أحداث حلب الإرهابية.. سيناريوهات جديدة لإعادة تقسيم سوريا
فجر التقدم السريع للفصائل المسلحة والمتطرفة على حساب القوات النظامية السورية، حالة من القلق أمام فجوة جديدة قد تحدث في بقعة مهمة في أرض الشام، بينما لا يزال قطاع غزة الفلسطيني يقبع تحت نيران الدمار الإسرائيلي، والجنوب اللبناني ينزف دمًا من أثار العدوان الغاشم عليه.
الفصائل المتطرفة، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، تقول إنها تواصل تقدمها نحو محافظة حلب، معلنة السيطرة على عدد من الأحياء والمؤسسات الرسمية داخل المدينة، وهو ما نفته السلطات السورية التي قالت إنها تتصدى لهجوم "تنظيمات إرهابية"، وسط تضارب بشأن مجريات الأحداث في ثاني أكبر المدن السورية.
ووثقت ما تعرف بغرفة عمليات "ردع العدوان"، التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" عبر حسابها في " تليجرام"، عشرات مقاطع الفيديو، التي تزعم أنها تعرض عناصرها في عدد من أحياء حلب، مثل الحمدانية والراموسة والكلاسة والفردوس وحلب الجديدة.
و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا) مدعومة لوجستيًا من تركيا، وقد وفرت أنقرة لها في العديد من المرات غطاء سياسي، وممرات آمنة، وكانت تدعم وجودها بقوة في محافظة إدلب قبل أن تطور وجودها ليصل إلى حلب ثاني أكبر المحافظات السورية، في إذان بتقسيم جديد لسورية برعاية إقليمية ودولية.
موقف تركيا
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر، لم تكشف عن هويتها ووصفتها بأنها "من المعارضة وعلى اتصال بالمخابرات التركية"، قولها إن تركيا أعطت الضوء الأخضر للهجوم، الذي يعد الأكبر منذ مارس 2020 عندما أبرمت روسيا وتركيا اتفاقًا لخفض التصعيد في المنطقة.
من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية التركية أن الحفاظ على السلام في إدلب المحاذية لحدودها شمالي سوريا، والمنطقة المجاورة لها، يُعد "قضية ذات أولوية" بالنسبة لأنقرة.
وقال المتحدث باسم الوزارة أونجو كتشالي، إن بلاده تتابع التطورات عن كثب في إطار الأهمية التي توليها لوحدة وسلامة أراضي سوريا والأولوية التي تعطيها لمكافحة الإرهاب".
وأشار إلى أن تركيا كانت قد وجهت تحذيرات عبر مختلف المنابر الدولية بأن الهجمات الأخيرة للقوات الحكومية على إدلب وصلت إلى مستوى من شأنه أن يضر بروح وعمل اتفاقيات أستانا، ويتسبب في خسائر فادحة بين المدنيين، وأكدت ضرورة وقف هذه الهجمات، لافتًا إلى بعض الاتفاقيات بين أنقرة وموسكو بشأن منطقة خفض التوتر في إدلب منذ 2017.
وقال إن "تركيا أوفت بكل حرص بمتطلبات الاتفاقيات التي شاركت فيها".
ورفض النظام السوري خلال وقت سابق، التصالح مع النظام التركي، مشترطًا ضرورة إنسحاب القوات التركية من الأماكن التي تحتلها في الشمال السوري، ورفع الغطاء عن الجماعات المسلحة في إدلب.
مؤامرة أمريكية إسرائيلية
الباحث في الشؤون العربية، عصام سلامة، يقول لـ"الرئيس نيوز": "ما يحدث في سوريا حاليًا محاولة أمريكية إسرائيلية لإعادة تنشيط الخلايا الإرهابية التي تتخذ من محافظة إدلب مقرًا لها"، موضحًا أن الجيش السوري سيستعيد زمام الأمور في أقرب وقت.
تقسيم غير معلن
الباحث في الشؤون العربية، علي رجب يقول لـ"الرئيس نيوز": "ما يحدث في سورية مثل كثير من المناطق التي تشهد تقسيمًا غير معلنًا بين روسيا وأمريكا قطبي العالم". موضحًا أن الهدف من التطورات السريعة التي تشهدها سورية هو قطع الطريق أمام إيران لعدم وصولها إلى منطقة الساحل التي تعد في المقام الأول منطقة نفوذ روسي، وعلى الرغم من أن طهران هي حلفية لموسكو إلا أنه لا مانع من التخلص منها لتتفرد بالأمر وحدها في منطقة ساحل المتوسط السوري.
يشير رجب إلى أن روسيا كان في إمكانها منع تقدم العناصر الإرهابية في "هيئة تحرير الشام"، منذ ثلاثة أيام مع بدء الهجوم إلا أنها آثرت الصمت، والآن تزعم أنها تقوم بغارات جوية على مناطق تمركز العناصر المسلحة في حلب. موضحًا أن "هيئة تحرير الشام" سيطرت على عدة أحياء في حلب تقدر بنحو 65 قرية وبلدة بينها تلك التي تقع على طريق (دمشق حلب)، وهذا يعني أن الهيئة لا ترغب في الوصول إلى دمشق ولا الأحياء الكردية في حيي الأشرفية والشيخ مقصود في الوقت الحالي، وقال: "ربما تكون الخطة في الوقت الحالي إدلب وحلب؛ فعدم دخول الأحياء الكرددية في حلب مؤشر على أن العملية العسكرية ليها أهداف وحدود مرسومة لن تتخطاها".
لافتًا إلى أن القوات الكردية توسعت بعد انسحاب قوات النظام والفرقة الرابعة، وبسطت سيطرتها على الحواجز الواقعة بين الشهباء وحلب وحواجز حي الأشرفية، ومع ذلك لن تصطدم مع عناصر "هيئة تحرير الشام"، مما يعني أن هناك تفاهمات تحدث.
محاولة لإسقاط النظام
بينما أرجع الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو الشوبكي، سبب تقدم عناصر "هيئة تحرير الشام"، في حلب إلى ضعف الحضور الإيراني وقوات حزب الله، وكتب عبر صفحته على موقع "فيسبوك": "التقدم الذي حققته الفصائل المسلحة في سوريا كبير وسريع وبدأت الآن دخول مدينة حلب بعد أن سيطرت في يومين على ٦٤ بلده سورية".
يضيف: "التحولات في سوريا ستكون سريعة بعد أن ضعف الحضور الإيراني وتراجع وجود حزب الله ومع ذلك لازال أمام النظام فرصة أخيرة للتغيير من داخله ليحافظ على ما تبقي من الدولة السورية وينقذ البلاد".
لفت إلى أن الفصائل استغلت حالة الفراغ التي حدثت وضعف الجيش وشنت هجومها المباغت.
وسيدفع النظام ثمن إضاعة فرصة خلق مسار سياسي داخلي بعد أن دعمه كثيرين الفترة الماضية حين رأوا أن بديله هو تنظيم القاعدة، ومع ذلك استمر في جرائمه بحق شعبه وقتل واعتقل عشرات الآلاف من المعارضة المدنية ومن الأبرياء وفي نفس الوقت اتفرج على كل جرائم دولة الاحتلال التي استباحت الأراضي السورية دون أن يواجهها مرة واحدة.
اختتم الشوبكي حدسثه بالقول: "النظام المعزول والمرفوض شعبيا والخانع أمام محتلي أرضه وأسد فقط على شعبه اعتمد في بقائه على أن بدائله أسوء منه، وهي صيغة لم تعد صالحة في الأوضاع الحالية. مواجهه إسرائيل بالشعوب ولن تكون أبدا حجة لقهر الشعوب".
وفي تدوينة أخرى كتب الشوبكي يوضح أسباب التقدم السريع للفصائل المسلحة مع غياب أي مقاومة تذكر من قبل الجيش السوري والفصائل الإيرانية الداعمة له والأهم غياب أي رد فعل من الطيران الروسي.
رجح الشوبكي السبب وراء ذلك، إما أن يكون هناك تفاهم دولي على إسقاط النظام أو تغييره من داخله فترك لمصيره الحتمي نتيجة هشاشة وضعه الداخلي وغياب الدعم الشعبي، أو أن يكون تقدم النصره هو بناء على حسابات التنظيمات السورية التي استغلت بدعم تركي الفراغ الذي حدث بعد خروج حزب الله من البلاد وهنا لن يسمح لهذه التنظيمات بالسيطرة على كل سوريا وإسقاط النظام، وسيصبح الخطر هو دخول سوريا في دورة جديدة من العنف والإرهاب.
لماذا نجحت هيئة تحرير الشام في دخول حلب؟
أما الباحث في الشؤون الراديكالية، ماهر فرغلي، فكتب على "فيسبوك" يقول: "لماذا نجحت هيئة تحرير الشام في دخول حلب؟". فيجيب: "انقلب أبو محمد الجولاني زعيم الهيئة على أفكاره، وانسلخ من داعش ثم القاعدة، وقدم نفسه كزعيم حرب محلي، وتخلص من كبار معاونيه من تنظيم القاعدة، مثل أحمد سلامة مبروك، اغتالهم أو سجنهم، وكان آخر المسجونين (أبو طلحة المسير – ابن الشيخ الأزهري الراحل محمد احمد المسير).
طارد الجولاني جماعة حرّاس الدين المرتبطة بالقاعدة، وسجن قياداتها مثل أبي همام السوري، وسامي العريدي، وقتل "أبو مريم الجزائري" الشرعي السابق في تنظيم القاعدة، والقيادي العسكري في جماعة "جند الله" جابر الأذري، وقتل وسجن عددا كبيرا من قيادات المهاجرين الأجانب من القوقاز وروسيا ووضعهم في سجن "تلعادة"".
يضيف فرغلي: "شكّل الجولاني حكومة إنقاذ، في الأماكن التي يسيطر عليها، والتي يطلقون عليه (الأماكن المحررة)، وتحديدًا في إدلب، وأجبر الفصائل على الاندماج في الهيئة، أو حل نفسها وتسليم سلاحها، ومن كان منهم لا يسلم سلاحه او ينضم للهيئة يقاتله. وقد تعاون الجولاني مع المكون الإخواني، الذي تمثله: هيئة حماية المدنيين: التي يرأسها نذير الحكيم ويديرها هيثم رحمة، وأغلب تواجدها في حماة وحمص وريفهما، وهيئة دروع الثورة: التي يرأسها العميد سامي أحمد حمزة ونائبه العقيد محمد حسين نعسان، وأغلب تواجدها في إدلب وحماة وحلب".
يتابع فرغلي: "حارب الجولاني داعش، وأبلغ عن مكان زعيمها أبي بكر البغدادي، ثم الزعيم التالي أبي إبراهيم القرشي. وأصدرت الهيئة بيانات لكي تدفع القوى الدولية للحياد، الأول أنها لن تحارب روسيا، ولن تحارب إسرائيل. وأصبحت تحرير الشام، يمثلها تياران: الأول يضم كتل المنطقة الشرقية وعلى رأسها الشرعي مظهر الويس، والتيار الثاني يضم قياديي الصف الأول، أبو أحمد حدود، ورئيس المجلس الشرعي عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي)، وزيد العطار، مسؤول المكتب السياسي، وأبو محجن الحسكاوي، مسؤول منطقة إدلب.
وتحولت هيئة تحرير الشام لنسخة طبق الأصل من حركة طالبان الأفغانية، وقدمت نفسها للعالم بهذا الشكل، وتحاورت مع الغرب والولايات المتحدة تحديدًا، ولها صلات مباشرة بتركيا.
وفي طريق سيطرتها على حلب، ولأول مرة لم تختلف مع الفصائل الأخرى، بل جعلتهم يقاتلون تحت رئاستها في خطة موحدة، كما رفضت معاقبة المجتمع المحلي، الذي كان يعاني من الفصائل الإيرانية وحزب الله، لذا فقد رحبوا بوجودها هي والفصائل المتحالفة معها".
ميدانيا أعلنت وزارة الدفاع الروسية سقوط 200 مسلح في ريفي حلب وإدلب خلال عملياتها المشتركة مع الجيش السوري، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وقالت "سانا" إن السلطات السورية ألقت القبض على من وصفتهم بـ"مجموعات إرهابية" قامت بتصوير مشاهد في عدد من أحياء حلب لتوحي بأن "المجموعات الإرهابية تسيطر على تلك الأحياء".
أما السفير محمد مرسي فكتب يقول على فيسبوك: "بمجرد أن تم تحييد حزب الله وحتي قبل أن تنهار تماماً قواه العسكريه ولو مرحلياً ..
إذ بنا نفاجأ بهجوم واسع ومنظم وسريع ومتعدد الجبهات لفلول الدواعش وجبهة النصره علي حلب وإدلب واجتياحهما بسرعة لافتة تذكرنا بليلة سقوط بغداد بالأمس القريب .
أمريكا تتنصل وتدعي عدم علمها المسبق بما يدور في سوريا الآن . وإسرائيل تصمت . وروسيا منهمكة في أوكرانيا ولكنها تؤكد دعمها لسوريا .. ومثلها إيران التي تعطي أولوية الآن لإعادة ترتيب أوراقها بعد وقف إطلاق النار في لبنان وفقاً لظروفها ومصالحها .
وتركيا تقف بين بين في ضوء مصالحها الخاصة في سوريا وملف الأكراد والحدود المشتركه .
والعرب متفرجون كالعادة وكما يبدو لنا ظاهرياً .. ولكن لا نعلم يقيناً مواقفهم ولمن يذهب دعمهم غير المعلن وحجم هذا الدعم ومدي تنسيقه مع أمريكا وإسرائيل .
الدواعش وإن تغيرت مسمياتهم يعودون اليوم إلي سوريا بإشارة إصبع من صانعيهم بعد أن تهيأت الظروف وسنحت الفرصة - بغياب حزب الله وانشغال إيران وروسيا - لتنفيذ مهام محددة في سوريا ودول جوارها لاحقاً.
ولكنهم يعودون تحت مسمي وشعار المعارضة السورية لتجميل مظهرهم استغلالاً لديكتاتورية الأسد وغياب الديمقراطيه الذي هو مصدر وأساس الإبتلاء في مجتمعاتنا.
غداً صفحة جديدة تكتب بدماء الأبرياء في وطننا البائس اليائس ، فلنقرأ في صمت وحزن ."