الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

عون يغادر القصر الرئاسي ولبنان يدخل في فراغ سياسي

 الرئيس اللبناني
الرئيس اللبناني ميشال عون

غادر الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الأحد، القصر الرئاسي بحضور الآلاف من مناصريه، مستبقًا انتهاء ولايته بتوقيع مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة تزيد من تعقيدات الفراغ السياسي الذي تدخله البلاد ويهدّد بشلّ عمل المؤسسات.

ومع عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان، ينذر الشغور الرئاسي بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات ومع تعذر تشكيل حكومة جراء الانقسامات السياسية منذ مايو.

على وقع هتافات مؤيدة أطلقها آلاف من مناصريه في "التيار الوطني الحر" الذين احتشدوا خارج القصر الرئاسي في منطقة بعبدا المطلة على بيروت، استهلّ عون كلمته بالقول "اليوم صباحًا وجهت رسالة إلى مجلس النواب ووقعت مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة".

وأضاف: "اليوم نهاية مهمة وليست نهاية عهد.. اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج لنضال وللكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا".

وغادر عون القصر الرئاسي قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسية منتصف ليل الإثنين -الثلاثاء.

ويدخل لبنان بدءًا من الثلاثاء في مرحلة شغور رئاسي، يتعين فيها وفق الدستور انتقال صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء، مع فشل النواب خلال أربع جلسات سابقة في انتخاب بديل.

لكن الخلافات السياسية حالت منذ الانتخابات النيابية دون تشكيل حكومة جديدة، بينما تواصل حكومة تصريف الأعمال ممارسة مهماتها.

ومنذ أسابيع، يتبادل عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.

وفي رسالة وجّهها الى البرلمان الأحد بعد توقيعه مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، اتهم عون ميقاتي بأنه "غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف أعمال"، أبدى اعتراضه على أن تمارس "صلاحيّات رئاسة الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد".

رغم أن خطوة عون تعد سابقة في تاريخ لبنان منذ إقرار الدستور عام 1926، إلا أن خبراء يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار صراع النفوذ بين الرجلين.

وقال ميقاتي الأحد إن توقيع المرسوم "يفتقر الى أي قيمة دستورية". وأبلغ رئيس البرلمان نبيه بري "بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة".

وتعد حكومة ميقاتي عمليًا مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية في مايو. وعادة ما يصدر رئيس الجمهورية مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، في اليوم ذاته الذي يوقع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

ويقول الخبير الدستوري وسام لحام لوكالة فرانس برس "إنه صراع سياسي بين عون وميقاتي يأخذ شكلًا دستوريًا"، إذ لا يمكن للحكومة، وفق الدستور أن تمارس صلاحياتها "قبل نيلها الثقة أو بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى لضيق لتصريف الأعمال".

وفي لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية، غالبًا ما يستغرق انتخاب رئيس أشهرًا. في العام 2016، انتخب عون رئيسًا بعد 46 جلسة انتخاب خلال أكثر من عامين.

ولا يملك أي فريق في البرلمان أكثرية تخوله انتخاب رئيس. ويقول محللون ومعارضون إنّ شغور الرئاسة مرتبط بشكل رئيسي بعدم قبول حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأقوى، بعملية اقتراع توصل مرشحا من خارج دائرة تأثيره الى الرئاسة، وسعيه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون.

وقال النائب غسان حاصباني من حزب القوات اللبنانية الذي يملك إحدى أكبر الكتل البرلمانية، لفرانس برس إنه مع إصدار عون للمرسوم "بات محتمًا أن الحكومة القائمة لن تعمل إلا في أضيق نطاق لتصريف الأعمال وبات مجلس النواب هيئة ناخبة غير قادر على التشريع إلا بعد انتخاب رئيس".

ويضيف "دخلنا في فراغ في المؤسسات وفي السلطة التنفيذية، وشللًا في السلطة التشريعية"، بينما يتطلب الوضع الاقتصادي الحرج إصلاحات تقرها الحكومة ويشرعها البرلمان تمهيدًا لتوقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

ووصل عون بعد ظهر الأحد إلى مقر إقامته الجديد في منطقة الرابية، شمال شرق بيروت.

ومنذ صباح الأحد، تجمّع مناصرو عون تدريجيًا في محيط القصر الرئاسي، بعدما أمضى العشرات ليلتهم في المكان، وفق مصوري فرانس برس. وحمل بعضهم رايات التيار البرتقالية وأعلامًا لبنانية وصورًا لعون من مختلف محطات مسيرته العسكرية والسياسية.

وقالت جومانا ناهض وهي مدرّسة لفرانس برس "جئنا لنرافق الرئيس في آخر لحظات العهد، ولنقول له نحن معك وسنواصل النضال معك وأينما تكون يكون الوطن".

وبعد تسوية سياسية أوصلته الى الرئاسة عام 2016، تعهّد عون تحقيق نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي واستئصال الفساد. لكنها وعود لم تتحقّق.

واتسّم النصف الثاني من عهده بشلل سياسي وانهيار اقتصادي متسارع وتظاهرات غير مسبوقة في اكتوبر 2019 استمرت أشهرا، ثم انفجار مروّع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، ضاعف النقمة الشعبية على أداء الطبقة السياسية.

وإن كان فقد جزءًا كبيرًا من شعبيته خصوصًا على الساحة المسيحية، إلا أن عون لا يزال في عيون محازبيه وأنصاره "قائدًا شجاعًا نظيف الكف" وزعيمًا من خارج سرب العائلات السياسية التقليدية والإقطاعية في بلد ذي تركيبة طائفية بامتياز.

وقال نبيل رحباني (59 عامًا)، بعدما أمضى ليلته في محيط القصر "بين 1989 و1990، أمضينا الوقت قرب الرئيس قبل أن يقتلعه الطيران السوري من بعبدا، واليوم جئنا نجدد عهدنا له".

وشكل قصر بعبدا العام 1989 مقصدًا للآلاف من مناصري عون الذي تولى حينها حكومة عسكرية ورفض تسليم السلطة الى رئيس منتخب. 

وفي 1990، تم إخراجه من بعبدا إثر عملية عسكرية قادها الجيش السوري، ولجأ الى السفارة الفرنسية، ثم الى فرنسا حيث أمضى 15 عامًا في المنفى وأسّس تياره السياسي.