الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

عبدالرحيم كمال.. سيرة ومسيرة عن رائد دراما العصر

الرئيس نيوز

لم يكن مفاجئا مدى النجاح الذي حققه مسلسل "جزيرة غمام" خلال موسم دراما رمضان، خاصة أن كاتب العمل المؤلف البديع عبدالرحيم كمال ليس مجرد سيناريست شاطر، أو مؤلف موهوب فقط، بل تخطي عبدالرحيم كمال هذه التوصيفات بمراحل عدة، فهو أديب وروائي وقاص يمتلك موهبة استثنائية في الكتابة، منحته خصوصية كبيرة ومساحة بعيدة تماما عن كل الكتاب والمؤلفين الحاليين.


لا نبالغ حينما نؤكد أن المبدع عبدالرحيم كمال، قد أرسى مدرسة خاصة باسمه في عالم الدراما، تعيد إلى أذهاننا روائع الدراما المصرية بعصرها الذهبي، والتي كتبها مبدعينا الراحلين أمثال أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوي، وغيرهم ممن قدموا الدراما الإجتماعية في اطار واقعي لا يخلو من الخيال الراقي الذي يحمل رسائل عميقة غير مباشرة، ولكن يبقى تأثيرها في المجتمع لسنوات طويلة، ويمكننا أن نصف عبدالرحيم الرحيم كمال بـ"ملك الدراما الصعيدية"، لما قدمه من أعمال مميزة جدا وناجحة عن صعيد مصر في أزمنة وحقب تاريخية مختلفة، تكشف مدى فهمه لواقع الصعيد المصري، ومدى المامه بتاريخ صعيد مصر، ومعرفته بحاضره والتغيرات التي طرأت عليه.


خلال هذا التقرير يرصد "الرئيس نيوز" كافة أعمال عبدالرحيم كمال الدرامية، والتي تدور بين الواقع والخيال، وهي الجملة الرئيسية التي اختار عبدالرحيم أن تكتب على حلقات مسلسله الأخير "جزيرة غمام"، اذ يضع شعارا للعمل هو (واقع يكتبه الخيال).
من عالم الـ"ست كوم" إلى دراما الصعيد المعاصر .. النقلة الأولى في دراما عبدالرحيم كمال
بدأ عبدالرحيم كمال مسيرته بجزأين من السيت كوم "شباب أونلاين" عامي 2002 و 2003، ثم غاب عدة سنوات ليعود مجددا برائعة من روائع دراما الصعيد في مسلسل "الرحايا" مع النجم الراحل نور الشريف، وذلك عام 2009، ويروي عبدالرحيم في احدى لقائاته التليفزيونية أنه كان قد التى بالأستاذ نور الشريف عام 1996 وتم الاتفاق بينهما على تقديم مسلسل بعنوان "مداح القمر" يحكي عن قصة روميو وجوليت، ولكن لظروف ما توقف المشروع، وبعد مرور 13 عاما عرض مسلسل "الرحايا - حجر القلوب" على الفنان الراحل فأعجبته الفكرة ووافق على تنفيذها، لتبدأ النواة الأولى في مشروع عبدالرحيم كمال وتتوالى أعماله الدرامية التي تحمل طابع خاص وطبيعة تجمع بين الواقع والخيال.

نجاح مسلسل "الرحايا" فاق كل التوقعات آنذاك، خاصة أنه قدم الصعيد في شكل مختلف تماما عما كانت تقدمه الدراما من قبل، اذ نقل عبدالرحيم كمال حالة التطور والتمدن التي حدثت في الصعيد، بل أنه كان أول عمل دراما صعيدية يتجنب تماما الثأر والفتنة الطائفية والتطرف، وينقل الواقع الجديد للصعيد المعاصر دون مبالغة أو تهويل.


يروي عبدالرحيم كمال أنه كتب أول 12 حلقة من "الرحايا" في وقت قياسي، مشيرا أنه فوجئ بمكالمة من الفنان الراحل نور الشريف يطلب منه مسلسل عن رجل صعيدي في أقرب وقت، فأبلغه أن المسلسل جاهز بالفعل، في حين أنه كان مجرد فكرة فقط نابعه من واقع لقصة حقيقية حدثت في الصعيد، مع ادخال بعض التعديلات عليها، وبعد نجاح المسلسل قال له نور الشريف (أنا وافقت على المسلسل بقلبي ومكنتش متوقع النجاح ده كله).
أول من قدم دراما الحقب التاريخية عن صعيد مصر 
بعد نجاح مسلسل "الرحايا" انتقل عبدالرحيم كمال لمرحلة إبداعية جديدة ونقل واقع ممزوج بالخيال لصعيد مصر في حقبة تاريخية هامة لم تلقي الدراما الضوء عليها من قبل، اذ قدم عام 2010 مسلسل "شيخ العرب همام" مع النجم يحيي الفخراني، وهو العمل الذي اثار جدلا واسعا ونجاحا كبيرا، إذ أحدث العمل ضجة أنذاك، لجرأته فيما تناوله عن حياة (أخر ملوك الصعيد)، وتناول المسلسل أحداثا مر عليها ما يقرب من 235 عامًا، تكشف عن شخصيَّة همام بن يوسف الهواري، وهو رجل صعيدي من فرشوط في محافظة قنا، امتلك أراضي من محافظة المنيا إلى أسوان، وحكم المنطقة كلَّها، حتَّى القضايا الجنائيَّة بالمجالس العرفيَّة، وكان ذلك في أواخر العصر العثماني، ولقب بآخر ملوك الصعيد.

ويروي عبدالرحيم كمال أن قصة شيخ العرب همام هي قصة واقعية عن رجل استقل بجنوب الصعيد، ولكن لم تتوفر معلومات كثيرة عنها، وكانت التفاصيل قليلة ونادرة جدا، وهو ما جعله يضيف أحداثا وشخصيات من وحي خياله كمؤلف حتى يكتمل العمل.
بداية ظهور النزعة الصوفية في أعمال عبدالرحيم كمال 
في عام 2012 قدم عبدالرحيم كمال مسلسل "الخواجة عبدالقادر" الذي قام ببطولته أيضا النجم يحيي الفخراني، وبهذا العمل انتقل الروائي المبدع لمرحلة جديدة في دراما الحقبة التاريخية، إذ ظهر في ملامح هذا العمل تحديدا مدى تأثره بالصوفيه، ودارت أحداث المسلسل بالتناوب بين فترتين من الزمن، الأولى خلال الحرب العالمية الثانية والتي تتناول قصة (هربرت دوبرفيلد) العجوز السكير الذي لديه نزعة انتحارية ولا يرى طائلاً من استمراره في الحياة وينتظر الموت، إلى أن يسافر إلى السودان ليعمل في مقلع للحجارة، وتتغير وجهة نظره حيال الحياة، بعد أن يتعرف على الشيخ عبد القادر، ويخرج رويداً من حالة الاكتئاب التي كانت تلازمه، ومن ثم ينتقل لصعيد مصر ويقع في حب فتاة صعيدية ويكافح حتى يتمكن من الزواج منها رغم رفض أخيها، والفترة الثانية تتناول السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وفيها تسرد قصة (هربرت دوبرفيلد) أو (الخواجة عبد القادر) بعد اعتناقه للدين الإسلامي، وما عاناه في تلك المرحلة من صعوبات.

يروي عبدالرحيم كمال أن النزعه الصوفية التي تفرض نفسها على أعماله تنبع من نشأته، إذ قال في احدى حواراته الصحفية : "نشأت في بيئة صوفية متأثرًا بأبي الذي كان شاعرا وصوفيا وأمي كانت تحفظ السيرة الهلالية وآلاف الحكايات وقريتي بين الجبل والنيل نسأل بيت ذكر المنشدين وأبيات ابن الفارض وأذكار الشاذلية وأبي وسط أصدقائه ينشدون، ورائحة المسك تفوح منهم وأصواتهم تتصاعد في كريشندو عجيب، بعدها يحدث سكون وتعم البركة وأشعر بالفعل بوجود الملائكة".
دمج الرواية العالمية بواقع الصعيد المصري 
قدم عبدالرحيم كمال عام 2014 مسلسل "دهشة" أيضا مع النجم يحيي الفخراني، ويعد هذا العمل تحولا جديدا في دراما عبدالرحيم كمال إذ تمكن من اقتباس مسرحية ورواية  "الملك لير" العالمية للروائي العالمي ويليام شكسبير، وقام بتمصيرها في اطار يتناسب مع الأسرة المصرية وقضاياها وهمومها ومشكلاتها، وتدور الأحداث بداية من عام 1930 وتمتد لتنتهي قبل نهاية نفس العام.

بالفعل نجح عبدالرحيم بمسلسل "دهشة" في إعادة صياغة نصوص المسرحية الأصلية لتناسب المنطقة التي يتم تصوير المسلسل، إذ تم تصوير أحداث المسلسل ومشاهدة في الجنوب المصري في إحدى قرى الصعيد، وتم استخدام اللهجة الصعيدية في تمثيل المسلسل، ورصد المسلسل قصة رجل ثري (يحيي الفخراني) لدية ثلاث بنات، يقرر هذا الرجل توزيع تركته على بناته وهو حي يرزق، تتعقد حياة هذا الوالد حين يكتشف أنه ارتكب خطأ جسيمًا، تبدأ بنات هذا الرجل في معاملته بجحود، لتستقل كل واحدة منهن بميراثها تاركة خلفها والدها، وتكشف الأحداث النقاب عن بعض المشاكل التي يعيش فيها المجتمع من فساد وجشع بالإضافة إلى عقوق الوالدين والجحود.
ويقول عبدالرحيم كمال عن دهشة" أنه دراما صعيدية، لكنه يختلف عما قدمه من قبل، لأنه يحوي مجموعة من القصص الاجتماعية والإنسانية المليئة بالمشكلات والأزمات، والتي يبحث الأبطال خلال رحلتهم عن حل لها، ويكمل : "كما أضفت إلى الأحداث الجانب الرومانسي وقصص الحب، والتي ستضيف للأحداث بعدًا آخر". 

مسلسلين في مواسم واحد

2016 .. ونوس "شيطان مصري دمه خفيف" و يونس ولد فضة "صعيدي فكاهي مثقف"
لدى عبدالرحيم كمال "ملكة" الكتابة السريعة، يصحبها خبرات سابقة، وثقافة نابعه من قراءة واطلاع، وقدرة على البحث، ، ليقدم في اوقات قياسية عدة أعمال، فهو واحد من القلائل الذين تميزوا بالقدرة على كتابة وتقديم عمليين دراميين في موسم درامي واحد، حدث ذلك عام 2016 عندما قدم مسلسلين مختلفين، يحمل كلا منهم طابع خاص وفكرة مميزة، اذ قدم مسلسل "يونس ولد فضة" مع النجم عمرو سعد، ومسلسل "ونوس" مع النجم يحيي الفخراني في رابع تعاون يجمعهما معا، وهو دلالة بالغة على ثقة الفخراني في عبدالرحيم كمال.

عن مسلسل "ونوس" قال عبد الرحيم كمال في تصريحات سابقة أن الشخصية التي حمل اسمها المسلسل تتناول "الشيطان المصري خفيف الدم"، وحينما ربط البعض فكرة المسلسل في تجسيد الشيطان بعدة أفكار عالمية وحتى عربية قدمت من قبل، وأشهرها "فاوست" لجوته، رد الكاتب كان قاطعا بالنفي، واكد ان الفكرة مغايرة تماما وتختلف عن "فاوست" وما شابهه من أعمال فنية قدمت تجسيد للشيطان، وقال : "الشيطان موجود في التراث الإنساني كله، وموجود في الأديان السماوية، والصعب في الأمر كان أن الشخصية ليست من لحم وده ولكنها نابعه بتصور كامل من الخيال، ولذلك استغرق الأمر سنة ونصف في الكتابة، وكتبت ثلاث معالجات مختلفة حتى اخرج بتصور نهائي لشيطان مصري دمه خفيف ويتناسب مع حياتنا ويشبهنا، وهذا ابسط دليل على اختلاف الفكرة عن "فاوست" واي تجارب سابقة".

وفي نفس العام قدم عبدالرحيم كمال مسلسل "يونس ولد فضة" الذي تناول شخصية شاب صعيدي مثقف مطلع متحضر صاحب روح فكاهية كبيرة، ودارت الأحداث في اطار اجتماعي صعيدي "شبه كوميدي" يحمل رسائل كثيرة وأحداثا مشوقة مليئة بالحكايات الانسانية النابعة من وحي خيال الكاتب.
حقق المسلسلين عام 2016 نجاح منقطع النظير، ولكن فجأة غاب عبدالرحيم كمال عن الدراما التليفزيونية لمدة عامين - 2017 و 2018- بدون أسباب معلومة.

لا تخلو أعماله من التناول السياسي كما ظهر في "اهو ده اللي صار" و "زلزال" عام 2019 
عاد مجددا بأحلام جديدة من أحلامه، وأخرج من جرابه عملين درامييا عام 2019، احدهما أشبه بالدراما الروائية، وهو مسلسل "اهو ده اللي صار"، والثاني مسلسل "زلزال"، وحققا ايضا نجاح كبير، والأهم أنه تمكن من وضع محمد رمضان في اطار جديد تماما ومختلف عما كان يقدمه في السابق من خلال مسلسل "زلزال" والذي دارت أحداثه في اطار اجتماعي واقعي ممزوج بالخيال وتناول أحداث زلزال 1992.

اما مسلسل "اهو ده اللي صار" فقدم نموذجا دراميا جديدا إذ دارت أحداثه من عام 1918 وحتى 2018، وتناول الكثير من الأحداث السياسية أبرزها ثورة 1919.

نجاح كبير في 2021 وتكريم رئاسي
وفي عام 2021 قدم مسلسلين بطابع مختلف أولهما كان "نجيب زاهي زركش" مع النجم يحيي الفخراني في خامس تعاون بينهما، ولكن لم يحقق المسلسل النجاح الكبير، بل وتعرض لانتقادات لاذعه.

 والثاني مسلسل "القاهرة كابول" ويعد النقلة النوعية الأهم في مسيرة عبدالرحيم كمال، اذ قدم ملحمة درامية تمزج الواقع والخيال، وتلقي الضوء على أبرز بؤرة إرهابية في المنطقة العربية، وكيفية صناعة الإرهاب والتطرف، وحقق العمل نجاح كبير حتى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي اشاد به وكرمه على العمل، لما قدمه من تناول توعوي يحمل قدر كبير من الاطلاع والثقافة.

2022 ملحمة "جزيرة غمام" دراما بروح المتصوف المثقف 
خلال هذا الموسم قدم عبدالرحيم كمال ملحمة درامية فاقت كل التوقعات من خلال مسلسل "جزيرة غمام" الذي لاقى نجاح كبير لم يضاهيه عملا أخر، اذ قدم تجربة تشريحيه كاملة لكل الطبائع البشرية والنماذج المختلفة التي ترسخ في ذهن الجمهور لسنوات وسنوات، واستغل في هذه التجربة الدرامي قدراته كروائي وامكانياته كقاص ورؤيته كأديب، ليخرج لنا سيناريو وحوار ابداعي متكامل الأركان.