الخميس 09 مايو 2024 الموافق 01 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"الغاز الطبيعي".. ضحية جديدة للحرب الروسية الأوكرانية

الرئيس نيوز

يتجه الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، وفي ظل استمرار القتال بين روسيا وأوكرانيا، فإنه من غير المرجح أن تشبع حالة الطلب المتزايد، وسط توقعات بتأثر الامدادات بشكل كبير.

وسجلت أسواق الغاز الطبيعي منذ العام الماضي أسعاراً قياسية بسبب مزيج من العوامل الجيوسياسية المتقلبة والطقس القاسي وخطط الانتقال للطاقة النظيفة التي تواجهها العقبات. ومع بداية العام الجاري تلوح في الأفق أزمات أخرى، بينها الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن صراع أخر محتمل بين الجزائر (مورد رئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا) والمغرب، يصاحب ذلك انخفاض الاستثمارات في عمليات التنقيب الجديدة وتطوير البنية التحتية الرئيسية، ما يترك الباب مفتوحًا لعام آخر متقلب سمته الرئيسية نقص الغاز الطبيعي واضطراب العرض وارتفاع الأسعار.

ونصحت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية صانعي السياسات الاقتصادية والشركات بضرورة ربط "أحزمة الأمان" فور ركوب "عربة الغاز الطبيعي الطائشة". فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي منتج ومصدر رئيسي للغاز الطبيعي، إلا أن ارتفاع أسعار يظهر في فواتير التدفئة، والتي جعلت وضع التضخم يسوء أكثر فأكثر، فبلغ 7.5 في المائة في يناير، وهو أعلى مستوى في أربعين عاما.

ويحتل الغاز الطبيعي مكانة مركزية على خريطة الطاقة العالمية فهو مصدر وقود انتقالي رئيسي للعديد من البلدان؛ كونه أنظف من الفحم والنفط ويساعد في التحول إلى الطاقة الخضراء كما هو الحال، كما يعد جزءًا أساسيًا من صورة الطاقة الأمريكية، حيث يوفر ما يزيد قليلاً عن 40 في المائة من الوقود لتوليد إمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة، متقدمًا على الفحم والنفط والطاقة النووية والبدائل الأخرى وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

عالميا، يمثل الغاز الطبيعي ربع مصادر توليد الكهرباء في العالم، والذي يذهب إلى إنتاج الطاقة للتدفئة المنزلية والتصنيع والإضاءة البلدية للشوارع والمرافق وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن "قابليته للتخزين، وقدرته على التسليم عبر خطوط الأنابيب، أو تسييله وإرساله بواسطة السفن، فضلاً عن قدرة محطات الطاقة التي تعمل بالغاز على التشغيل والإيقاف بسرعة، تسمح للغاز الطبيعي بالاستجابة لكل من المواسم وتقلبات الطلب على المدى القصير ولتوفير دعم للاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة المتغيرة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية".
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية فإن نمو تجارة الغاز، بالإضافة إلى التحول من العقود طويلة الأجل إلى التسعير الفوري في العديد من الأسواق،  أدى إلى زيادة الترابط بين الأسواق وبالتالي فإن وقوع صدمات الطلب أو العرض في منطقة واحدة لها الآن آثار عالمية، على أسعار الغاز والكهرباء" وبالتالي فإن أي تطورات في أحد الأسواق يتم الشعور بها بسرعة في الأسواق الأخرى.

ويتم إنشاء سوق الغاز الطبيعي العالمي حول مجموعة أساسية من المنتجين ومصدري الغاز الطبيعي المسال ومستخدمي الطاقة الجائعين، وبالتحديد أوروبا وآسيا.

ونظرًا لكون الصين والهند مستوردين صافين للغاز الطبيعي، فإن أزمة متوقعة في آسيا باتت تلوح في الأفق، علما بأن أكبر ثلاثة مستوردين في العالم هم ألمانيا واليابان والصين.

وانخفضت أسعار الغاز في عام 2020 (إلى أدنى مستوياتها التاريخية) بسبب مجموعة من العوامل، بينها جائحة "كورونا"، واضطرابات سلسلة التوريد، وزيادة الترابط بين أسواق الغاز الطبيعي، وعلامات تقلب أسعار الطاقة أثناء انتقال الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لكن ذلك تغير عام 2021 بسبب الانتعاش القوي في الطلب. ومع اندفاع الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، أدى تجدد الطلب إلى توتر أسواق الوقود الأحفوري للنفط والغاز، وحتى الفحم. كما أشارت دراسة أجراها معهد بروكينغز عام 2021، "ترتفع الأسعار بشكل كبير حيث يلاحق الطلب إمدادات الوقود التي لم تتعافى بعد من الانخفاض الوبائي".

وفي عام 2022، تضيف التوترات الجيوسياسية ضغوطًا على أسواق الغاز الطبيعي ونقطة الضغط المركزية هي تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا الذي إذا استمر من شأنه أن يعطل تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا.

ويشكل الغاز الطبيعي الروسي ما يقرب من 40 في المائة من احتياجات الطاقة في أوروبا، وبالتالي يعرض استقرار العرض والأسعار للخطر.

وهناك جدل كبير حول ما إذا كانت روسيا ستغلق خطوط أنابيب الغاز الطبيعي إلى أوروبا بينما تعتمد أوروبا على روسيا في الغاز الطبيعي (والنفط)، تلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا 72 بالمائة من صادرات الغاز الطبيعي الروسي عام 2020 (وفقًا لإدارة معلومات الطاقة) وشكلت آسيا 11 في المائة فقط من صادرات الغاز الطبيعي الروسي التي بلغت الصين 5 في المائة منها (رغم أنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم) وتعد ألمانيا الوجهة الرئيسية لغالبية تلك الشحنات.

وفي النهاية، السؤال هو ما مقدار الألم الاقتصادي الذي يمكن أن تتحمله روسيا؟ خاصة أن خسارة السوق الألمانية على المدى الطويل سيكون بمثابة ضربة كبيرة للاقتصاد الروسي.

ومن بعض النواحي، يمر حل الأزمة في أوكرانيا من برلين والحرب في الشرق هي أسوأ كابوس لألمانيا، وهو ما يفسر جزئيًا إحجام برلين عن تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا والتحذير بشأن الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد روسيا كما تأمل موسكو أن تلعب ألمانيا دورًا سلبيًا وتفاعليًا يسعى إلى حماية مصالحها الوطنية (مثل التجارة والغاز الطبيعي الروسي الذي يمثل 55 في المائة من الغاز المستورد).

وتتمثل أهداف روسيا في إعادة تأسيس عمق استراتيجي في مواجهة الغرب بمنطقة من الدول العازلة التابعة لأوروبا الشرقية وقد يعني هذا تراجعًا عن الوجود العسكري لحلف الناتو، واعترافًا من الولايات المتحدة وأوروبا بأن بعض دول أوروبا الشرقية أصبحت الآن في فلك روسيا وأن موسكو لها الحق في إملاء السياسات الخارجية والعسكرية لتلك الدول الواقعة تحت نفوذها.

في عام 2022، قد تجد أوروبا نفسها في مواجهة أزمة طاقة قد تضر بالانتعاش الاقتصادي العالمي وجزء من المشكلة هو أن المصادر الأخرى للغاز الطبيعي ليست متاحة بسهولة، فوفقًا لتقرير ستاندرد آند بورز  الصادر في يناير 2022، فإن القراءة السريعة لمنتجي الغاز الطبيعي الرئيسيين الآخرين لا ترسم مستقبلًا ورديًا إذا أوقفت روسيا حنفية الغاز إلى أوروبا:
ليبيا، التي تكافح بالفعل لتزويد العملاء بخدماتها وتعانيها من عدم الاستقرار السياسي والمشاكل الأمنية، "ليس لديها قدرة إضافية لتصدير الغاز"، ومصر، التي حققت على مدى السنوات العديدة الماضية بعض الاكتشافات الرئيسية للغاز في الخارج، "تجاوزت حجم صادراتها المخطط له من الغاز الطبيعي المسال"، وقطر، الواقعة في الخليج العربي، تقلصت إلى حد كبير جميع أحجام شحناتها بالفعل، "على الرغم من أن المصادر تشير إلى أنه يمكن تحويل بعض الشحنات إلى أوروبا إذا وافق العملاء الآسيويون، الأمر الذي يتطلب بعض المفاوضات الذكية."

المصادر الثلاثة الرئيسية للغاز الطبيعي في أوروبا هي روسيا والنرويج والجزائر، بينما تتمتع كل من النرويج والجزائر بقدرة إضافية، إلا أنهما لا تستطيعان تعويض الفارق الكامل عن خسارة الإمدادات الروسية وعلاوة على ذلك، هناك درجة من عدم اليقين السياسي تحيط بالجزائر فهناك خلاف كبير بين الجزائر والمغرب (الذي يمر من خلاله خط أنابيب غاز طبيعي واحد) بسبب قرب الرباط المتزايد من إسرائيل، الأمر الذي يساعد في تحديث قواتها المسلحة وأثار هذا انزعاج الجزائر.

في نوفمبر 2021، أغلقت الجزائر خط أنابيب غاز طبيعي رئيسي ينفد من حقول الغاز عبر المغرب وإسبانيا والبرتغال ولا تزال الجزائر تحتفظ بتدفق الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب آخر يربطها بإيطاليا ولديها مصنعان للغاز الطبيعي المسال يشحنان الطاقة إلى أوروبا أيضًا ويعد الوضع السياسي الداخلي في الجزائر مستقر حاليًا، لكن التوترات ليست بعيدة عن السطح وعلاوة على ذلك، هناك طلب محلي متزايد على الغاز الطبيعي الجزائري.