الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

الطريق إلى الجحيم.. إدلب والرقة فى انتظار المعركة الأخيرة

الرئيس نيوز

كانت القنوات الإخبارية تبث مشاهد مصورة لأكثر من ٣٢ أتوبيسًا فى حمص تنقل مسلحين استعدادًا للتحرك إلى إدلب فى شمال سوريا، ضمن اتفاق ترعاه روسيا ويقضى بخروج المسلحين غير الراغبين فى التسوية مع الدولة، رفقة عائلاتهم إلى المنطقة التى أضحت مكبًا للفصائل المسلحة المهزومة على اختلاف أيديولوجيتها. كان ذلك بالتزامن أيضًا مع تنفيذ اتفاق مماثل فى ريفى حمص الشمالى وحماة الجنوبى، ويقضى بإخراج جميع المسلحين غير الراغبين بالتسوية مع عائلاتهم إلى إدلب بعد تسليم السلاح الثقيل. واستعرض التقرير التليفزيونى خروج مسلحى جبهة النصرة، والأسلحة الثقيلة التى سلمت من بينها ٦ دبابات و٣ حاملات جنود مدرعة وقذائف «هاون».
 زيارتى إلى الغوطة الشرقية جاءت بالتوازى مع خروج مسلحى جيش الإسلام وفيلق الرحمن، إلى نفس الوجهة السابقة، ونزوح الأهالى عبر الممرات الآمنة واستقبالهم فى ملاجئ للإيواء.
إدلب.. فى انتظار معركة الحسم لتخليصها من 40 ألف مسلح 
مخطط الزيارة كان يقضى بالتوجه إلى حمص بعد الإخلاء من المسلحين، ولكن بعد زيارة دوما كانت كل قصص دول الإرهاب واحدة، المزيد من القهر والجوع والتعذيب والتشدد، المزيد من قصص الوجع والحرمان واليتم والتشرد للأطفال. 
مثّل الوصول لإدلب مغامرة أكثر إغراء، هاتفت أحد الصحفيين السوريين من أصدقائى، قال إن الأمر مستحيل، إن الدخول لإدلب ومنطقة الباب التى تسيطر عليها القوات التركية، أمر فى غاية الخطورة. 
استفاض فى الشرح أن الأمر أكثر تعقيدًا مما أظن، فالجانب السورى لن يسمح بالوصول إلى تلك النقطة لأنها أكبر مركز تجمع للفصائل المسلحة التى قضت سبع سنوات كاملة تحمل السلاح فى وجهه، ومن ناحية أخرى لا بد من التنسيق مع الجانب التركى المتحكم فى معابر المرور إلى إدلب. الوصول للشمال السورى هو الوصول إلى الجحيم ذاته، فهو نقطة تجمع الفصائل المسلحة والمتطرفة، على رأسها الجيوب الباقية من «داعش». مراسلة زميلة فى قناة عربية قالت لى، إنها حاولت الوصول منذ أسابيع، وألقى القبض عليها من قبل قوات الجيش السورى، وإنها خرجت بأعجوبة. وقالت: «ربما يختلف الأمر بالنسبة لصحفية مصرية، خصوصًا مع الموقف المحايد لمصر سياسيًا وإعلاميًا، واتخاذ موقف صريح ضد الجماعات الإرهابية المسلحة»، على أى حال نصائحها كانت محددة: «لا تثقى فى أحد على الإطلاق قد يتم بيعك على الطريق بأقل من١٠٠ دولار، لا تحملى معك نقودًا قد تتسبب فى قتلك، لا بد من التنسيق مع أحد الأطراف داخليًا لحمايتك وتسهيل تنقلاتك». تبعد إدلب عن العاصمة دمشق ٣٠٠ كم، هناك طرق عدة للوصول، الأول الطريق المباشر، الأوتوستراد الدولى، الذى يصل العاصمة دمشق بمدينة حلب، وهو أبرز الطرق العامة التى تقسم وسط سوريا، وتمر بحمص وحماة وإدلب، وصولًا لحلب، وهو الطريق الذى افتتح منذ أسابيع قليلة. 
الطريق الثانى، هو مجموعة طرق فرعية للوصول إلى حلب شمالًا، منها خط إثريا- خناصر، وهو طريق آخر تم تأمينه بعد هزيمة وانسحاب تنظيم داعش. وطريق قلعة المضيق لريف حماة الشمالى، وهو الطريق المعتمد كأحد المعابر للنازحين، وكذلك اعتمدته المنظمات الدولية كنقطة عبور للقوافل الإنسانية التى تحمل المواد الغذائية والطبية، وتنقل الجرحى. قال الصديق، إن الأمر لن يكون ممهدًا على الإطلاق، خاصة مع انتشار عشرات الحواجز العسكرية التابعة للجيش السورى، قبل الخروج من منطقة نفوذ الجيش والدخول فى منطقة نفوذ المسلحين، وما أقاموه من حواجز تابعة لهم، والتى تسيطر عليها جبهة النصرة. وأكد وجود أكثر من ٤٠ حاجزًا، بداية من حاجز القطيفة، وحاجز القصير بين حمص وحماة، مرورًا بحاجز السلمية، ولن يكون المرور من الحواجز سهلًا، بخلاف أنه يكلف ما لا يقل عن ١٦٠٠ دولار. 
وتنتشر أكثر من ١٠ نقاط مراقبة للجيش التركى على الطريق لإدلب ومحيطها وريف حلب المجاور، ضمن اتفاق خفض التصعيد، الذى اتفق عليه فى أستانا برعاية تركيا وروسيا وإيران.
أوضاع مأساوية للنازحين
 أبوأحمد، أحد النازحين إلى الشمال، قال لنا فى تسجيل: «لنا خمسة أيام على مشارف منطقة الباب، فى منطقة تسمى السفيرة، لم تسمح بعد القوات التركية بدخولنا إلى جرابلس، مرميين فى مناطق صحراوية، وهناك البعض نصب خيمًا، فى المنطقة بين قوات الجيش السورى والقوات التركية، نخاف دخول إدلب، يفرمونا المسلحين فى الداخل، نقول ندخل جرابلس، الأتراك ما يسمحولنا نفوت، نحن هون لا معلقون وما مطلقون، أوضاع مأساوية، لا توجد أى خدمات، لا حمامات، الله لا يوفقنا فى هذا القرار، لا يوجد أكل ولا يوجد أى شىء، وأديلنا أربع أيام نعيش على المعلبات، والبعض يرغب فى التراجع عن موقفه، والعودة إلى دمشق لتسوية الأوضاع مع الدولة السورية، الأوضاع هنا لا تحتمل». 

خطورة إدلب تكمن فى أنها وجهة الحرب المقبلة فى سوريا لا محالة، تنذر بمعركة حامية الوطيس، هناك يقبع أكثر من ١٠ آلاف مسلح بخلاف العائلات النازحة. وبدأت بالفعل حالة من الاقتتال الداخلى بين الفصائل المسلحة، نظرًا للتباين الشديد بينها، والتى سبق أن خاضت معارك ضد بعضها البعض على مدار السبع سنوات الماضية فى طول سوريا وعرضها، وتختلف قوة البعض عن البعض الآخر كما تختلف مصادر دعمها من الأطراف الدولية المختلفة. من ناحية أخرى هناك اقتتال بين فصائل تعمل تحت لواء واحد مثل الجيش الحر، ومن ناحية ثالثة فإن توقعات بشن الجيش السورى وحليفه الروسى عملية عسكرية على إدلب عقب الانتهاء من تفريغ المحافظات وريفها منهم، وحصرهم فى إدلب، بات أمرًا وشيكًا.
عشرات الفصائل المسلحة تحكم إدلب.. واقتتال داخلى بينها خريطة الفصائل والقوى داخل إدلب خريطة فى غاية التعقيد، آخر الفصائل المسلحة التى وصلت إلى الشمال السورى، هى «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» بعد إجلائهما من منطقة الغوطة الشرقية التى شهدت جولات قتال بينهما، والآن هما فى إدلب وجهًا لوجه، أكثر من ١٨ ألف شخص، بعد رفض طلب «جيش الإسلام» التوجه لمنطقة القلمون بدلًا من إدلب.

 كما وصل مسلحو «جبهة النصرة» الذين أُخرجوا من منطقة مخيم اليرموك جنوب دمشق ٢٠٠ مسلح مع ذويهم، فى إطار تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق إخراج المسلحين من المخيم، وهو الفصيل الأكثر نفوذًا وسيطرة فى إدلب. وتترقب إدلب ولادة تشكيل عسكرى جديد من فصائل الجيش الحر، بدعم رئيسى من تركيا، وفق المباحثات الأخيرة التى عقدتها مع قيادات تلك الفصائل فى أستانا، التشكيل الجديد الذى تدعمه تركيا سيضم فصائل فيلق الشام، وجيش الأحرار، وصقور الشام، وجيش إدلب الحر، وجيش العزة، وجيش النصر، والفرقة الساحلية الأولى.
 فصيل «فيلق الشام» يبلغ تعداده ٨ آلاف مقاتل، ويتبع بشكل جزئى الجيش الحر، وهو عبارة عن اتحاد ١٩ فصيلة إسلامية، وجيش المجاهدين، ويبلغ عدده التقريبى ألف مقاتل، وفصيل «صقور الشام» ويتراوح عدد مقاتليه ٦ آلاف مقاتل، وهو مجموعة فصائل محدودة العدد توحدت فيما يعرف بجيش النصر. 

التشكيل العسكرى المزمع تشكيله برعاية تركية، استثنى من بين مكوناته جبهة النصرة، وتصنفها روسيا والولايات المتحدة وقوات التحالف منظمة إرهابية، وهو ما اعتبرته النصرة تآمرًا عليها من باقى الفصائل المسلحة الموجودة على الأرض فى إدلب، ووصفته بأنه «حرب إبعاد»، قبل أن تقرر شن الحرب على جميع الفصائل الأخرى. فى المقابل اشتعلت حرب الاغتيالات والتفجيرات التى طالت عددًا من قيادات الفصائل المسلحة، أغلبهم من النصرة، دون تحديد للجهة المسئولة عنها.
الرقة.. عاصمة «داعش» تحت حماية أمريكية- كردية

 الرقة، المدينة التى ظلت لأشهر على مدار سنوات الأزمة السورية السبع، بوصفها عاصمة تنظيم داعش، وبنى فيها دولته الإسلامية المزعومة، ضمت بين أرجائها قيادات التنظيم متعدد الجنسيات، شهدت فظائع لن تفارق مخيلة سكانها طوال عمرهم. الرقة هى الوجهة الثانية التى يستحيل دخولها من الجانب السورى، على الرغم من هزيمة تنظيم داعش فى معقله، ووقعوها تحت سيطرة ما يعرف «بقوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهى قوات كردية مدعومة أمريكيًا ومن قوات التحالف. وتقدر قوات «قسد» بعشرات الآلاف، وتحصر حربها ضد داعش، وتسعى بشكل أساسى إلى إقامة فيدرالية كردية. وتحظى بدعم ورعاية وتسليح أمريكى مباشر، وحققت نتائج مهمة منذ معركة كوبانى الشهيرة ضد داعش، وهو رأس حربة فى طرد داعش من الرقة. إلا أن تركيا تصنف حزب العمال الكردستانى، مؤسس تلك القوات، على أنه كيان إرهابى وتضعه على قوائمها. تظل محاولة الوصول إلى الرقة عبر دمشق، محاولة محفوفة بالمخاطر على الرغم من فتح طريق الرقة- دمشق، يونيو الماضى، وهو الطريق الذى كان يعرف سابقًا باسم طريق الموت نظرًا لخطورته، قليلون هم من خرجوا أحياء بعد عبوره، لانتشار القناصة على جوانبه وقت سيطرة داعش عليه، قبل تحريره. الوضع فيما يخص الرقة لا يقل خطورة عن الوضع فى إدلب، فما زالت المعارك قائمة بين قوات قسد وتنظيم داعش مدعومة بغطاء جوى من الولايات المتحدة. وما زال داعش يسيطر على بعض الجيوب له فى دير الزور وبعض قرى البادية السورية، الأمر الذى يجعل محاولة عبورك إلى الرقة دون تنسيق مسبق هدفًا لكل الأطراف، القوات الكردية والسورية وقوات التحالف وداعش على حد سواء.
أرض ملغومة وسلسلة من الاغتيالات الرقة هى الجحيم الثانى فى سوريا، فما زالت الألغام التى زرعها داعش تملأ الشوارع، تتوارد الأخبار من حين لآخر عن انفجار إحداها فى عنصر من قوات قسد، أو تطال مدنيين، كما يتنشر قناصة داعش فى عدد من المواقع. ٥٠٠ ألف استطاعوا الهرب من المدينة وأقاموا فى خيم للإيواء، بينما بقى ٢٠ ألف مدنى محاصرين كدروع بشرية، ويتم استخدامهم كطعم لاصطياد القوات الكردية. فى المقابل فإن القصف فى الرقة لا يتوقف من قبل الولايات المتحدة فى محاولة للقضاء على كل مكامن داعش. أثناء الزيارة، حرصت على متابعة الأخبار المتواردة من كل الجبهات، لأحدد موطئ قدمى، كان من الغريب وقوع سلسلة من الاغتيالات فى الرقة وقيادات قوات «قسد»، بدأت فى اغتيال القيادى فى صفوف قوات سوريا الديمقراطية «قسد» أحمد كوبانى، الذى عثر عليه مقتولًا داخل سيارته، جراء تعرضه لإطلاق نار من مجهولين. 
وأيضًا عضو المجلس العام فى حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، خالد كوتى، الذى قتل جراء انفجار لغم أرضى فى ناحية عين عيسى بريف مدينة تل أبيض شمال الرقة، والمحامى إبراهيم الطيار الذى قتل مسمومًا. 
وعمر علوش الرئيس المشترك للجنة العلاقات العامة فى مجلس الرقة المدنى فى مدينة تل أبيض، بينما نجا الناطق الرسمى باسم مجلس منبج العسكرى، شرفان درويش، من محاولة اغتيال من مجهولين. لم يكن الوصول إلى الرقة سهلًا من الجانب السورى، الطرق البديلة هى الدخول من الحدود التركية، أو الحدود العراقية، عن طريق الخط الحدودى بين سوريا وتركيا من جهة مدينة تل أبيض عن طريق قرية المنبطح وقنيطرة.