الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

الأسئلة الصعبة حول التعديلات الدستورية..هل يريد السيسى الترشح للمرة الثالثة؟

الرئيس نيوز

 دارت عجلة التعديلات الدستورية قبل أن تنتصف الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسى، لتثير جدلا بين النشطاء والمثقفين والمتابعين للشأن العام، فتعالت أصوات مؤيدة و أخرى معارضة، وتراشق الجانبان بالاتهامات،ما بين مخاوف من ترسيخ حكم الفرد، وبين ضرورة المرونة مع متطلبات وتغيرات المجتمع.

وبجانب مادة تعديل "المدة الرئاسية"، التى أثارت الجدل في التعديلات المقترحة، مواد أخرى، منها مادة عن التمثيل النسبي للمرأة فى البرلمان "كوتة"، ومادة خاصة بالقضاء، ومادةتسمح بتدخل القوات المسلحة لحماية مدنية الدولة ، بالإضافة لإلغاء الهيئة الوطنية للإعلام، واستحداث مادة حول منصب نائب الرئيس.

ورغم أهمية المواد الأخرى المقترح تعديلها،لم تطرح أي منها على طاولة النقاش والبحث المحايد والدقيق،لعرض وجهات النظر المتابينة، بينما غطت مادة وحيدة على باقي المواد، هي المادة الخاصة بمدة الرئاسة، التي تستهدف ترشح الرئيس لفترتين رئاسيتين، مدة كل منهما 6 سنوات، مع السماح للرئيس الحالى بالترشح من جديد عقب انتهاء مدته الحالية.

بدون الكثير من اللف والدوران، تبدو المادة معدة  لضمان ترشح السيسي لمدتين جديدتين، لتنتهي ولايته فى 2034، ما يضعنا وجها لوجه أمام أسئلة مهمة، هل هى رغبة السيسى فى مد فترته الرئاسية؟، هل وجه تعليمات بتعديل مواد الدستور؟.

الإجابة على هذه الأسئلة من حق الرئيس وحده، وليس من حق الآخرين استنباط إجابات عليها، أو وضعها على لسانه، سواء بدعوى القرب منه أو العلم ببواطن الأمور، كما أن الرئيس نفسه مسئولا فحسب عما نطق به علانية  مسجلا بالصوت والصورة، ولا يعتد بأي "كواليس" يدعى البعض امتلاك تفاصيلها.

فى نوفمبر 2017، أجاب الرئيس عبد الفتاح السيسى على سؤال لشبكة "CNBC" الإخبارية الأمريكية، حول إمكانية استمراره في الحكم بعد انتهاء الفترتين الرئاسيتين، مؤكدا أنه مع الالتزام بفترتين رئاسيتين، مدة الواحدة 4 سنوات، ومع عدم تغيير هذا النظام.

وقال الرئيس للشبكة الأمريكية، "لدينا دستور جديد الآن، وأنا لست مع إجراء أى تعديل فى الدستور خلال هذه الفترة، وسوف أحترم نص الدستور الذى يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين متتاليتين فقط، مدة الواحدة 4 سنوات"، ثم كرر "أقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة"،

لم تكن هذه المرة هي الأولى التى يعلن فيها السيسي بعدم رغبته فى الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بل أعلن نفس الموقف فى النسخة الأولى من منتدى شباب العالم المنعقد في عام 2017، أثناء لقائه بممثلي وسائل الإعلام الأجنبي والمحلى،عندما أكد أنه لا يرغب فى الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

أثق فى صدق السيسى ونزاهته، وهى قناعة شخصية اكتسبتها من متابعته على مدار 8 سنوات، منذ كان وزيرا للدفاع، فالرجل صادق إلى حد الصدمة، وإذا قال أنه لا يرغب فى الترشح لمدد رئاسية أخرى، فهذا بالفعل رأيه، وهذه قناعاته،خاصة أنه لم يكن هناك ما يجبره على التصريح بهذا، أما إذا تغيرت قناعته، وهوأمر مشروع بالمناسبة، فأنه عندها سيكون الوحيد صاحب حق التصريح عن هذا، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وتنقلنا هذه النقطة إلى الإجابة على سؤال آخر، لماذا لم يتدخل السيسي لمنع إجراء التعديلات الدستورية؟.. أثناء نقاش بين عدد من الأصدقاء،سألني أحدهم"إذا كان السيسى لا يريد الترشح، ولا يريد تعديل الدستور، فلماذا لم يأمر بوقف هذه التعديلات فورا؟"،والإجابة على هذا السؤال قالها السيسى بنفسه عدد مرات ،أنه لم يعمل منذ توليه الحكم على بناء "نظام" ، بل كان حريصا على بناء دولة ذات مؤسسات بصلاحيات كاملة، بما يمكنها من ممارسة عملها بحرية مطلقة، مع فصل كامل بين السلطات.

لا يتعامل السيسى مع نفسه باعتباره رأس للنظام، وإنما رأس للدولة ، فإذا تقدمت كتلة برلمانية ذات أغلبية بطلب لتعديل الدستور، فلماذا يتدخل الرئيس فى عمل السلطة التشريعية  من الأساس، إذا كانت الكلمة النهائية ستكون للشعب خلال استفتاء شعبى، وإذا كنا ننادى بممارسة دستورية وديمقراطية صحيحة،لماذا نستدعى تدخلا رئاسيا لعرقلة حق دستورى أصيل لنواب البرلمان؟!!

وفقا للمادة 226من الدستور، التي تنص على أنه "لرئيس الجمهورية، أو خٌمس أعضاء مجلس النواب حق طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل".

ولماذا يتصدى السيسى لتعديل مدة منصب قد يشغله هو أو غيره؟، وكأن نص مادة دستورية هو أمر يتمحور حول شخصه وحيدا!، وهو بالفعل ما ذهب إليه  الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، عندما دعا النواب إلى عدم اختزال التعديلات الدستورية فى مادة مد فترة الرئاسة لـ6 سنوات، مؤكدا أن رئيس الجمهورية لا يطمع فى الحكم، ولا مد فترة الرئاسة.

وقال عبد العال نصا"مش عايز تختزلوا التعديلات دى كلها فى هذا الموضوع، تفتكروا بعد 2013 ناس كتير ألحت على الرئيس السيسى أن يترشح، ولم يكن يرغب، وخضع لإرادة الشعب، وفى الفترة الثانية الناس ألحت وطالبته بالترشح، وبالتالى هو لا يطمع فى الحكم والمد، والشعب من يقرر".

يصيب كلام رئيس البرلمان كبد الحقيقة، فبعيدا عن المناقشات الفوقية لنخبة "الفيس بوك"، حيث تنتشر فقاعات فكرية مغلقة، يحددها التايم لاين،دون أن يكون مؤشرا حقيقيا لرأى قطاعات عديدة من الشعب، لا تعبر عن رأيها عبر فيسبوك، ففي النهاية إذا قال الشعب نعم للتعديلات، فأنها ستكون حقيقة يجب أن نقبلها صاغرين، دون تعالى أو سخرية من وعي المواطن، ففي النهاية هذا وعي الأغلبية، وليس من حق أحد فرض الوصاية على الشعب، لا الرئيس ولا النخبة.

سؤال آخر لا يقل أهمية، إذا لم يكن للرئيس راغبا ، وفقا لنص تصريحاته، فمن يقف وراء التعديلات الدستورية؟!.

الدعوات لتعديل الدستور ظهرت مبكرا، بالتحديد في فبراير 2017،عندما تقدم النائب البرلماني إسماعيل نصر الدين، بطلب لتعديل عدد من المواد، خاصة بباب"نظام الحكم"، وفترة حكم الرئاسة، قبل أن يسحبه، وتتجدد نفس المطالب بشكل أوسع وأقوى على يد ائتلاف دعم مصر، وفق المادة 226 السابق ذكرها.

إذن التعديلات الدستورية هى مطلب كتلة برلمانية منتخبة وممثلة شعبيا، وهى الفئة صاحبة الحق فى اقتراح التعديلات، ووفق المذكرة المقدمة من الائتلاف، فأن أسباب التعديل ترجع إلى "مقتضيات الواقع".

كما تحظى التعديلات بدعم ورضا عدد من أجهزة ومؤسسات الدولة، لأسباب أمنية واقتصادية وتنموية، ظهرت مؤشراتها الإيجابية فى ظل حكم السيسى، وهى ليست شهادات أو مؤشرات محلية فحسب، بل دولية أيضا،فمديرصندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، قالت إن معدلات النمو الاقتصادي في مصر هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط.

وحسب "النقد الدولي"، فأن معدلات النمو يدعمها تعافي السياحة، وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، مع تراجع عجز الحساب الجاري لأقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع الاحتياطي النقدي ليغطي 7 أشهر وارادت.

ووفق بيان رسمى لوزيرالتخطيط، الدكتورة هالة السعيد،ارتفعت معدلات النمو الاقتصادى خلال الربع الثانى من العام المالى 2018/ 2019 ليحقق أعلى رقم خلال عقد كامل، بالوصول إلى 5.5%، مشيرة إلى أن معدل النمو المستهدف للعام هو 5.6%،كما أشارت إلى انخفاض معدلات البطالة بطريقة ملحوظة خلال الفترة السابقة، ليصل إلى أقل من 10%.

بالإضافة لهذه التطورات الاقتصادية، يمكن رصد تحسن الوضع الأمني فى مصر، ما ترتب عليه الحصول على حق تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2019، بعدما سحب الاتحاد الأفريقي لكرة القدم التنظيم من الكاميرون، بسبب التأخر في إنجاز أعمال البنية التحتية، والقلق من الوضع الأمني،ولا يوجد مجال هنا للتناول التفصيلي لتحسن الأوضاع على الأصعدة كافة.

أخيرا، هناك من يرى بين الإعلامين والساسة أن السيسي هو الأصلح  فى هذة الفترة، سواء عن قناعة أم لا، فليست مهمتنا التنقيب فى النوايا، لكن في النهاية يوجد دعم لفكرة التعديلات لا تخطئه عين، ويتم الدفع فى هذا الاتجاه عبر وسائل الإعلام، سواء قنوات فضائية أو صحف، حيث افتتح الكاتب الصحفى ياسر رزق هذه المساحة إعلاميا، بمقالين استباقيين عن ضرورة تعديل الدستور،تحت عنوان "تسونامي الإصلاح السياسي وخارطة التعديلات الدستورية"،و"عام الإصلاح السياسي الذي تأخر".

وواصل رزق عرض رأيه من خلال تصريحات تلفزيونية توضح اعتراضه على بعض التعديلات الدستورية المقترحة،قائلا إن "مد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلًا من 4 سنوات يجب أن يقتصر على الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال مادة انتقالية تعطي الرئيس الحالي وحده هذا الاستثناء، على أن تلغى مرة أخرى بعد انتهاء فترة حكم، وتعود المدة إلى 4 سنوات".

أيضا الدكتور مصطفى الفقي، المستشار الأسبق لرئيس الجمهورية الأسبق، والمدير الحالي لمكتبة الإسكندرية، عبر عن ضرورة تعديل مواد الدستور، بزيادة مدة الرئاسة الحالية لأكثر من أربع سنوات، وأكثر من فترتين، موضحا أن الرئيس يسعى لإنقاذ الأحزاب، وإعطائها مساحة من الحرية والتحرك، كما يهتم بالشباب والصحة والتعليم في فترة رئاسته الثانية، وهي أمور قد تحتاج لوقت أطول من 4 سنوات.

"الفقي" علل طلبه، بأن ثمان سنوات غير كافية، في ظل سعي الرئيس السيسي لبناء دولة كبيرة، وتحقيق الإنجازات التي شهدناها الفترة الماضية، قائلا إن "جعل مدة الرئيس في الدستور 8 سنوات على فترتين رئاسيتين، قصيرة جدًا.

السؤال هنا، هل يترشح السيسى لولاية ثالثة إذا أصبح هذا الأمر من حقه، في حال إتمام التعديلات الدستورية؟.. وهو سؤال يبدو استباقيا، لكنه مشروع، إلا أنه لا  أحد يملك الإجابة على السؤال سوى السيسي نفسه، ولن يحسم الإجابة سوى أن يعلن موقفه بنفسه،عند انتهاء ولايته الثانية فى 2022، وحتى هذا الوقت لا أحد يستطيع  الجزم، لكن  لو فعلها لا حرج عليه، فوقتها لن يكون الأمر خرقا للدستور،أومخالفا لإرادة الشعب الذى وافق على التعديلات، وإذا لم يفعلها، فهذه ستكون رغبته، الواجب احترامها من الجميع. 

فى حواره مع شبكة "CNBC" الأمريكية، قال السيسي "لا يناسبني كرئيس أن أجلس يوما واحدا ضد إرادة الشعب المصري، وهذا ليس مجرد كلام أقوله أمام شاشات التلفزيون، فهذه قيم أعتنقها، ومبادئ أحرص عليها، وأي رئيس يحترم شعبه لن يبقى دقيقة واحدة ضد إرادته".

 مرة أخرى كرر السيسى أنه لن يبقى يوما واحدا ضد إراداة المصريين، خلال مؤتمر صحفي جمعه بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، رغم أن الحديث لم يكن يجرى حول التعديلات الدستورية، لكن كانت التصريحات رسالة من الرئيس حول ما يتردد بشأن إجراء تعديلات ليفرض بقاؤه فى السلطة.

إذن رمى السيسى الكرة فى ملعب الشعب، سواء بالموافقة على هذه التعديلات، أو قرار استمراره رئيسا لدورة رئاسية ثالثة.