الجمعة 03 مايو 2024 الموافق 24 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تفاصيل جديدة عن الشهداء المصريين المقتولين حرقًا في القدس المحتلة عام 1967

الرئيس نيوز

لا تزال تداعيات الكشف الإسرائيلي عن مصير مجموعة من الجنود المصريين الذين كانوا يتمركزون غربي مدينة القدس المحتلة، وتحديدًا في منطقة اللطرون، على الطريق المؤدي ليافا، تحدث جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة أن صحفيين إسرائيليين هما يوسي ملمان وأخر يدعى آدم راز، قالوا إن الجنود المصريين تم إحراقهم ودفنهم في مقبرة جماعية، من دون تحديد هوية الجنود، أو وضع شاهد على قبرهم، مما يعتبر جريمة جديدة تضاف إلى السجل الدموي لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وفي أول رد فعل مصري رسمي على الأحاديث الصحفية الإسرائيلية، هاتف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الرئيس السيسي، وتم التوافق على قيام السلطات الإسرائيلية بفتح تحقيق كامل وشفاف، حول تلك الأحداث.

كما نشرت الخارجية المصرية، بيانًا على موقع التواصل "فيسبوك"، قالت فيه: "رداً على سؤال بشأن ما تردد في الصحافة الإسرائيلية إتصالاً بوقائع تاريخية حدثت في حرب عام ١٩٦٧، ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ بأنه تم تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بالتواصل مع السلطات الإسرائيلية لتقصي حقيقة ما يتم تداوله إعلامياً، والمطالبة بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة. هذا، وتواصل السفارة المصرية في إسرائيل متابعة هذا الموضوع".



تفاصيل إسرائيلية 

ونشر منذ يومين صحافيان إسرائيليان أخبارا عن وجود مقبرة جماعية داخل الأراضي المحتلة دُفن فيها عشرات الجنود المصريين الذين استشهدوا في عمليات عسكرية في حرب ١٩٦٧. 
الصحافي الأول هو يوسي مِلمان الذي نشر حديثا في صحيفة يديعوت أحرونوت أعقبه بعدة تغريدات بالعبرية والإنجليزية على حسابه في تويتر. في هذه الحديث وفي تلك التغريدات يقول مِلمان إن هناك مقبرة جماعية في منطقة اللطرون (غربي القدس على الطريق المؤدي ليافا) مدفون فيها رفات ما لا يقل عن عشرين جنديا مصريا كانوا يقاتلون في هذه المنطقة أثناء حرب ١٩٦٧.

يشرح ملمان قائلا إن هؤلاء الجنود كانوا ينتمون لكتيبتين من كتائب الصاعقة التي بُعث بهما بعد أن وقع الملك حسين اتفاقية دفاع مشترك مع جمال عبد الناصر في أوائل يونيو ١٩٦٧. وكان هدف هاتين الكتيبتين هو الهجوم على مطار اللد والاستيلاء عليه وعلى قواعد جوية أخري. إلا أن قتالا حاميا دار بين هذه القوات والقوات الإسرائيلية، وفي أثناء القتال اندلعت نيران حامية أدت إلى موت هؤلاء الجنود حرقا. وفي اليوم التالي جاء الجيش الإسرائيلي بجرافة وحفرت حفرة ألقت فيها بجثث الجنود وأهالت عليها التراب. وجرى التعتيم وقتها على هذه العملية، ولم توضع أي علامات على مكان المقبرة ولم تُنصب شواهد قبور عليها. كما فرض الرقيب العسكري السرية التامة على هذه الواقعة لمدة ٥٥ سنة.

أما الصحافي الثاني فهو آدم راز الذي كتب مقالا طويلا في صحيفة هآرتس أضاف فيها معلومات هامة. فيوضح أولا أن منطقة اللطرون التي تمت فيها هذه العملية كانت تقع على خط الهدنة الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، وكانت بالقرب من القرى العربية بيت نوبا ويالو وعمواس التي تم تدميرها وتهجير سكانها أثناء الحرب. 

يضيف أن هذه القوات المصرية كانت تنتمي للكتيبة ٣٣ صاعقة التي كانت قد انضمت لقوات الجيش الأردني عند اندلاع الحرب. وكان قوام هذه الكتيبة حوالي مائة مقاتل. اندلع القتال يوم ٥ يونيو وحارب جنود الصاعقة المصرين ببسالة، لكن الدائرة دارت عليهم يوم ٦ عندما قرر الجيش الإسرائيلي احتلال المنطقة والهجوم عليها، وأثناء قتال ذلك اليوم أطلق الإسرائيليون قذائف مدفعية وأخرى فوسفورية أحرقت الأشجار والأعشاب الجافة في المنطقة، وسرعان ما وجد الجنود أنفسهم داخل أتون الحريق، وسقط منهم في ذاك اليوم عشرون جنديا ماتوا حرقا. القتال استمر يوم ٧ يونيو ووصل عدد الشهداء لثمانين شهيدا. 

تابع آدم: "في يوم ٨ وبعد توقف القتال وانسحاب باقي الكتيبة تناثرت الجثث على الطريق دون أن يكترث أحد بدفنها. وفي يوم ٩ جاءت جرافات الجيش الإسرائيلي ونزحت الجثث وألقت بها في حفرة طولها عشرين مترا. وقبل أن تهيل عليها التراب أقبل أفراد من مستوطنة نحشون القريبة من موقع المعركة وقام أحدهم بنزع ساعة من معصم أحد الشهداء وظل يحملها في معصمه إلى أن مات بعدها بسنين طويلة. وقام مستوطن آخر بأخذ مدفع كلاشينكوف والاحتفاظ به كتذكار. ولم يُبذل أي مجهود للتحقق من هوية الجنود قبل دفنهم، كما لم توضع أي علامات على مكان المقبرة، بل تحولت على مدار السنين والعقود التالية إلى كرمة لوز ثم لحقول قمح ثم لمنتجع سياحي. وطوال هذه السنين فرض الرقيب العسكري السرية التامة على هذه الواقعة".

أرفق راز حديثه بتسجيل فيديو لزئيف بلوخ، أحد القلائل من أعضاء مستوطنة نحشون الذين شهدوا الواقعة والذي ما زال على قيد الحياة. في حديثه يسرد بلوخ ذكرياته عن المعركة ويختم حديثه بالقول إنه يجب إعادة رفات الجنود المصريين لوطنهم ليُدفنوا هناك. 



مقال خالد فهمي

المؤرخ والباحث المصري، الدكتور خالد فهمي، كتب مقالًا مطولًا حاول خلاله تقصي الأحداث، وقال: "بادئ ذي بدء، يجب توضيح أن مهمة هذه القوات لم تكن تندرج تحت أي خطة عامة للهجوم على العدو الإسرائيلي. فصلاح الدين الحديدي (وهو أحد الضباط الأحرار، وكان مسؤولا عن المنطقة المركزية، أي القاهرة، أثناء حرب ٦٧، والذي ترأس المحاكمة العسكرية العليا التي عُرفت بـ"محاكمة الطيران ومسؤوليته عن النكسة") يقول في كتابه الهام، شاهد على حرب ١٩٦٧، "إن مصر اختطت لنفسها استراتيجية دفاعية بحتة تجاه إسرائيل، ولم تفكر في يوم من الأيام أن تعد لعملية هجومية واسعة. فمنذ هدنة ١٩٤٩، لم تتلق هيئة أركان حرب القوات المسلحة تعليمات بتغيير استراتيجيتها الدفاعية، بل كان أقصى ما سُمح به خلال هذه السنوات الطويلة مجرد وضع خطوط عامة لعملية إغارة على بعض الأهداف الإسرائيلية القريبة لتدميرها ثم العودة إلى قواعدنا في النهاية".

يضيف: "ولم يحدث أن تم تنفيذ خطط هذه الإغارات على أهداف لها قيمتها." (ص ١٠٩-١١٠) وبالتالي فتواجد قوات للصاعقة داخل إسرائيل أثناء حرب ٦٧ لم يكن يندرج تحت خطة هجومية شاملة، بل كان مثالا لتلك "الإغارات" المحدودة التي ارتأتها هيئة أركان حرب القوات المسلحة غاية قصوى لها. وقبل التطرق لتفاصيل تلك "الإغارة" قد يكون من المفيد الإشارة لعمليتين هجوميتين غير هذه العملية جرى التفكير فيهما أثناء حرب ٦٧".
أولى هاتين العمليتين هي "الخطة فجر" التي كان مُخطط لها أن تُنفذ يوم ٢٧ مايو ٦٧ وكانت ترمي إلى الهجوم على النقب الجنوبي بهدف عزله عن شمال إسرائيل. وكان من المفترض أن تشترك القوات الجوية، حسب خطة أخرى اسمها "الخطة أسد"، وأن تساعد القوات البرية في هذه الهجوم. إلا أن إسرائيل اشتمت خبرا عن هذه الخطة (غير معروف إن كان ذلك نتيجة طلعات استكشافية جوية أم نتيجة عملية تجسس)، وأثناء زيارة آبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلي، للبنتاجون يوم ٢٦ مايو، أبلغ الأمريكان بهذه المعلومات، والأمريكان بدورهم أبلغوا السوفييت، الذين بدورهم أبلغوا سفيرهم في القاهرة، ديمتري بوييدايف، لكي يقابل عبد الناصر على الفور ويحثه على إيقاف هذه الخطة. وصل السفير السوفييتي لمنزل عبد الناصر فجر يوم ٢٧ مايو وأبلغه رسالة موسكو، وبعد أن نفى عبد الناصر علمه بهذه الخطة استدعى عبد الحكيم عامر وأمره بوأد الخطة فجر. (سبق وأن كتبت عن هذه الخطة في مقالي "الخطة فجر الموءودة في الفجر").

كُتب كثيرا عن هذه الخطة، وذهب بعض المحللين إلى القول إن هذا مثال صارخ من ضمن أمثلة عديدة على تدخل "القيادة السياسية" في العمليات العسكرية، وأنه لولا تدخل عبد الناصر في الخطط العسكرية لتمكنا من القيام بالضربة الأولي، ووقتها كانت الحرب ستأخذ منحي مغايرا تماما. قد يكون هناك قدر كبير من الصحة في هذا الرأي، ولكن بدراسة تفاصيل هذه الخطة (وتلك التفاصيل، بالمناسبة، حصلت إسرائيل عليها وأذاعتها بعد استيلاء جيشها على مطار العريش يوم ٦ يونيو) توصل العميد الركن حسن مصطفى في كتابه "حرب حزيران 1967: أول دراسة عسكرية من وجهة النظر العربية" والمنشور سنة ١٩٧٣، إلى أن هذه الخطة كانت ستبوء بالفشل نظرا لسوء التخطيط لها وعدم كفاية القوات المخصصة لها. ولكن الهام في أمر هذه الخطة أنها لم تكن فقط مغايرة لتوجهات عبد الناصر، كرئيس للدولة وقائدها السياسي، بل خُطط لها دون علمه أو تصديقه عليها.

أما ثاني تلك الخطط الهجومية فكانت خطة الهجوم على بئر سبع عن طريق قوة مظلات، وكان مخططا أن تنفذ كتيبة مظلات بقيادة الرائد مدحت عثمان هذه الخطة يوم ٥ يونيو. ولنترك اللواء (فيما بعد) مدحت عثمان يحكي تفاصيل الخطة وكيف أُجهضت حسب حديثه لموقع "مجموعة ٧٣ مؤرخين" الرائد بتاريخ ١٣ نوفمبر ٢٠١٧:

"رجعت [لمدرسة] الصاعقة في أنشاص [في أوائل يونيو ١٩٦٧] فوجدت المقدم جلال هريدي قائد قوات الصاعقة قد سافر إلى الأردن لتأدية مهام هجومية ضد اسرائيل، وأما أنا فقد أسند إلي مهمة قيادة سريتين مظلات للذهاب للقفز عند بئر سبع، وكنا نتدرب يوميًا على المهام التي سوف ننفذها. وكنا مقسمين كضباط، جزء يذهب للبيات في بيته وجزء يبقى بالموقع. وفي يوم ٤ يونيو كنت ذاهبًا للبيت، قالوا لي عن حفل غنائي في مطار أنشاص وأني مدعو له، ولكني لم أكن أعني بهذه الأمور!

المهم ذهبت إلى بيت والدي في المعادي للبيات، في صباح اليوم التالي ونحن نعد للفطور في مدرسة الصاعقة سمعت صوت ارتطام، فسألت قالوا لي أنه صوت الطائرة السوخوي [السوفييتية]، خرجت لأرى السوخوي التي لم نكن نعرفها بعد!

لم تكن تلك طائرات سوخوي أبدًا، بل كانت الطائرات الإسرائيلية وكانت عليها نجمة داوود كبيرة تسد عين الشمس هي التي تهاجم مطار أنشاص وتضرب الطائرات..."



رجال الصاعقة في اللطرون 

بعد هذه المقدمة نأتي لعملية الصاعقة في منطقة اللطرون في أقصى غرب الضفة الغربية وأمام خط الهدنة الفاصل بين الأردن وإسرائيل. فلنحاول سرد قصة هذه العملية مستعينين بالقدر اليسير من المعلومات المتاحة.

يُمكن لنا أن نبدأ القصة بزيارة الملك حسين المفاجئة للقاهرة في يوم ٣٠ مايو ١٩٦٧ واجتماعه مع جمال عبد الناصر وتوقيعه اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. في هذه الاتفاقية تقرر تعيين الفريق عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الشرقية التي تشمل الحدود الإسرائيلية – الأردنية. كما تقرر أيضا دخول قوات عربية للأردن من مصر والعراق وسوريا والسعودية من أجل تقوية الجبهة الأردنية. وأخيرا تقرر تعزيز سلاح الجو الملكي الأردني صغير الحجم بدعم جوي من مصر والعراق.

وحسب موقع الجيش الأردني، عندما بدأ القتال صباح يوم ٥ يونيو، أصدر عبد المنعم رياض أوامر بأن تقوم كتيبة الصاعقة 33 وكتيبة الصاعقة 53 المصريتان في قطاعي جنين ورام الله بتنفيذ مهامهما مع آخر ضوء وهي تدمير مطارات هرتسليا وعينشمير وكفار وسركين واللد والرملة ومحطات الرادار الموجودة فيها."

ولذا يبدو أن قوات الصاعقة المصرية من الكتيبتين ٣٣ و٥٣ كانت قد وصلتا بالفعل للأردن قبل يوم ٥ يونيو. وهو ما يؤكده اللواء مدحت عثمان في حديثه السابق الإشارة إليه عندما قال إنه عندما وصل لمدرسة الصاعقة يوم ٤ يونيو كان جلال هريدي قد رحل بالفعل للأردن.

وفي مقال له بعنوان "معتدل مارش داخل مستعمرة إسرائيلية" نشره بتاريخ ٣١ مايو ٢٠١٨ في موقع "مجموعة ٧٣ مؤرخين"، يقول أحمد زايد إنه كان هناك أربع دوريات (الدورية قوامها حوالي ٧٥ فردا) من الصاعقة داخل الأردن بحلول يوم ٥ يونيو، وكانت هذه الدوريات تعسكر داخل "معسكرات الجيش الأردني في القدس الشريف تجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة هدفها المطارات الإسرائيلية كما هو مخطط لها مسبقا: نبيل الزفتاوي يهاجم مطار اللد؛ مدحت الريس يهاجم مطار الرملة؛ حسين مختار يهاجم مطار حاتسور." (لم يذكر أحمد زايد اسم قائد الدورية الرابعة أو هدفها).

ويضيف اللواء (لاحقا) عبده أحمد عرفة، أحد أعضاء الكتيبة ٣٣ صاعقة، معلومات هامة هن كيفية وصوله للضفة الغربية، وذلك في حديث لموقع مجموعة ٧٣ مؤرخين بتاريخ ٢ أكتوبر ٢٠١٨: 

"كانت نظرتنا للعدو سببها هو جهل طبيعة العدو بسبب نقص المعلومات. كنا نتصور أننا قادرون على أن نهزم إسرائيل في أي وقت وأن نحرر فلسطين.

....في نهاية شهر مايو عام 67 بدأنا نتحرك إلى منطقة خشم الطرف في سيناء حوالي 20 كيلو من إيلات. لم نكن نعلم أن هناك حرب، وعسكرنا هناك، .... في 2 يونية صدر أمر بتحركنا إلى مطار المليز في وسط سيناء. تحركنا وعند الوصول وجدنا طائرات نقل ركبنا بها، ولم نكن نعرف أي شيء [عن وجهتنا؟] وهبطنا في عمان وصلنا الساعة 2 صباحًا. وفي يوم 3 يونية ذهبنا إلى معسكر في منطقة جنين في الضفة الغربية ونزلت كتيبة أخرى [الكتيبة ٥٣؟] في القدس الشرقية.

رتبنا وجهزنا الأعمال الإدارية في هذا المكان ونظمنا اليوم التدريبي لنا ولم نكن نعلم أن هناك حرب، ولكن كان سبب وجودنا في هذا المكان وهذا ما علمناه وقتها أننا مكلفون بالإغارة على قواعد للعدو. ولكن في صباح 5 يونية، أخذ العدو المبادأة في غارة جوية ضربت المعسكر، ولكنه كان طيرانًا رديئًا جدًا. ... ولم تكن هناك أية خسائر في الأفراد، فجمعنا أنفسنا وذهبنا إلى الهدف. ولكن لم يكن معنا أية خرائط. كان معنا دليل تركنا واختفى ولم يظهر. وكان الجيش الأردني على خطوط الدفاع، ولكنه انسحب من أماكنه. وهذا ما رأيناه عند الذهاب لأهدافنا. وللأسف عند الوصول انسحبنا، كان هناك كمائن من العدو، ولكن الحمد لله نجحنا في الابتعاد عنها. تم أسر 7 أفراد من كتيبة أخرى، وعدنا إلى الحدود الأردنية بعد عناء شديد. في مكان لم نكن نعرف طبيعة أرضه فلم يكن معنا أية خرائط تساعدنا في الوصول، تم نقلنا إلى معسكر في منطقة اسمها الزرقاء وجاء إلينا أحد القادة وطلب منا واحدًا متطوعًا يذهب لإحضار زملائه وتطوعت أنا وجاء معي نقيب رجائي عبد المنعم وبعد التجهيز ذهبنا في عربية جيب وفوجئت أننا بداخل عمان وعندما سألنا علمنا بأننا في طريقنا لتأمين السفارة المصرية والسفير المصري لأنه كانت هناك تهديدات ضدهم وقد تم التأمين."

هنا ينتهي كلام اللواء عبده أحمد عرفة، ومنه يمكن استنتاج بعض العوامل التي قد تشرح سبب هزيمة هذه القوات والنهاية المأساوية التي آلت إليها. فهو يشير إلى سوء التحضير، فالقوة لم تكن على علم بهدفها عندما استقلت الطائرة من سيناء ولم تكن تدري أنها قاصدة الأردن. وهو يشير أيضا إلى غياب الخرائط، وهو الأمر الذي أشار إليه الصحافي الإسرائيلي على أن أهم ما جاء في شهادة اللواء عبده أحمد عرفة هو قوله إن القوات انسحبت بعد وصولها لهدفها: "للأسف عند الوصول انسحبنا." وهو ما نجد له صدى في روايات أخرى عديدة سنتطرق لها لاحقا.

موضوع الأدلاء الأردنيين واختفاؤهم أشار إليه الرائد عبد الله عمر من كتيبة ٥٣ صاعقة في حديثه لموقع "مجموعة ٧٣ مؤرخين" بتاريخ ١٩ يناير ٢٠٢٢. الرائد عبد الله عمر لم يحارب في الأردن، ولكنه يروي عما سمعه من القوات العائدة من هناك. في هذا الحديث يقول: " عند التحاقنا بالصاعقة حضرت الكتيبة القادمة من الأردن، وتم سرد ما حصل معهم في مطار اللد، وعرفنا بعد ذلك أن الأدلة (دليل الصحراء) من الأردنيين والفلسطينيين قاموا بالتأخير لإيصال الكتيبة المصرية، إذ تم إيصال المصريين قبل الحرب بيوم. كانت حرب ٦٧ تتغير نتائجها [لو تم تجهيز هذه القوات جيدا؟]، وفي صباح اليوم التالي حضر العدو اليهودي قبلهم مما أدي إلى النكسة."

على أن أوضح شهادة لما حدث مع كتيبتي الصاعقة ٣٣ و٥٣ المتواجدتين في منطقة اللطرون، بل داخل إسرائيل وأمام قواعدها الجوية هي تلك التي يدلي بها أحمد زايد في مقاله المنشور على موقع "مجموعة ٧٣ مؤرخين" السابق الإشارة إليه. في هذا المقال يقول أحمد زايد:

"وصلت قوات الصاعقة الي المطارات داخل إسرائيل بدون أن يحس بها أحد، وتمركزت حول المطارات انتظارا للأوامر بتدمير تلك المطارات الرئيسية. وهنا تأتي المفاجأة الصادمة – إشارة عاجلة علي راديو صوت العرب بصوت المذيع أحمد سعيد: "جلال وحلمي عودوا الي مواقعكم"، وهنا يقصد المقدم جلال الهريدي والمقدم أحمد حلمي، قادة قوات الصاعقة في الأردن. وسمع تلك الإشارة عبر الراديو جنودنا المنسحبين [كذا] في سيناء، فظن البعض أنها إشارة شفرية لاسم خط الدفاع الثاني للدفاع عن ما تبقي من سيناء، وبدأوا بالبحث عن خط جلال وحلمي المذعوم [كذا]، ولكنهم لم يدركوا أنها كانت موجهة إلى جنودنا في الأردن. 

وبدأت قوات الصاعقة تنسحب وسط سخط وغضب الجنود والضباط، فالطيران الإسرائيلي بأكمله تحت أيديهم للفتك به على الأرض، قنبلة واحدة كفيلة بتدمير 3 أو 4 طائرات دفعة واحدة أمام أعينهم، لكن الأوامر واضحة وصارمة ومكررة طوال ليلة 5 يونيو وصباح يوم 6 يونيو: "جلال وحلمي عودوا إلى مواقعكم"، وعادت الدوريات في اتجاه القدس صاغرة للأوامر، اشتبكت بعض الدوريات مع قوات إسرائيلية وكبدتهم خسائر فعنصر المفاجأة في يد قواتنا والمباغتة في صالحنا ودرات معارك طاحنة داخل إسرائيل وكان التفوق لقوات الصاعقة واضحا، …

وتعود قوات الصاعقة إلى القدس إلى نفس معسكرات الجيش الاردني التي انطلقت منه لتجد المعسكرات مهجورة: الطعام على النار، السلاح متروك، الخيام مبعثرة على الأرض، ولا أحد موجود، فقد انسحب الجيش الأردني من القدس. وانصياعا للأوامر تتحرك القوات من القدس لحماية العاصمة الأردنية عمان وبعد فترة إلى سوريا ومنها إلى لبنان وبالبواخر إلى مصر ...."