الأربعاء 01 مايو 2024 الموافق 22 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تحليل| فشل مدوي للجدار الحديدي والاحتلال انغمس لسنوات في شعور زائف بالأمان

الرئيس نيوز

أكد موقع "آسيا تايمز" أن الصهيونية في جوهرها هي عبارة عن محاولة لخلق مساحة آمنة للشعب اليهودي ووُلدت أيديولوجيتها خلال فترة كانت فيها الأقليات في جميع أنحاء أوروبا تصوغ طرقًا جديدة لتأمين استقلالها ثقافيًا ودينيًا.

وفي حالة الشعب اليهودي، كانت السلامة شرطًا أساسيًا لأي نظرية لإعلان وطنهم على الرغم من انشغالهم بالتحرر القومي اليهودي، لم يفكر الصهاينة الأوائل كثيرًا في كيفية رد فعل الفلسطينيين الأصليين على إنشاء دولة يهودية على أرضهم.

وعندما أصبح من الواضح أن التعايش السلمي يشكل تحديًا، زعم الصهاينة اليمينيون أن السبيل الوحيد لتطوير أمن الدولة اليهودية (وبالتالي الشعب اليهودي) سيكون من خلال القوة العسكرية وهذه الفكرة، المعروفة باسم "الجدار الحديدي"، باتت أساسية بالنسبة للقادة الإسرائيليين فحين هاجم الفلسطينيون مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر الجاري، بعد مرور أكثر من سبعين عامًا على إنشاء هذه الاستراتيجية، كان الجدار الحديدي قد دُمر فعليًا.

السلام مع الفلسطينيين "بعيد المنال"

ويُنسب إلى زئيف جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية التعديلية، وهي نسخة يمينية متشددة من الأيديولوجية التي فضلت التوسع الأقصى لدولة الاحتلال الإسرائيلي، الفضل في إنشاء مفهوم الجدار الحديدي وقال إن التوصل إلى اتفاق سلام طوعي مع الفلسطينيين "غير قابل للتحقيق" ولذلك، كتب جابوتنسكي في عام 1923، أنه "يجب على الصهاينة إما تعليق المساعي الاستيطانية أو مواصلتها دون الالتفات إلى مزاج أو موقف السكان الأصليين وبالتالي، يمكن للاستيطان أن يتطور تحت حماية قوة لا تعتمد على السكان المحليين، خلف جدار حديدي لن يكون بمقدورهم تحطيمه.

وتجت مظلة منطق جابوتنسكي الاستقطابي، كان من النفاق والمضر أن يعبر الصهاينة عن أي استعداد للتفاوض مع الفلسطينيين وتغلغلت أفكار جابوتنسكي في أذهان القادة الإسرائيليين على جميع جوانب الطيف السياسي لتصبح سياسة الأمر الواقع لدولة الاحتلال والاستيطان ففي نهاية المطاف، يتمحور سبب وجود إسرائيل حول خلق وطن يهودي آمن ومأمون وعندما تأسست الدولة رغم اعتراضات أصحاب الأرض في عام 1948، وتم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرًا من منازلهم، أنشأت إسرائيل مصفوفة من السيطرة على حياة الفلسطينيين وشكلت الجدران والأسيجة وجمع المعلومات الاستخبارية أساس الجدار الحديدي، الذي يفصل الدولة اليهودية عن بقية المنطقة بزعم الدفاع عن دولة الاحتلال من اللاجئين الفلسطينيين العائدين وهذا مفهوم أساسي آخر في النفسية الإسرائيلية فكل شيء يبدأ من مبدأ الدفاع هذا.

وفي السابع من أكتوبر تغير كل شيء... وعندما تدفق الفلسطينيون والعديد منهم ينحدرون من نسل اللاجئين الفلسطينيين، عبر الجدران الحدودية التي تفصل بين إسرائيل وغزة، لم يكن من الممكن العثور على جيش الاحتلال في أي مكان وكأنه تبخر، ومرت ساعات صعبة دون أي مساعدة من الدولة اليهودية.

انهيار العقد الاجتماعي.. إخفاق في حماية المستوطنين 

تم كسر أساس العقد الاجتماعي الذي أبرمته إسرائيل مع مواطنيها، وهو أن الجيش وقوات الأمن سيمنعان اللاجئين من العودة وقتل اليهود في منازلهم فقد تم اختراق الجدار الحديدي بطريقة لم يعتقد الإسرائيليون، في السابق، أنها ممكنة وحتى الفلسطينيون أنفسهم صدموا من هشاشة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ماذا يحدث الآن؟ لقد تحطم العقد الاجتماعي الأساسي بين الإسرائيليين وحكومتهم والمفهوم الأساسي للصهيونية وهناك القليل من الأعذار التي يمكن أن يقدمها القادة الإسرائيليون لتفسير هذا الفشل الهائل.
وحتى السابع من أكتوبر، كانت آلة السيطرة الإسرائيلية المعقدة على حياة الفلسطينيين تعمل بهدوء ويبدو أن إسرائيل انغمست في شعور زائف بالأمان لعدة سنوات كما يبدو أن فرضية احتلال الأراضي الفلسطينية كدعم أمني غير ناجحة.

والآن بعد أن تم اختراق الجدار الحديدي، فماذا يحدث للفرضية التأسيسية الأساسية للدولة اليهودية، وهي أن إسرائيل قادرة على حماية اليهود من الهجمات المروعة، وسوف تفعل ذلك؟ فكيف يمكن للحكومة استعادة هذا العقد الاجتماعي؟ وكيف يمكنها استعادة الثقة في قدرتها على الحماية؟

سوف تستغرق الإجابة على هذه الأسئلة الصعبة بعض الوقت، لكن الاستجابة الأولية للقيادة الإسرائيلية لم تكن مشجعة وبينما سارعت أجهزة العلاقات العامة الإسرائيلية إلى وصف الهجوم على المدنيين الإسرائيليين بأنه هجوم على جميع اليهود، لم يستقيل أي سياسي إسرائيلي كبير.

ومن الممكن أن يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتبره أغلب الإسرائيليين الشخص الرئيسي المسؤول عن هذا الفشل، عن إجراء انتخابات خاصة في غضون ستة أشهر بعد هدوء القتال ويقول إنه لن يسعى لإعادة انتخابه وهذا لم يحدث، وليس هناك ما يشير إلى أنه سيحدث.

علاوة على ذلك، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتصعيد طبول الحرب من أجل غزو بري في غزة بدلًا من التركيز على تحرير الرهائن الذين تحتجزهم حماس وقد أظهر التاريخ أن الاجتياح البري في غزة لا يحقق سوى القليل من النتائج الدائمة، وفي نهاية المطاف، لا تملك إسرائيل الإجابة الآن لأن الحل ينطوي على التفكيك الكامل لاحتلال البلاد وسيطرتها على حياة الفلسطينيين وروجت الدولة للاحتلال كإجراء لا مفر منه لضمان الأمن الإسرائيلي تحت عنوان منطق الجدار الحديدي وهو فكر فاشل.

وتمتلك إسرائيل واحدًا من الجيوش القوية بالإضافة إلى جهاز استخبارات لا بأس به ومع ذلك، فإن الغطرسة التي تصاحب احتلال الفلسطينيين لعقود من الزمن توضح كيف أن هذه الأدوات لا تعمل على توفير الأمن الأساسي.

ومن عجيب المفارقات أن أفضل طريقة لتحقيق النتائج المرجوة من الجدار الحديدي تتلخص في تجاوز أيديولوجية القوة الخالصة لتحقيق تسوية عادلة يتمتع فيها كل الناس بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط بحقوق متساوية فالعالم أجمع يرى نتائج الوضع الراهن للشعب الفلسطيني وللاحتلال.