديدات روسية متكررة ودعم الناتو لأوكرانيا، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز تعاونه مع الحلف لإجراء تمارين مشتركة واختبارات ضغط للقضاء على الاختناقات.
ماليًا، يطالب البرلمان بزيادة التمويل إلى أكثر من 17 مليار يورو في الميزانية متعددة السنوات المقبلة، مع تخصيص ما لا يقل عن 100 مليار يورو لترقية 500 نقطة بنية تحتية حرجة. هذا يأتي كرد على التخفيضات السابقة بنسبة 75% في ميزانية 2021-2027، ويشمل تبسيط التمويل للمشاريع ذات الاستخدام المزدوج (مدني وعسكري). كما يحذر القرار من أي تخفيضات إضافية، مؤكدًا أن الاستعداد العسكري هو مفتاح الردع أمام العدوان الروسي.
وسياسيًا، أثار القرار جدلًا، حيث صوت 493 نائبًا لصالحه مقابل 127 معارضًا و38 ممتنعًا. قال المقرر المشارك بيتراس أوشتريفيتشوس (من ليتوانيا): "إظهار الاستعداد من خلال نشر سريع للقوات والمعدات أمر أساسي لردع المعتدين، ويجب إكمال 'شنغن العسكرية' بشكل عاجل". أما روبرتس زيلي (من لاتفيا) فأكد أن "العديد من العقبات الحالية يمكن حلها بسرعة وبكلفة منخفضة، وأن الإجراء المتسارع حاسم في ضوء حرب روسيا في أوكرانيا". هذا الدعم يعكس تحولًا في السياسة الأوروبية نحو دفاع جماعي أقوى، مع التركيز على الجبهة الشرقية التي تواجه التهديد الروسي مباشرة.
واستراتيجيًا، يمثل اتفاق "شنجن العسكرية" قفزة نوعية نحو اتحاد دفاعي أوروبي، يعزز من القدرة على الرد السريع ويقلل الاعتماد على الولايات المتحدة داخل الناتو. ومع ذلك، يواجه تحديات مثل التوافق بين الدول الأعضاء والحاجة إلى استثمارات هائلة، في وقت تشهد فيه أوروبا ضغوطًا اقتصادية. إن نجاح هذه المبادرة قد يغير توازن القوى مع روسيا، محولًا الاتحاد الأوروبي من اتحاد اقتصادي إلى قوة عسكرية متماسكة، لكن الفشل قد يعرض الشرق الأوروبي لمخاطر أكبر. في النهاية، يُعد هذا القرار خطوة حاسمة نحو أوروبا أقوى، قادرة على مواجهة التحديات الروسية بفعالية غير مسبوقة.