الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

صحف إسرائيلية: تل أبيب تريد من مصر أكثر مما تهتم القاهرة بتقديمه

الرئيس نيوز


كشفت مجموعة من التقارير نشرتها صحف إسرائيلية، أن القاهرة تحاول تحقيق المصالحة بين فتح وحماس، في حين تعوّل السياسة الإسرائيلية على استمرار الشقاق بينهما.

أمضى رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، ثلاثة أيام في مباحثات مستفيضة مع كل من "يحيى السنور"، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، وزياد النخالة، الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، في محاولة لإحلال الهدوء في القطاع ولو بصفة مؤقتة، وعلقت صحيفة هآرتز الإسرائيلية على جهود اللواء كامل قائلة: "إنه يحاول أن يفعل المستحيل في مكان لن يفلح فيه السحر في الإتيان بأي نتيجة"؛ في إشارة إلى الحاجة إلى التنسيق بين حماس والجهاد الإسلامي، والالتزام بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها قبل ثلاثة أشهر، والحد من إطلاق الصواريخ من القطاع ضد إسرائيل، والحد من مسيرات الاحتجاج على طول السياج الحدودي، ووضع الأسس للمرحلة التالية من التهدئة طويلة الأجل. وإعادة تأهيل غزة اقتصاديًا.

على الجانب الإسرائيلي، يتعين على القاهرة استمرار التعامل مع تل أبيب التي تتراجع عن الاتفاقيات أو تتعمَّد عدم تنفيذها بالكامل، وفي ظل استئناف ضخ الأموال القطرية إلى حماس، مع القيود الإسرائيلية التي فرضت مؤخرًا على حدود منطقة الصيد التي تبلغ 15 ميلًا وتخفيف الحصار بشكل كبير، تشعر إسرائيل بشكل متزايد بضيق الوقت، فيوم الاستقلال يقترب، ولسان حال المُقاومة تُهدد إسرائيل: التزموا بالتفاهمات لتحتفلوا بالـ "يوروفيجن" أكبر حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين، ومن المقرر أن تنظم المسابقة نسختها الـ (64) في "إسرائيل"، وتعد في نظر تل أبيب  الحدث الأكبر والأبرز، خلال العام الجاري.

يجمع المراقبون على أن الاحتفال بيوم الاستقلال والمسابقة معًا يمثلان نقاط ضغط استراتيجية تلزم إسرائيل بالتهدئة ولو مرغمة، وتجعل التحلي بضبط النفس الخيار الأوحد، ولكن حركتا حماس والجهاد الإسلامي استخدمتاهما للحصول على تنازلات من الجانب الإسرائيلي.

مصر تحاول أيضاً تحقيق هدف أوسع وأكثر شمولاً: أي المصالحة بين فتح وحماس على النحو الذي يسمح لحكومة فلسطينية توافقية بالعمل في غزة، وتدرك القاهرة ضرورة وجود مثل هذه الحكومة التي يمكنها أن تدير المعابر الحدودية، وأن تتحمل مسؤولية الإدارة المشتركة لغزة والضفة الغربية، وتتلقى المنح والمساعدات الخارجية اللازمة لإعادة تأهيل غزة.

هنا تكمن الصعوبة الرئيسية التي تواجه جهود القاهرة، بعبارة أخرى يعتبر الهدف الذي تصبو مصر لتحقيقه متناقضًا مع مبادئ السياسة الإسرائيلية، التي عملت لسنوات على فصل غزة عن الضفة الغربية من أجل إحباط عملية السلام القائمة على  أساس منطقي، تتبناه تل أبيب وتسعد به؛ ومفاده أن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس كرئيس لها، بحكم الأمر الواقع الذي فرضته حماس على الأرض، لا يمثلان جميع الفلسطينيين في كل المناطق، وبالتالي، كما تزعم إسرائيل، لا يمكن أن تكون السلطة وحدها طرفًا في المفاوضات.

وأثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، شدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن وحدة الصف الفلسطيني تمثل عنصرًا أساسيًا من عناصر نجاح أي خطة سلام، بما فيها "أي خطة" تعتزم إدارة ترامب اقتراحها، ولكن إسرائيل حريصة على استمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وتستغله كعقبة أمام الخطة المتوقعة.

لكن الفجوة الاستراتيجية بين موقفي إسرائيل ومصر، حول مسألة المصالحة الفلسطينية لن تؤثر على قدرة مصر على التوسط حاليًا في مسألة الهدوء العسكري، ولا تعتبر الوساطة المصرية موافقة إسرائيل على المصالحة شرطًا مسبقًا، بل إن جهود مصر لم تلقِ بالاً لموافقة إسرائيل على المصالحة من عدمها، فبناء على شعار "مصر أولاً" تدرك القاهرة أن استمرار الهدوء في غزة يخدم مصالح مصر، ويسمح بمواصلة التعاون الإقليمي الذي تنشده مصر، كما أن الحوار بين مصر وحماس ضروري لوقف محاولات إيران لإعادة حماس إلى دائرة نفوذها والحيلولة دون تجديد تعاون الحركة مع حزب الله. وتدرك القاهرة أن صالح العروري، نائب إسماعيل هنية، اتخذ خطوة في هذا الاتجاه، حين التقى أمين الحزب حسن نصر الله في بيروت في مارس، وليس من المؤكد أن حماس تتجه إلى إعادة التطبيع مع إيران عبر حزب الله، أو ما إذا كان هنية والسنور سيوافقان عليها، لكن مقابلة حسن نصر الله جددت المخاوف بشأن انخراط إيران في الملف الفلسطيني، أو تجديد دعمها مع بعض الفصائل الفاسطينية، على الرغم من تجميد علاقات طهران مع حماس. ولا يغفل المراقبون مكانة حماس كمنظمة تتصرف على أنها "دولة" ذات حركات سياسية أكثر أهمية من إطلاق بعض الصواريخ الباليستية على إسرائيل.

ويضيف "زيفي برئيل" مراسل "هآرتز" أن مصر تدرك هذا الوضع وقد ساهمت إلى حد كبير في احتوائه، لأن مصر ترى مصالحها الأمنية فوق كل اعتبار، وتبدي مصر اهتمامًا باتخاذ أي خطوات وترتيبات ملزمة مع ممثل مسؤول وليس مع مجموعة من المنظمات. لكن الجهود المصرية تصادف الحاجة إلى عوامل اقتصادية تقدرها القاهرة بميزان حساس لتحقيق التوازن بين الحفاظ على مكانة حماس السياسية، من ناحية واستمرار قدرة مصر على التأثير عليها، من ناحية أخرى.

وتضمن الاتفاقيات التي توصلت إليها حماس وإسرائيل بوساطة مصرية إنشاء مناطق صناعية تتيح فرص عمل لسكان غزة، كما أن إعادة إعمار غزة ستوفر تعاقدات للشركات المصرية وتساهم في تخفيف الحصار - وبالتأكيد إلغاءه – وربما تتحول غزة إلى مركز تجاري للبضائع المصرية. لكن الجهود الدبلوماسية المصرية تهدف كذلك إلى إقناع إسرائيل بالصلة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية وتوفير المزيد من ضمانات الاستقرار والهدوء الأمني، وفي الوقت نفسه لا يمكن لمصر أن تضمن أن هذه المعادلة سوف تسكت إطلاق النار بالكامل.

وهنا تكمن المعضلة: مصر ينظر إليها كشريك وليس وسيطًا فقط. يفرض هذا المفهوم مسؤولية على مصر من قبل إسرائيل، في حين يتلخص موقف القاهرة في أنها لا تريد تلك المسؤولية ولا تستطيع التعهد بتحقيقها، فإسرائيل تود أن تقوم مصر بالضغط على حماس والجهاد الإسلامي، لكن ضمان الهدوء يتطلب من مصر أن تشارك بشكل أكبر في غزة، وربما كذلك أن تغلق معبر رفح وبهذا ستبدو شريكة لإسرائيل في حصار القطاع، لذا ترفض القاهرة تلك المسؤولية، لكن موقفها كوسيط يتطلب أن تحقق نتائج ومكاسب إجمالية، الأمر الذي سيمنحها النفوذ والقوة للمضي قدمًا في الخطوات التالية وخاصة الهدوء طويل الأجل.

إن  مصر ليست لها أي مصلحة في اندلاع حرب شاملة، لا يمتلك أي من طرفي الصراع القدرة على تقييم الوقت الذي قد يؤدي فيه الإحباط واليأس والغضب في إسرائيل وغزة والضفة إلى تحطيم الجهود المتفائلة بالتوصل إلى تسوية دائمة.