تحقيقات قطرجيت: أقوال متحدث نتنياهو السابق تكشف مفاجآت جديدة
في تطور دراماتيكي على المشهد السياسي الإسرائيلي، تفجّرت مفاجآت جديدة فيما يتعلق بفضيحة "قطرجيت" التي طالت اثنين من أبرز مساعدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعدما كشفت التحقيقات الجنائية التي يقودها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والشرطة عن تورطهما في علاقات مالية مشبوهة مع جهات قطرية.
ووفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل فإن هذه العلاقات، وفقًا لما كشفته الأدلة الأولية، هدفت إلى التأثير على الرأي العام الإسرائيلي عبر حملات إعلامية مدفوعة، ركّزت على تحسين صورة قطر وتشويه الدور المصري في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حركة حماس في وقت سابق من العام الجاري.
من التسريبات إلى الاعتقال: بداية الانكشاف
بدأت السلطات الإسرائيلية التحقيق في القضية قبل أشهر، لكنها سرّعت الإجراءات بعد أن أصدرت محكمة الصلح في تل أبيب مذكرة توقيف بحق يوناتان أوريخ، المستشار الإعلامي السابق لنتنياهو، وإيلي فيلدشتاين، المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع. وقد كشفت هيئة البث العامة الإسرائيلية (كان) أن الرجلين تلقيا أموالًا عبر وسطاء قطريين مقابل تنفيذ حملات إعلامية موجهة.
وأدلى نتنياهو بشهادته أمام المحققين، لكنه لم يُدرج كمشتبه به رسميًا حتى الآن. ومع ذلك، فإن تورط شخصيات من دائرته الضيقة دفع مكتبه إلى مواجهة ضغوط سياسية وإعلامية متزايدة، خاصة في ظل حساسية العلاقة بين إسرائيل وقطر، التي تلعب دورًا محوريًا في الوساطة مع حماس.
التلاعب بالرواية: كيف استُخدمت وسائل الإعلام؟
كشفت التحقيقات أن أوريخ وفيلدشتاين نسّقا مع رجل الضغط الأمريكي جاي فوتليك لتنفيذ حملة إعلامية تهدف إلى تحسين صورة قطر داخل إسرائيل، مقابل تشويه دور مصر في الوساطة بين إسرائيل وحماس. وقد نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن المستشارَين استخدما علاقاتهما داخل وسائل الإعلام الإسرائيلية لدفع روايات منحازة، تتهم مصر بالانحياز لحماس، وتقلل من فاعلية دورها في التهدئة، بينما تروّج لقطر كوسيط "أكثر حيادية وفعالية".
وظهرت هذه الروايات في تقارير وتحليلات نُشرت في مواقع إسرائيلية مؤثرة، وتزامنت مع تصريحات رسمية تشكك في جدوى الوساطة المصرية. هذا التزامن دفع الأجهزة الأمنية إلى الاشتباه بوجود حملة منظمة لتوجيه الرأي العام، مدفوعة من الخارج.
الشاباك يدخل على الخط: تحقيقات أمنية موسعة
دخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) على خط التحقيق، وبدأ بجمع الأدلة حول علاقات مالية واتصالات غير معلنة بين مساعدي نتنياهو وجهات قطرية. وقد عقد المستشار القانوني للحكومة اجتماعًا ضم المدعي العام، ورئيس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، ومسؤولين من الشاباك، وانتهى بفتح تحقيق رسمي.
وكشفت صحيفة "هآرتس" أن التحقيقات شملت مراجعة حسابات مصرفية، وتحليل اتصالات هاتفية، وتفريغ سجلات بريد إلكتروني، إلى جانب الاستماع لشهادات من صحفيين ومسؤولين سابقين في مكتب رئيس الوزراء. وأشارت مصادر أمنية إلى أن القضية قد تتوسع لتشمل شخصيات أخرى في الحكومة، إذا ثبت وجود تنسيق ممنهج يتجاوز مجرد تصرفات فردية.
قطر في قلب العاصفة: الوساطة أم النفوذ؟
وأعادت الفضيحة تسليط الضوء على الدور القطري في غزة، الذي لطالما أثار جدلًا داخل إسرائيل. فبينما تعتبر قطر وسيطًا أساسيًا في التهدئة مع حماس، يرى بعض المسؤولين الإسرائيليين أنها تستخدم هذا الدور لتعزيز نفوذها السياسي، وتمرير أجندات إعلامية تخدم مصالحها الإقليمية.
وأشارت مجلة "فورين بوليسي" إلى أن قطر تعتمد على أدوات نفوذ غير تقليدية، مثل تمويل الحملات الإعلامية، لتوسيع دورها في ملفات النزاع، بما يتجاوز الوساطة التقليدية. وقد أكدت المجلة أن الدوحة تسعى إلى ترسيخ موقعها كفاعل إقليمي مؤثر، حتى داخل المجتمعات السياسية التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية رسمية.
مصر في مرمى الاستهداف: تشويه الدور الإقليمي
وكشفت الوثائق المسربة أن الحملة الإعلامية الممولة قطريًا لم تقتصر على تحسين صورة الدوحة، بل شملت أيضًا تشويهًا ممنهجًا لدور مصر في ملف غزة. وقد دفعت هذه الحملة لتقارير تتهم القاهرة بالانحياز لحماس، وبالتباطؤ في تنفيذ اتفاقات التهدئة، رغم أن مصر كانت الطرف الأكثر انخراطًا في الوساطة منذ بداية التصعيد.
وأثار هذا الاستهداف الإعلامي غضبًا داخل الدوائر الدبلوماسية المصرية، ودفع بعض المسؤولين إلى إعادة تقييم طبيعة التنسيق الأمني مع إسرائيل. ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "الحملة الإعلامية ضد مصر كانت مريبة في توقيتها ومضمونها، وتزامنت مع ضغوط قطرية في ملف التهدئة"، ما عزز من فرضية التلاعب المنظم.
ارتدادات سياسية داخل إسرائيل
لا تهدد الفضيحة سمعة مساعدي نتنياهو فحسب، بل تهدد أيضًا استقرار حكومته، في وقت يواجه فيه تحديات داخلية متزايدة، من بينها الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي، والتوترات الأمنية في الضفة الغربية، والضغوط الدولية بشأن الحرب في غزة.
وبدأت المعارضة الإسرائيلية باستغلال القضية للمطالبة بإقالة المسؤولين المتورطين، وفتح تحقيق برلماني مستقل، وسط دعوات لتقييد العلاقات غير الرسمية مع جهات خارجية، خاصة تلك التي ترتبط بملفات أمنية حساسة. وصفت صحيفة "واشنطن بوست" القضية بأنها "اختبار حقيقي لشفافية الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع النفوذ الخارجي"، مشيرة إلى أن "المال السياسي القادم من الخليج بات يشكّل تحديًا متزايدًا أمام الصورة التي ترغب واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية في ترويجها حول الديمقراطية الإسرائيلية".