ميناء إيلات يناشد واشنطن والقاهرة لـ إنهاء حصار الحوثيين لعملياته التجارية
يشهد ميناء إيلات الإسرائيلي منذ شهور حالة من الشلل التام، بعدما تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة بحرية غير معلنة بفعل هجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السفن المتجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية.
ومع استمرار هذا الوضع المعقد، وجهت إدارة الميناء نداءً عاجلًا إلى الولايات المتحدة ومصر للتدخل من أجل إنهاء ما وصفته بـ"الحصار الكامل" المفروض على عملياته التجارية، والذي تسبب في خسائر غير مسبوقة وتراجع شبه كامل في النشاط الاقتصادي المرتبط بالميناء.
ونقل موقع واي نت التابع لصحيفة يديعوت احرونوت عن مصادر اقتصادية وإسرائيلية، قولهم إن إدارة ميناء إيلات باتت ترى أن الصمت الدولي حيال استهداف الحوثيين للملاحة التجارية لم يعد مقبولًا، إذ تجاوز الأمر نطاق الحرب في غزة إلى تهديد مباشر للأمن الاقتصادي في المنطقة.
فالخطوط الملاحية التي كانت تصل بين آسيا وإفريقيا عبر إيلات توقفت تمامًا، والشركات العالمية امتنعت عن إرسال سفنها خشية التعرض لهجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية التي أطلقها الحوثيون في الأشهر الأخيرة.
ويشير مسؤولون في الميناء إلى أن الخسائر تجاوزت ثمانين في المئة من حجم الإيرادات السنوية، بينما انخفضت حركة الشحن إلى أقل من عشر ما كانت عليه في بداية عام 2023.
كما جرى تسريح مئات العمال وإغلاق أرصفة كاملة بعد أن أصبحت بلا استخدام فعلي.
وتؤكد إدارة الميناء أن الوضع الحالي "لم يعد يحتمل الانتظار أو الوعود الدبلوماسية"، داعيةً واشنطن إلى ممارسة ضغوط على حلفائها الإقليميين لإيجاد صيغة تضمن حرية الملاحة واستئناف النشاط التجاري.
من جانب آخر، جاءت النداءات الموجهة إلى القاهرة في سياق الاعتقاد بأن لمصر وزنًا إقليميًا يمكن أن يسهم في التوصل إلى ترتيبات أمنية مع القوى اليمنية الفاعلة. فالقاهرة تمتلك خبرة طويلة في الوساطات البحرية، ولها علاقات متوازنة مع دول الخليج ومع الأطراف الدولية الكبرى، ما يجعلها طرفًا مؤهلًا لتنسيق مسار تفاوضي غير معلن بين الأطراف المتنازعة.
ويرى مراقبون أن دخول مصر على خط الأزمة قد يفتح بابًا لحوار سياسي أوسع يُفضي إلى تخفيف التوتر في البحر الأحمر ككل، لا سيما في ظل رغبة دولية متزايدة في منع تحول الممر المائي إلى ساحة مواجهة طويلة الأمد.
وفي تحليل أوسع للأزمة، يرى خبراء النقل البحري أن حصار الحوثيين لإيلات لا يقتصر على بعده العسكري أو السياسي، بل يعكس تحوّلًا في موازين القوى البحرية في المنطقة. فاليمنيون، من خلال السيطرة على جزء واسع من الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، باتوا قادرين على تعطيل خطوط التجارة التي تمر من المحيط الهندي إلى الموانئ الإسرائيلية.
كما أصبحت لديهم القدرة على فرض إيقاعهم الخاص على حركة الملاحة، وهو ما لم يحدث منذ عقود في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ورغم الجهود الأمريكية لتشكيل تحالف بحري يضمن حرية الملاحة، فإن النتائج بقيت محدودة. فالهجمات الحوثية تكررت رغم الدوريات المشتركة، وتوسعت لتشمل سفنًا تحمل أعلامًا دولية لا علاقة لها بالصراع.
ووفقًا لمصادر أمنية إسرائيلية، فإن أكثر من ١٥ سفينة تعرضت لهجمات أو تهديدات مباشرة خلال الأشهر الماضية، بعضها كان متجهًا إلى إيلات، وبعضها الآخر إلى موانئ في شرق إفريقيا.
وفي هذا السياق، حذّر مسؤولون في ميناء إيلات من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انهيار سلسلة الإمدادات التجارية في الجنوب الإسرائيلي بالكامل، حيث تعتمد الصناعات المحلية في النقب على واردات تصل عبر البحر الأحمر.
كما أن توقف عمليات الميناء يهدد بتراجع فرص الاستثمار الأجنبي في مشاريع النقل والطاقة التي كانت تخطط لها الحكومة الإسرائيلية هناك.
زمن الناحية السياسية، يمثل هذا النداء الموجه إلى القاهرة وواشنطن اعترافًا غير مباشر بأن الأزمة تجاوزت القدرات الإسرائيلية على معالجتها منفردة. فتل أبيب تدرك أن حل المشكلة يتطلب غطاءً سياسيًا واسعًا تشارك فيه قوى إقليمية مؤثرة.
ولهذا، بدأ الحديث في الدوائر الدبلوماسية عن إمكانية عقد لقاءات ثلاثية تضم مسؤولين أمريكيين ومصريين وإسرائيليين، لوضع تصور عملي لإعادة تشغيل الميناء وتأمين الملاحة في المنطقة الجنوبية للبحر الأحمر.
ويرى محللون أن النداء الإسرائيلي يعكس أيضًا قلقًا استراتيجيًا من تحول البحر الأحمر إلى مجال نفوذ جديد لقوى غير تقليدية، مثل الحوثيين، الذين يربطون بين ملفات فلسطين واليمن والخليج في خطابهم السياسي. وهذا ما يجعل الأزمة أكثر تعقيدًا، إذ تختلط فيها الدوافع العقائدية بالاعتبارات الاقتصادية.
ويرجح الخبراء أن مشكلة ميناء إيلات لم تعد مجرد أزمة ملاحية مؤقتة، بل أصبحت قضية ذات أبعاد سياسية واقتصادية متشابكة، تمسّ توازنات الإقليم ومصالح قوى دولية كبرى.
وبينما تواصل إدارة الميناء رفع صوتها في وجه العزلة المفروضة، تبقى الاستجابة الفعلية رهينة بحسابات القوى الكبرى وقدرتها على التعامل مع ملف البحر الأحمر بما يضمن أمن التجارة الدولية واستقرار المنطقة بأسرها.