الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"كنت سفيرًا لدى السلطان" (3): مرسي أخرج رئيس المخابرات من "اجتماع حزبي" مع الغنوشي في أنقرة

الرئيس نيوز

الرئيس المخلوع لرأفت شحاتة: "حتى الأسرار بتعرفوها بطرقكم يا سيادة اللوا".. وللسفير: "حماس لديها أوراق ضغط عليّ"

أردوغان كان راضيا عن لقائه بالسيسي قبل شهرين من 30 يونيو.. والإخوان يكذبون بقولهم إن رئيس وزراء تركيا حذر مرسي من وزير الدفاع

 خلال أربع عهود متتالية ومختلفة، بينها فترتان انتقاليتان، تباينت العلاقة بين النظام الحاكم في مصر وبين تركيا، من التحفظ إلى الإعجاب إلى التحالف ثم إلى القطيعة.

طوال تلك الفترات، من 2010 إلى 2013 (ثم إلى إلى الآن) كان رجب طيب أردوغان يسيطر على السلطة في بلاد العثمانيين، بينما توالت على القاهرة أنظمة مختلفة، تمثلث في الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (في سنته الأخيرة) ثم الفترة الانتقالية بقيادة المجلس العسكري، ثم نظام حكم الإخوان، ثم فترة انتقالية ثانية برئاسة المستشار عدلي منصور، أعقبها وضع دستور وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تفاصيل تلك العلاقة التي انتهت بقطيعة رسمية حاليًا يكشفها الكتاب المهم "كنت سفيرًا لدى السطان"، للسفير عبد الرحمن صلاح، وهو آخر سفير للقاهرة لدى تركيا، قبل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال في عام 2013.

شغل "صلاح" منصبه سفيرًا لمصر لدى تركيا في مطلع أبريل 2010، بأوراق اعتماد ممهورة بتوقيع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وظل في منصبه شاهدًا على تحولات ما بعد ذلك خلال فترات المشير محمد حسين طنطاوي ثم محمد مرسي ثم المستشار عدلي منصور.

"الرئيس نيوز" تعرض على حلقات مذكرات آخر سفير لمصر لدى تركيا، والصادر عن دار نهضة مصر، مطلع العام الجاري.

 

الإخوان يعارضون مبارك.. لكنهم يستعينون بـ"الفلول" وهم في الحكم!

 

بخلاف ما تكشفه المذكرات، من خلال تعامل السفير "صلاح" مع قيادات الإخوان بعد وصولهم للحكم، فإنه يسجل واقعة تكشف مدى تناقضهم في رفض سياسات مبارك وعدم استعدادهم لتقديم مشروع أو كوادر بديلة في ذات الوقت.

ويروي "صلاح" في الكتاب أن عصام الحداد، مستشار مرسي للشئون الخارجية، طلب منه أن يرشح له أسماء دبلوماسيين مخضرمين يحلون محله بعد أن تنتهي فترة خدمته في أنقرة، ولما رشح له "صلاح" بعض الأسماء قال له "الحداد": "إنتم ما عندكوش غير دول؟!"، فسأله السفير: "وما عيبهم؟"، ثم أضاف ضاحكا: "هل تعتبرونهم فلول؟!"، فرد القيادي الإخواني: "كلكم فلول يا صديقي".

نأتي إلى منتصف يوليو 2012، عندما زار محمد مرسي تركيا بدعوة من أردوغان، وكيف تعامل معها السفير باحترافية وأدى واجباته الرسمية في الترتيب للزيارة، وتفادي تكرار أي مخالفات بروتوكولية كان الإخوان قد ارتكبوها في زيارات لمسئوليهم من قبل.

ونلتقط هنا حديثًا دار بين السفير وبين مرسي وهما في جولة بالسيارة قبيل لقاء أردوغان، عندما استغل "صلاح" النقاش الذي دار بينهما وطلب منه طرح مبادرة لتوحيد صف الشعب الفلسطيني، "خاصة أنه يمتلك أدوات ضغط إضافية على حماس تفوق ما كان يمكله الرئيس مبارك"، لكن مرسي سكت فجأة ونظر من نافذة السيارة وكأنه لا يرحب بكلام السفير، ثم التفت له وانطلق في حديث عن أن "حماس تمتلك أيضا العديد من أدوات الضغط عليه".

ويقول "صلاح": "ولما وجدني أعود لابتسامة العارف استدرك أنه يقصد ما لهم من رصيد لديه بسبب معاناتهم تحت الاحتلال الإسرائيلي"، ثم يعقب السفير في إشارة ذكية: "عاودتني تلك الذكريات عندما قرأت في الصحف خلال محاكمة الإخوان بعد 30 يونيو عن الدور الذي قام به مقاتلو حماس في الهجوم على مراكز الشرطة والسجون في مصر بعد أحداث ثورة 2011، بل وفي إخراج مرسي نفسه من محبسه".

ويكشف الكتاب واقعة مهمة على هامش زيارة مرسي، عندما طلب الرئيس الإخواني ترتيب اجتماع له مع رائد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإخواني في تونس، والذي كان موجودا في نفس الفندق الذي كان يقيم به مرسي.

ويروي "صلاح" واقعة لافتة قبل أن يأتي الغنوشي إلى جناح مرسي للمقابلة: "وجدت المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية ياسر علي يهمس في أذني أن الرئيس يرغب في أن يكون اجتماعه مع "الشيخ الغنوشي" في حضور مجموعة الرئاسة فقط"، وهذا بمثابة طلب "مهذب" للسفير بأن يغادر.

ويكمل المؤلف أنه رد على ياسر علي أنه سيغادر قبل دخول الغنوشي، وطلب منه أن ينقل أيضا رغبة مرسي للواء رأفت شحاتة رئيس المخابرات، لكن المتحدث باسم الرئاسة طلب من السفير أن يبلغه بنفسه.

ويقول "صلاح" أنه انتصب واقفا وقال لمرسي بصوت مسموع ما طلبه منه المتحدث باسمه، فضحك الآخر وخاطب رئيس المخابرات قائلا: "ده اجتماع حزبي وليس فيه أسرار، وطبعا يا سعادة اللواء حتى الأسرار تعرفونها بطرقكم".

ويعلق السفير على هذا المشهد باستغراب وأسى: "هكذا وجدت رئيس مصر يتحدث عن اجتماع حزبي يمتد عبر الحدود، ويتوقع أن رئيس مخابراته سوف يتجسس عليه".


عبد الله جول طلب من مرسي العفو عن رشيد.. وتوسط لتخفيض ضرائب ساويرس

أما عندما زار رئيس الوزراء في حكم الإخوان، هشام قنديل، تركيا فإن السفير عبد الرحمن صلاح يطلعنا على كواليس تعامل الأتراك باستخفاف مع وفود الإخوان الرسمية المرافقة لقنديل.

لكن هناك تفاصيل خفية تتعلق بطلب الرئيس التركي عبد الله جول من مرسي العفو عن رجل الأعمال والوزير في نظام مبارك، رشيد محمد رشيد، وكيف رد عصام الحداد على قنديل الذي استفسر عن الأمر قد دخوله على جول، بأن مرسي بأن الرئيس سيفرج عن رشيد بمجرد صدور أحكام نهائية ضده، وهو ما لم يتحقق لأن الأخير دخل السجن بعد ثورة 30 يونيو.

وساطة أخرى قام بها عبد الجول لكن لصالح رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي كان بينه وبين حكومة الإخوان قضايا متعلقة بسداد قيمة ضرائب كبيرة فرضوها عليه وعلى أسرتها، قيمتها 6 مليارات جنيه.

ويحكي السفير: "اتصلت بساويرس الذي ألقى عليّ محاضرة في عدم تصديقه لأي وعود يقدمها الإخوان وحكومتهم"، رافضا أن يعود إلى مصر على ضمانة الرئيس التركي الذي سيطلب من مرسي حل المشكلة، وإذا لم يتحقق هذا فإنه سيعيده على متن طائرته الرئاسية.

ويشير المؤلف إلى أنه علم أن "جول أثار الموضوع مع مرسي في القاهرة، وأن الإخوان راعوا تدخله في التوصل لاتفاق لتقسيط المبلغ المطلوب من ساويرس على ثلاث سنوات، ووافق ساويرس ووقع على الاتفاق ودفع بالفعل القسط الأول".

ويعلق المؤلف على الواقعة مستغربا أنه بعد 30 يونيو 2013 وسقوط حكم الإخوان فإن ساويرس يمتنع عن سداد بقية الأقساط لخزانة الدولة التي تعاني من عجز فادح في ميزانيتها.

 

السيسي في إسطنبول.. لقاء إيجابي مع أردوغان ينفي الأكاذيب التركية بعد 30 يونيو

في فصل بعنوان "السيسي في إسطنبول" يحكي السفير عبد الرحمن صلاح عن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع المصري، آنذاك، الفريق عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، وتحديدًا في مدينة إسطنبول، للمشاركة في معرض للمنتجات العسكرية هناك، وذلك في أبريل 2013.

ويروي السفير أن السيسي فضل البقاء في إسطنبول وعقد كل لقاءاته فيها وعدم السفر منها إلى أنقرة، ما تعذر معه عقد لقاء بينه وبين الرئيس التركي عبد الله جول، حتى أن لقاءه مع رجب طيب أردوغان كان مهددًا بعدم الانعقاد، لكن رئيس الوزراء التركي عاد سريعًا من زيارة خارجية لمقابلة الجنرال المصري الذي لم يكن معروفًا بعد للساسة الأتراك.

 

ومن ملاحظات السفير الذي كان يرافق السيسي في تنقلاته أن وزير الدفاع كان "متدين باعتدال، ومهتم جدا بدور المرأة التركية في مجتمعها، وأبدى إعجابه بنظافة الشوارع والمساجد والمتاحف في إسطنبول رغم أنها مدينة كبيرة ومزدحمة، وأخذ يسألني عن كل مبنى نمر به".

ويبيِّن آخر سفير لمصر لدى تركيا أن لقاء السيسي بأردوغان كان مثمرا للغاية، وأن رئيس الوزراء التركي كان معجبا بوزير الدفاع المضري، مضيفا أنه يسرد هذه القصة للرد على الإخوان الذين زعموا أن أردوغان حذر مرسي من السيسي بعد لقائه به، إذ يؤكد أن اللقاء بينهما كان وديًا ومثمرًا للغاية.

في المقابل يلفت إلى أن انطباع السيسي عن أردوغان كان "إيجابيًا للغاية"، ويعتقد السفير أن ذلك كان سببًا في أن السياسة المصرية لم تحاول الرد على الهجوم الذي تعرضت له مصر من أردوغان وأعوانه بعد 30 يونيو 2013.