الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

الميزانية البريطانية تدفع ستارمر ووزيرة خزانته إلى حافة الهاوية

الرئيس نيوز

تحولت ميزانية الخريف التي قدّمتها وزيرة الخزانة راشيل ريفز في نوفمبر 2025 إلى أخطر اختبار تواجهه حكومة حزب العمال منذ وصولها إلى السلطة بقيادة كير ستارمر. فالحزب الذي جاء بوعود قوية لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة وتحسين الخدمات العامة وجد نفسه في مواجهة واقع اقتصادي أشد تعقيدًا، كشف هشاشة موقفه السياسي والمالي، وأطلق موجة انتقادات من داخل الحزب وخارجه، وفقا لصحيفة نيوستيسمان.

عند وصول العمال إلى الحكم، كان التفاؤل كبيرًا بقدرتهم على إعادة بناء بريطانيا بعد سنوات من حكم المحافظين. لكن العجز المالي المتراكم، وضغوط الأسواق المالية، واستمرار ارتفاع الأسعار رغم تراجع تكاليف الطاقة، كلها عوامل حدّت من قدرة الحكومة على تنفيذ وعودها. وجاءت ميزانية ريفز محاولة صعبة للجمع بين إصلاح المالية العامة وتهدئة غضب المواطنين وتلبية التعهدات الانتخابية، ما جعلها وثيقة محمّلة بالتوترات والتناقضات.

تضمنت الميزانية خطوات لاقت استحسانًا داخليًا، مثل رفع سقف الاستفادة من إعانة الطفل لطفلين فقط، باعتبارها خطوة نحو عدالة اجتماعية أكبر. لكن القرارات الأخرى أثارت جدلًا واسعًا، خصوصًا تجميد العتبات الضريبية الذي يُعد عمليًا زيادة العبء على الطبقة الوسطى، وهو ما وصفه خبراء بأنه "ضريبة خفية". 

ورغم محاولة الحكومة التخفيف من أثر ذلك عبر خفض فواتير الطاقة بنحو 150 جنيهًا للأسرة، فإن هذه الخطوة لم ترقَ إلى حجم الضغوط المعيشية التي تتعرض لها شريحة واسعة من المواطنين. أما الحفاظ على إعفاء معاشات كبار السن من الضرائب فزاد الجدل حول العدالة بين الأجيال، خصوصًا في ظل معاناة الشباب من أجور راكدة وضرائب أعلى وتكاليف معيشة متصاعدة.

وعلى الجانب السياسي، تسللت الانتقادات إلى داخل صفوف حزب العمال نفسه. فقد بدأ وزراء مقربون من ستارمر وريفز يشكّون في قدرة القيادة على تجاوز هذه الأزمة، في مؤشر واضح على تراجع الثقة في أعلى مستويات الحكومة. أحد الوزراء قال إن الميزانية قد تمنح القيادة "أسبوعًا واحدًا فقط" من الهدوء السياسي، في عبارة تعكس حجم التوتر داخل الحكومة وحجم المخاطر التي تلاحقها.

وترافق الغضب الشعبي من "الضريبة الخفية" مع شعور عام بالاختناق الاقتصادي، إذ لا يزال البريطانيون يواجهون أزمة معيشية ممتدة جعلت الدخول غير كافية والضرائب أعلى والخدمات العامة أكثر تراجعًا. هذا الشعور يفاقم الضغوط على الحكومة، ويعطي انطباعًا بأن الإجراءات المعلنة لا ترقى إلى حجم التحديات على الأرض.

وتخشى الحكومة أيضًا من فقدان ثقة الأسواق المالية، إذ إن أي اهتزاز في صورة الانضباط المالي سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض ويزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي. وبدت التحذيرات متزايدة من انتقال "شرارة" الأزمة من الشارع إلى أسواق السندات، وهو السيناريو الأكثر خشية لدى صناع القرار.

ورافق ذلك كله تصاعد في الخطاب الإعلامي الذي قدّم ستارمر وريفز في صورة قيادة محاصرة، رغم أن التغطية الكثيفة للأزمة بدت مادة دسمة للصحافة. هذا الضغط الإعلامي يزيد من تآكل الثقة الشعبية ويعقّد مهمة الحكومة في استعادة زمام المبادرة.

وينظر إلى الميزانية البريطانية الجديدة على نطاق واسع كمحطة فاصلة كشفت حجم التحديات التي تواجه حكومة العمال. فقد أبرزت الألم الذي تعاني منه الطبقة الوسطى بسبب الضرائب، وأكدت استمرار أزمة المعيشة، وأعادت تسليط الضوء على العلاقة المتوترة بين الحكومة والأسواق.