الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل

تجاهل فعلته في كتبه الثلاثة..

«كارتر» في قفص الاتهام.. هل أخفى حقيقة تقطيع أوصال مومياء "الملك توت"؟

الرئيس نيوز

بعد مرور أكثر من مئة عام على اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، لا يزال اسم عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر يثير جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية.

فبينما يُحتفى به باعتباره مكتشفًا لأعظم كنز أثري في القرن العشرين، تكشف تقارير حديثة – أبرزها ما نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية – عن تفاصيل مثيرة للجدل تتعلق بطريقة تعامل فريق كارتر مع المومياء الملكية، إذ تشير الأدلة إلى أن كارتر أخفى في كتبه الثلاثة الشهيرة حقيقة قطع رأس المومياء وتقطيع أطرافها أثناء عملية استخراجها من داخل التابوت في عام 1925.  

وكشفت صحيفة الديلي ميل البريطانية عن تفاصيل صادمة بشأن ما تعرضت له مومياء الملك توت عنخ آمون خلال عملية استخراجها من التابوت عام 1925، حيث اضطر فريق هوارد كارتر إلى قطع الرأس والأطراف ونشر الجذع بعدما وجدوا الجسد ملتصقًا تمامًا بالتابوت بسبب طبقات سميكة من الراتنج الصلب الذي صبّه الكهنة قبل 3300 عام. ورغم محاولات تعريض التابوت للشمس في درجات الحرارة العالية بصعيد مصر، واستخدام المصابيح لإذابة المادة الصلبة، لجأ الفريق في النهاية إلى استخدام السكاكين الساخنة، والمطارق، والأزاميل لتفكيك المومياء قطعة قطعة بهدف إخراجها.

تلطيخ أجزاء الجسد بالبارافين

وتوضح الصحيفة أن كارتر أخفى هذه التفاصيل في كتبه لتجنّب الغضب الدولي، بينما كشفت صور محفوظة في جامعة أكسفورد حجم التشويه، وقد ظهر لاحقًا أن العلماء قاموا بـ تلطيخ أجزاء الجسد بالبارافين الساخن ثم لصقها بالراتنج لإعادة تركيب المومياء بشكل يوحي بأنها سليمة. وتشير الديلي ميل إلى أن هذه الوقائع أعادت فتح نقاش واسع حول أخلاقيات علم الآثار ودور كارتر في واحدة من أكثر عمليات التنقيب إثارة للجدل في التاريخ.

 

خلفية الاكتشاف

في نوفمبر 1922، دخل كارتر التاريخ عندما عثر على المقبرة الكاملة لتوت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر. ذلك الاكتشاف الذي كان مذهلًا، إذ ضم آلاف القطع الأثرية النفيسة، من الذهب الخالص إلى العجائب الجنائزية التي لم يسبق أن رآها العالم. لكن التحدي الأكبر لم يكن في العثور على المقبرة، بل في كيفية التعامل مع المومياء نفسها، التي كانت محاطة بطبقات كثيفة من الراتنج الجنائزي المتصلب بفعل الزمن والحرارة.  

 

تفاصيل مثيرة للجدل

بحسب تقرير دايلي ميل، واجه فريق كارتر صعوبة بالغة في فصل جسد الملك الشاب عن التابوت الداخلي، إذ كان الراتنج ومواد التحنيط قد التصقت بالمومياء بشكل كامل. وللتغلب على هذه المشكلة، لجأ الفريق إلى أساليب قاسية تضمنت فصل الرأس عن الجسد وتقطيع الأطراف حتى يتمكنوا من رفع المومياء من مكانها. هذه العملية أدت إلى تشويه الجسد الملكي بشكل كبير، وهو ما لم يذكره كارتر في مؤلفاته الثلاثة التي وثّق فيها تفاصيل الاكتشاف.  

 

هذا التجاهل أثار تساؤلات حديثة حول مدى التزام كارتر بالشفافية العلمية، وهل كان إخفاء هذه المعلومات محاولة متعمدة لتجنب إثارة الرأي العام في ذلك الوقت، خاصة أن اكتشاف المقبرة ارتبط بأساطير "لعنة الفراعنة" التي غذّت الخيال الشعبي في أوروبا وأثارت موجة من القصص الصحفية المثيرة.  

 

البعد الأخلاقي في علم الآثار

القضية لا تتعلق فقط بالجانب التقني، بل تمتد إلى البعد الأخلاقي في التعامل مع التراث الإنساني. فهناك من يرى أن ما حدث كان انتهاكًا صارخًا لحرمة الجسد الملكي، وأن كارتر كان عليه أن يوثق هذه التفاصيل مهما كانت صادمة. بينما يرى آخرون أن الظروف التقنية في عشرينيات القرن الماضي لم تكن تسمح بوسائل أكثر احترامًا للحفاظ على المومياء، وأن الفريق اضطر إلى استخدام ما كان متاحًا من أدوات وأساليب في ذلك الوقت.  

 

هذا الجدل يعكس التوتر الدائم بين الفضول العلمي والاعتبارات الأخلاقية في علم الآثار. فالاكتشافات الكبرى غالبًا ما تضع الباحثين أمام خيارات صعبة بين الحفاظ على الأثر كما هو وبين محاولة استخلاص أكبر قدر من المعلومات منه، حتى لو كان ذلك على حساب سلامته الأصلية.  

 

إعادة تقييم إنجاز كارتر

إعادة فتح هذا الملف بعد قرن من الزمن يطرح أسئلة جوهرية حول كيفية تقييم إرث شخصيات مثل البريطاني هوارد كارتر، فهل ينبغي أن يُنظر إليه فقط باعتباره مكتشفًا عظيمًا غيّر مسار علم المصريات، أم أن إخفاءه لتفاصيل مهمة يضعه في موضع الاتهام ويقلل من مصداقيته العلمية؟، هذه الأسئلة لا تزال محل نقاش واسع بين الباحثين والمؤرخين، خاصة أن صورة كارتر في الوعي العام ارتبطت بالبطولة والاكتشاف المذهل، بينما تكشف الوثائق الحديثة عن جانب أكثر تعقيدًا من شخصيته وعمله.  

 

ردود فعل المؤسسات الأثرية

حتى الآن، لم تصدر مواقف رسمية قوية من المؤسسات الأثرية الكبرى مثل المتحف البريطاني أو وزارة السياحة والآثار المصرية بشأن ما كشفه تقرير دايلي ميل. لكن بعض الباحثين المستقلين دعوا إلى إعادة دراسة الوثائق الأصلية وتقارير الحفريات للتأكد من صحة ما ورد في تقرير ديلي ميل. وهناك من يطالب بفتح نقاش أوسع حول الممارسات الأثرية في بدايات القرن العشرين، وكيف يمكن أن تؤثر على تقييمنا الحالي للتراث المكتشف.  

 

تأثير الملك توت

الملك توت عنخ آمون، الذي توفي في سن مبكرة لا تتجاوز 19 عامًا، أصبح رمزًا عالميًا للحضارة المصرية القديمة. أما قصته، فقد ارتبطت بالأساطير والخيال الشعبي، خاصة بعد اكتشاف مقبرته وما تبعها من قصص عن "لعنة الفراعنة". لكن الكشف عن تفاصيل تشويه موميائه يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى هذه القصة، ويثير أسئلة حول كيفية تعامل العالم مع جسده الملكي بعد اكتشافه.  


من اللافت أن هذه القضية أعيد فتحها عبر الصحافة الشعبية البريطانية، التي لطالما لعبت دورًا في تغذية الاهتمام الغربي بالحضارة المصرية. صحيفة ديلي ميل، التي نشرت التقرير، أعادت تسليط الضوء على تفاصيل ربما كانت معروفة في الأوساط الأكاديمية لكنها لم تصل إلى الجمهور العام. هذا يعكس دور الإعلام في إعادة صياغة التاريخ وإبراز الجوانب المثيرة للجدل فيه.  

وتكشف قضية هوارد كارتر ومومياء الملك توت عنخ آمون عن التوتر الدائم بين العلم والأخلاق، وبين الرغبة في الاكتشاف والحاجة إلى احترام التراث الإنساني. ورغم أن كارتر سيظل في نظر الكثيرين مكتشفًا عظيمًا غيّر مسار علم المصريات، فإن إعادة فتح ملفه بعد قرن من الزمن تذكرنا بأن التاريخ ليس مجرد سرد للبطولات، بل هو أيضًا مساحة للنقد وإعادة التقييم.  

وبذلك، فإن الجدل حول ما إذا كان كارتر أخفى حقيقة قطع رأس المومياء يظل قائمًا، ويطرح أسئلة أوسع حول كيفية تعامل المعاصرين من مستكشفين ومغامرين وعلماء مع الماضي، وكيف يمكن أن تؤثر قرارات الباحثين قبل مئة عام على فهمنا الراهن للحضارات السابقة.