الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

اتفاق الطاقة بين تركيا وليبيا يثير أمواج من الاضطرابات في البحر المتوسط

الرئيس نيوز

شجبت مصر واليونان اتفاقية التنقيب عن الطاقة التي أبرمتها تركيا وليبيا على أساس انتهاكها الصارخ للمناطق الاقتصادية الخالصة قبالة ساحل البحر المتوسط.

وأشار تقرير لموقع خدمات الاستخبارات الجيوسياسية "جيوبوليتيكال إنتلجنس سيرفسز" إلى أن التنافس على المحروقات يضع جيران البحر المتوسط في مواجهة بعضهم البعض.

وأضاف أنه من غير المرجح أن تتراجع تركيا، مما يجعلها على خلاف مباشر مع كل من مصر والاتحاد الأوروبي، ويعود تاريخ الملف الساخن إلى 3 أكتوبر الماضي، عندما وقعت ليبيا وتركيا مذكرة تفاهم أخرى بشأن التعاون الثنائي العلمي والتقني والقانوني والإداري والتجاري في المستقبل على اليابسة وفي البحر في مجال الهيدروكربونات.

ومن أجل تعزيز ذلك، قام مجموعة من المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى - بمن فيهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو – بزيارات متتالية إلى طرابلس.

ماذا تعني مذكرة التفاهم في ليبيا

يعتبر الاتفاق التركي الليبي الأخير حلقة جديدة من تقارب الحكومة الليبية منتهية الولاية مع أنقرة وهو التقارب الذي بدأ في نوفمبر 2019، عندما كانت طرابلس تحت الحصار وكان فائز السراج رئيس للوزراء واليوم، لم يعد لحكومة الوفاق الوطني وجود، وتولت حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مقاليد الحكم في مارس 2021، بعد ذلك، وبمذكرة التفاهم القديمة الموقعة تحت سلطة حكومة الوفاق الوطني، تم تحديد الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا في البحر الأبيض المتوسط بشكل ثنائي لا يعترف به العالم، بالتوازي مع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري ومع التوقيع الأخير على مذكرة التفاهم، الآن من قبل حكومة الوحدة الوطنية، دخلت تلك الاتفاقيات مرحلة التنفيذ حيث تعتزم تركيا لعب دورًا رائدًا مع أسطولها المكون من أربع سفن حفر للبحث عن رواسب الهيدروكربونات.

وصف وزير الخارجية التركي أوغلو مذكرة التفاهم الجديدة بأنها صفقة "مربحة للجانبين" لكلتا الإدارتين ومع ذلك، لم تكن الدول الأخرى تشاركه نفس الرأي.

ووصفت اتفاقية التنقيب عن مياه البحر الأبيض المتوسط بأنها غير شرعية و"تهديد للاستقرار الإقليمي"، بحسب وزير الخارجية سامح شكري، بدعم من نظيره اليوناني نيكوس ديندياس، ولم يكن الرد الأوروبي بعيدًا عن الموقفين المصري واليوناني، عبر بيان صادر عن البرلمان الأوروبي مفاده أن الاتفاق البحري التركي الليبي "يجب أن يُلغى لأنه يتوقع أنشطة حفر غير قانونية في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول أخرى، بما في ذلك قبرص واليونان واعتمد النص بأغلبية 47 صوتا مقابل تسعة أصوات وامتناع خمسة أعضاء عن التصويت.

وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، لم يكن تأمين إمدادات الطاقة أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لأوروبا وربما يكون أكثر ربحية لليونان ومصر ولبنان والأردن، وبالطبع ليبيا وتركيا وقد أدت الأضرار الناجمة عن الانفجار تحت الماء لخطي أنابيب نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2، المصممين لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، إلى تركيز الانتباه على الغاز الطبيعي المنقول من ليبيا إلى أوروبا عبر جرين ستريم.

ويعمل خط الأنابيب منذ عام 2004 ويغطي 520 كيلومترًا في قاع البحر الأبيض المتوسط ويمكنه نقل 11 مليار متر مكعب سنويًا. كما يمكن أن يصبح، عاجلًا أم آجلًا، هدفًا للهجمات الإرهابية، ولهذا السبب تعهدت إيطاليا بحماية الخط مستعينةً بأسطولها البحري.

أما حقول النفط داخل ليبيا فهي موضوع نقاش مختلف. تم بالفعل ردع الميليشيات التي تحاول السيطرة على الحقول أكثر من مرة من قبل حرس المنشآت البترولية وعلى الأقل منذ عام 2019، توقف تصدير النفط الليبي عدة مرات، ولطالما كانت الهيمنة السياسية في ليبيا مصدرًا للصراع لسنوات بين منطقتي طرابلس، حيث يقع مقر حكومة الوحدة الوطنية، وبرقة، حيث مقر مجلس النواب ويترأس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي اقترح مؤخرًا حكومة الاستقرار الوطني الخاصة، برئاسة وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا.

ردود الفعل الدولية

من خلال توقيع اتفاقيات المنطقة الاقتصادية الخالصة مع أنقرة، زادت طرابلس من مساحة سيطرتها البحرية جنوب جزيرة كريت بنحو 16700 كيلومتر مربع، وهي نتيجة لم تقبلها أثينا وهي ترى أن سيادتها البحري مهددة من قبل الدوريات التركية، وهو ما لا يمكن لليونانيين قبوله.

ومن جانبها، أعربت مصر عن عدم الارتياح لهذا التقارب الإضافي بين ليبيا وتركيا، وكذلك من الوجود البحري التركي بالقرب من شواطئها وكل هذا بينما تظل الولايات المتحدة، وأوروبا، صامتتين وسلبيتين في الغالب، ولكن موقف إيطاليا مثير للدهشة بشكل خاص. 

ليس لدى روما الكثير لتكسبه في مواجهة النشاط التركي المترسخ بشكل متزايد في طرابلس، علاوة على حرص روما على تواجد شركة الطاقة ايني في ليبيا وانشغال حكومتها بمواجهة تدفقات الهجرة بعد توقف مؤقت بسبب تفشي جائحة كوفيد-19 ما يجعل المخاطر على إيطاليا مرتفعة.

وعلى الرغم من مذكرة التفاهم من جهة والاختيار المحفوف بالمخاطر للسيد باشاغا من جهة أخرى، لم تغلق أنقرة خطوط الاتصال مع الجانب القيرواني، شرق ليبيا، وتحافظ على علاقات رفيعة المستوى مع عقيلة صالح، كما يتضح من زيارته في أغسطس الماضي إلى تركيا للاجتماع مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

ماذا عن روسيا؟

من المؤكد أن نهج الشرق في برقة يحتاج إلى التحليل دون إغفال التحركات الروسية على رقعة الشطرنج الأفريقية، خاصة في شمال إفريقيا، والتي قد تتداخل مع الإجراءات التركية بشكل ملحوظ، فقد أنشأت تركيا شبكة من 37 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء أفريقيا وتستخدم أنقرة هذه القواعد للسيطرة المنهجية على رقعة الشطرنج والتجارة، فيما يتعلق بشكل أساسي بإنتاج طائرات بدون طيار وأسلحة قادرة على تغيير مصير الصراعات.

وبالمثل تعد عائدات التكنولوجيا والتصدير هي الهدف المحتمل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اقترح، خلال اجتماع 19 يوليو في طهران مع نظيريه الإيرانيين والأتراك، بناء مصنع بايكار في روسيا، وبعد احتجاجات عديدة من المجتمع الدولي ضد وجود مجموعة فاجنر ومرتزقة أردوغان في ليبيا، قال الكرملين مؤخرًا إنه مستعد لإعادة فتح سفارته في طرابلس، المغلقة منذ 2013، وقنصليتها في بنغازي. 

يبدو أن المفاوضات مع السيد الدبيبة جارية بالفعل ولكن لا تمتلك روسيا أسطولًا متوسطيًا مثل الأسطول السادس للولايات المتحدة، وستتطلب السيطرة على القواعد والموانئ على البحر الأبيض المتوسط استثمارات كبيرة من الكرملين وليس ميناء طرطوس في سوريا كافيًا لدعم الوجود الروسي الدائم في البحر الأبيض المتوسط.

إن وجود المرتزقة، غير الخاضعين للمساءلة رسميًا أمام حكومة موسكو أو حكومة أنقرة، يترك حرية تكتيكية واسعة لأنقرة والكرملين، ومع ذلك، فإن زيادة وجودهما في الأراضي الأفريقية - وليس فقط تلك التي تواجه البحر الأبيض المتوسط - تمثل تهديدًا واضحًا لموسكو مصدره تركيا وتهديدًا موازيًا لتركيا مصدره موسكو، وتحتاج موسكو إلى التصالح مع أنقرة عاجلًا أم آجلًا، ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا تشعر موسكو بالتهديد بشكل خاص من قبل تركيا المتورطة في البحر أكثر من البر، ومن المتوقع أن يواصل الاتحاد الأوروبي دعم اليونان، تمامًا كما سيبقى الناتو محايدًا في مواجهة المواقف المتضاربة لأعضائه بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة.

بشكل ملحوظ، تطورت العلاقات بين البلدين، التي كانت صعبة خلال الحرب في سوريا بين عامي 2014 و2015، في مواجهة المشاكل مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي وإمكانية المشاريع المستقبلية المتعلقة بإنتاج الطاقة وفي الآونة الأخيرة، قام أردوغان أيضًا ببعض التحركات الذكية فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية وقام بتطبيق أحكام اتفاقية مونترو في تنظيم دخول السفن الحربية الروسية إلى البحر الأسود وتوسط بنجاح، أكثر من مرة، مع بوتين لتخفيف حصار الحبوب.