الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تاريخ السلطة الناعمة «3».. السلطانة رضية.. من تختار السلطة يحرم على قلبها الهوى

الرئيس نيوز

"رضية".. قصة للسلطة وللحب اللذان لا يمتزجان، فمن اختارت السلطة يحرم على قلبها الهوى، هذه قصة سلطانة نزع الحب عرشها.

وثقت رواية "السلطانة رضية" التي حكمت دلهي لأكثر من 4 سنوات على يد أكثر من باحث، لكن اتفق الجميع على أنها كانت من أقوى النساء اللاتي حكمن على مدار العصور، فلم يختلف حول عدلها وشجاعتها وحكمتها أحد.

في مكتبة الإسكندرية تجد قصة السلطانة القوية في إحدى مطبوعاتها "المرأة والسلطة"، كما وثقها الباحث الدكتور قاسم عبد القاسم بمركز عين للبحوث والدراسات الإنسانية.

كانت السلطانة رضية ابنة السلطان دلهي المملوكي "شمس الدين إلتتمش"، أول من حكم مدينة دلهي بالهند مستقلا عن المسلمين, سنة 626 هجرية/ 1229م.

فعندما مات السلطان شمس الدين، ترك 3 أولاد هم: "ركن الدين", الذي ولي الحكم خليفة له, "ومعز الدين", و"ناصر الدين" وبنتًا واحدة هي رضية التي تولت الحكم فيما بعد.

كان أول ما فعله السلطان الجديد (ركن الدين) أن قتل أخاه (عز الدين) شقيق الأميرة رضية, وأعلنت غضبها ورفضها لما فعله أخوها السلطان في حق أخيها المقتول. وقد حاول السلطان قتلها.

لم تنسحب تلك التى كانت تعرف قدرها، فقد قررت مواجهة أخيها، وانتظرت صلاة الجمعة في أحد الأيام, وعقدت العزم على مواجهة أخيها الذي خرج إلى الصلا, وصعدت إلى سطح القصر القديم المجاور للجامع الأعظم في المدينة, وكان معروفا لدى أهل دلهى باسم (دولة خانة), وقد ارتدت ثيابًا ملونة لكي يعرف الناس أنها مظلومة, واستوقفت الناس وخاطبتهم من مكانها أعلى السطح وقالت لهم: (إن أخي قتل أخاه, وهو يريد قتلي معه). وأخذت تذكر الناس بأيام أبيها, ومآثره, وما فعله من أجل رعاياه خيرًا وإحسانًا.

وبالفعل استطاعت رضية بخطبتها استمالة قلوب العامة، الذين هاجموا أخيها وقبضوا عليه وقتلوه، واستطاعت رضية أن تستعيد العرش وتمارس دورها كسلطانة، وتعيد إحياء قوانين والدها وتساعد المساكين.

وكانت تصدر عملات معدنية تحمل اسمها عليها نقوش "ملكة الزمان"، "عماد الناس" السلطانة رضية بنت شمس الدين إلتتمش، وهى من ضمن قليلات من النساء الذى ضربت عملات بأسمائهن.

رفعت رضية راية العدل في مملكتها، ونصفت المظلومين، واهتمت بأحوال العباد والبلاد، وسارت على الخط الذي رسمه والده قبلها.

فقد أمر السلطان شمس الدين للمش أن يلبس كل مظلوم في مملكته ثيابًا ملونة (وكان أهل مملكته الهندية جميعًا يرتدون الثياب البيضاء). وكان السلطان يخرج لتفقد أحوال رعيته, فإذا رأى أحدًا يرتدي ثوبًا ملونًا, نظر في قضيته فورًا وأنصفه ممن ظلمه, وكذلك كان يفعل إذا عقد مجلسه للحكم. ويحكي ابن بطوطة أن السلطان أراد أن يكون إنصافه للمظلومين سريعًا حتى أولئك الذين تجري عليهم المظالم ليلاً بحيث لا ينتظرون حتى الصباح, فأمر بوضع تمثالين من الرخام لأسدين على باب قصره, وتصل ما بين عنقيهما سلسلة كبيرة بها جرس يحركه المظلومون إذا ما جاءوا يطلبون العدل ليلاً, فيطلب السلطان صاحب المظلمة ويسمع شكواه وينصفه في الحال.

على مدار سنوات حكمها لم تسلم رضية من المكائد، فكان هناك البعض ممن لا يتقبلون أن تحكمهم امرأة، قام النبلاء الأتراك بتجميع الجيش ليحاربوا قوتها.

ولكن رضية استطاعت أن تفوز مرة بحد السيف ومرات بسيف الأنوثة، فاستطاعت بضحكة أن تترك أعدائها فى حيرة يشاورون بعضهم، وقد قتل البعض منهم ورفق بالبعض الآخر.

ولضمان عدم انتقاد كونها أنثى، قامت رضية بالتجرد من حجابها وبدأت تلبس سترات طويلة وسراويل وذلك أثناء جلوسها على العرش وظهورها الاجتماعي، وصممت أن تلقب بالسلطان وليست السلطانة، وقد أطلق عليها لقب "الملكة العانس"، ورفضت كل من تقدم للزواج منها.

ولكن من يملك قلبه؟، لم تملك السلطانة أن تمنع قلبها من أن يميل إلى أحد عبيدها.

وكان لها عبد حبشى يعرف باسم "جمال ياقوت" وهو الرجل الوحيد الذى استطاع أن يأسرها وقد منحته لقب "أمير الفرسان"، ولم تخف رضية حبها له، وشوهد فى يوم من الأيام وهو يضع يده حول خصرها ليرفعها من على جوادها.

تشاور خصومها إذا كانت رضية ستجعله ملكا أم لا؟، وكان والدها عبدا قبل أن يصبح سلطانا، كان خصومها عازمين على تنحيتها عن العرش مهما كانت الظروف، فقاموا باستدعاء أحد خصومها "اختيار الدين" حاكم "بتهندا" بحشد من جيشه، ليقاتلها.

فى المقابل قامت رضية بجمع جيشها وقادته بجوار العبد الحبشي، إلا أنها خسرت الحرب وتم ذبح "جمال ياقوت" أمام ناظريها، لتخسر حبها إلى الأبد.

وانتهت فترة حكم السلطانة رضية بتزويجها من "اختيار الدين" خصمها ثم صعد أخوها الأصغر (ناصر الدين) إلى عرش السلطنة.

لم تستطع "رضية" التخلي عن السلطة التى ذاقت طعمها واعتادت على ممارستها، فأوعزت إلى زوجها التخلص من أخيها، ووقعت معركة لم تستطع رضية وزوجها الفوز فيها وأسر زوجها، وهربت رضية بعد أن تخفت فى زى رجال .

إلا أنها لقت حتفها على يد أحد الفلاحين طمعا فيما كانت تحمله من جواهر، وقد تم دفنها فى مقبرة خاصة فى دلهى وأصبح مكانا للزيارة خاصة لمن أحبوها.