رقابة البنتاجون تنتقد هيجسيث بسبب رسائل سيجنال حول ضربات اليمن
فجّرت هيئة الرقابة في وزارة الدفاع الأمريكية جدلًا واسعًا حين وجّهت انتقادات مباشرة لوزير الحرب الأمريكي بيت هيجسيث بسبب استخدامه تطبيق المراسلة المشفر "سيجنال" في إدارة وتبادل التعليمات المتعلقة بالضربات الجوية في اليمن. القضية لم تكن مجرد ملاحظة تقنية، بل تحولت إلى ملف سياسي وأمني كبير لأنها تكشف عن إشكالية الشفافية والمساءلة في إدارة الحروب الحديثة، خصوصًا في ظل تصاعد العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
التقرير الرقابي أوضح أن هيجسيث استخدم التطبيق للتواصل مع عدد من كبار القادة العسكريين بشأن تفاصيل عمليات حساسة، بما في ذلك ضربات بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع مرتبطة بجماعة الحوثي. ورغم أن التطبيق يُعرف بقدرته على حماية الخصوصية عبر التشفير الكامل، فإن استخدامه في إدارة عمليات رسمية اعتُبر مخالفة للمعايير المؤسسية التي تفرض تسجيل وحفظ جميع المراسلات الرسمية لضمان المساءلة أمام الكونغرس والرأي العام.
وكانت هيئة الرقابة قد شددت على أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى طمس الأدلة أو تعطيل التحقيقات المستقبلية في حال وقوع أخطاء أو تجاوزات، إذ أن الرسائل المشفرة لا تُحفظ في سجلات رسمية، ما يجعل من الصعب تتبع القرارات أو مراجعتها لاحقًا. هذا الأمر أثار مخاوف داخل أروقة البنتاجون من أن يؤدي إلى تقويض الثقة في آليات الرقابة الداخلية، ويضعف قدرة المؤسسات الديمقراطية على محاسبة المسؤولين العسكريين.
من الناحية السياسية، يرى مراقبون أن القضية تكشف عن توتر بين الحاجة إلى السرية الأمنية وبين متطلبات الشفافية الديمقراطية. فبينما يدافع هيجسيث عن استخدام سيجنال باعتباره وسيلة آمنة وسريعة للتواصل في ظروف حساسة، فإن منتقديه يرون أن هذه السرية المفرطة قد تُستخدم لتجاوز القنوات الرسمية وتجنب الرقابة المؤسسية. هذا التوتر يعكس معضلة أوسع تواجهها الولايات المتحدة في إدارة حروبه وكيف يمكن الحفاظ على السرية العملياتية دون التضحية بالشفافية والمساءلة.
القضية تأتي أيضًا في سياق أوسع، حيث تواجه الإدارة الأمريكية انتقادات متزايدة بشأن توسيع نطاق الضربات في اليمن، وسط مخاوف من سقوط ضحايا مدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية. استخدام تطبيق مشفر لإدارة هذه العمليات يُنظر إليه على أنه محاولة لتقليل إمكانية التدقيق الخارجي، وهو ما يزيد من حدة الجدل حول شرعية هذه الضربات. بعض أعضاء الكونغرس طالبوا بفتح تحقيق رسمي في كيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بالضربات، وما إذا كان استخدام تطبيقات مشفرة قد أدى إلى تغييب الرقابة التشريعية.
من زاوية أخرى، يرى خبراء الأمن السيبراني أن القضية تكشف عن ثغرة في البنية المؤسسية للبنتاجون، إذ أن الاعتماد على تطبيقات خارجية غير خاضعة للرقابة الرسمية قد يفتح الباب أمام مخاطر أمنية، سواء عبر الاختراق أو عبر فقدان السيطرة على البيانات. هذا يطرح سؤالًا حول مدى جاهزية المؤسسات العسكرية للتعامل مع أدوات الاتصال الحديثة، وكيف يمكن دمجها في إطار رسمي يضمن الأمن والشفافية في آن واحد.
وأشارت الشبكة الإخبارية الأمريكية إلى أن انتقادات هيئة الرقابة لوزير الحرب الأمريكي بسبب رسائل سيجنال لا تتعلق فقط بمسألة تقنية، بل تكشف عن أزمة ثقة داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية، وعن صراع بين السرية والشفافية في إدارة الحروب الحديثة. القضية قد تتحول إلى ملف سياسي ساخن في واشنطن، خصوصًا إذا استمرت العمليات في اليمن وأثارت المزيد من الجدل حول دور الولايات المتحدة ومسؤوليتها الأخلاقية والقانونية. وفي ظل استمرار الضربات وتصاعد الانتقادات، يبدو أن هذه الأزمة ستظل مفتوحة، لتعيد طرح السؤال الأهم: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تخوض حروبًا معقدة في القرن الحادي والعشرين دون أن تفقد ثقة مؤسساتها الديمقراطية.