الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هل تبددت أحلام شولتز باستخدام الطاقة النظيفة بعد أزمة أوكرانيا ؟

الرئيس نيوز

تحت وطأة معطيات الواقع، قد تتبدد الطموحات،  فبعد سنوات من حديث الغرب عن الرغبة الطموحة في خفض بصمة الكربون، والاعتماد على الطاقة النظيفة، تبنى المستشار الألماني أولاف شولتز لهجة مختلفة خلال حديثه عن الطاقة لتبدأ ألمانيا إرسال إشارات دامغة على تحول جذري في سياسات الطاقة الرئيسية، أمس الأحد، حيث طرح إمكانية تمديد فترات الاعتماد على الفحم وحتى المحطات النووية من أجل خفض اعتماد الاقتصاد الألماني على الغاز الروسي، في إطار إعادة التقييم والتفكير السياسي واسة النطاق بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

تعرض أكبر اقتصاد في أوروبا لضغوط من دول غربية أخرى ليدرك أهمية أن يصبح أقل اعتمادًا على الغاز الروسي، لكن خطط ألمانيا للتخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2030 وإغلاق محطات الطاقة النووية بحلول نهاية عام 2022 لم يعد أمامها سوى خيارات قليلة وفرص أقل لتحقيقها على الأرض، وفقًا لالتقرير رويترز.

في خطاب تاريخي أمس الأحد، حدد المستشار أولاف شولتز مسارًا جذريا لضمان أن تكون ألمانيا قادرة على تلبية إمدادات الطاقة المتزايدة وتنويع مصادرها بعيدًا عن الغاز الروسي، الذي يمثل نصف احتياجات ألمانيا من الطاقة وجاءت تصريحات شولتز أثناء جلسة استماع خاصة بالبرلمان الألماني "البوندستاج" خصصت لمناقشة أزمة أوكرانيا.

وقال المستشار الألماني: "يجب أن نغير المسار للتغلب على اعتمادنا على الواردات من موردي الطاقة الأفراد"، وسيشمل ذلك بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال وزيادة احتياطياتها من الغاز الطبيعي ومن المرجح أن تكون هذه الخطط بمثابة فرصة ثمينة لشركة آر دبليو إيه الألمانية التي تدعم مشاريع المحطات الألمانية للغاز الطبيعي المسال، وبشكل منفصل، طلبت الحكومة الألمانية من شركة يونبير المنافسة الأصغر لشركة آر دبليو إيه إحياء خطط بناء محطة للغاز الطبيعي المسال في فيلهلمسهافن، حسبما ذكرت صحيفة هاندلشبلات أمس الأحد، بعد أن ألغت الشركة مثل هذه الخطط في أواخر عام 2020.
 
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أوقفت ألمانيا مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 العابر لبحر البلطيق وهو مشروع تقدر قيمته بنحو 11 مليار دولار، وهو أكثر مشاريع الطاقة إثارة للانقسام في أوروبا بعد أن اعترفت روسيا رسميًا بمنطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا كجمهوريتين مستقلتين ومنذ ذلك الحين غزت روسيا أوكرانيا، مما دفع الغرب إلى فرض مزيد من العقوبات على موسكو ما جعل قضية إمدادات الطاقة أكثر إلحاحًا.
 
يأتي تجديد أولويات الطاقة في ألمانيا جنبًا إلى جنب مع تحول نموذجي في السياسة الخارجية والدفاعية الألمانية، فقد أعلن شولز أيضًا طفرة جديدة في الإنفاق العسكري.
 
"لا محظورات"
شرعت ألمانيا في العام الماضي في تحول طموح نحو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وقال عضو حزب الخضر، أوليفر كريشر، الأحد، إن مشروع قانون لضمان رفع قدرة مصادر الطاقة المتجددة لتغطي إمدادات الطاقة في ألمانيا بحلول عام 2035 بنسبة 100٪ جاهز للتصويت أمام البرلمان، ولكن شولتز أدار الدفة باتجاه مغاير، وأوضح أن ألمانيا ستزيد أيضًا حجم الغاز الطبيعي في منشآتها التخزينية بمقدار 2 مليار متر مكعب عبر خيارات طويلة الأجل وستشتري غازًا طبيعيًا إضافيًا من الأسواق العالمية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وتمتلك ألمانيا 24 مليار متر مكعب من الكهوف الجوفية لتخزين الغاز، وهي ممتلئة حاليًا بحوالي 30٪، وفقًا لبيانات مجموعة صناعة الغاز في أوروبا للبنية التحتية.

وصرج وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، عضو حزب الخضر، بأن ألمانيا تدرس أيضًا ما إذا كانت ستطيل العمر الافتراضي لمحطات الطاقة النووية المتبقية لديها كوسيلة لتأمين إمدادات الطاقة في البلاد، وردا على سؤال من هيئة الإذاعة الألمانية عما إذا كان بإمكانه تخيل السماح للمحطات النووية بالعمل لفترة أطول مما هو مخطط له بموجب خطة الخروج الألمانية من توليد الطاقة نوويًا، تلك الخطة المتوقع بموجبها إغلاق المحطات الثلاث المتبقية في البلاد بحلول نهاية عام 2022، لم يقدم الوزير إجابنة واضحة وبدا أنه يواجه مأزقًا بين قناعاته بضرورة التخلي عن المحطات النووية وبين إملاءات الواقع التي تفرض نفسها لسد احتياجات ألمانيا من الطاقة.  

ويوجد في ألمانيا 3 محطات نووية  فقط متبقية تنتج الطاقة بعد أن قررت البلاد قبل عقد من الزمان التخلص التدريجي من الوقود النووي في أعقاب كارثة فوكوشيما التي وقعت في اليابان والمحطات الثلاثة مملوكة لشركات الطاقة الألمانية، وقال هابيك أيضًا إن السماح لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم بالعمل لفترة أطول مما هو مخطط له كان خيارًا عمليا، مما يثير الشكوك بشأن خروج ألمانيا الطموح من عصر الفحم، والمخطط له في عام 2030، وأوضح هابيك: "لا توجد محظورات" مضيفا أن هدف ألمانيا هو اختيار الدولة التي ستزودها بالطاقة في نهاية المطاف.

وقال هابيك: "القدرة على الاختيار تعني أيضًا، في حالة الشك، وداعًا للغاز أو الفحم أو النفط الروسي. وإذا قطعت روسيا عمدًا هذه الإمدادات، فسيتم اتخاذ القرار بالطبع، وفي هذه الحالة لن يتم إعادة بنائها أبدًا وأعتقد أن الكرملين يعرف ذلك أيضًا."

فرص مصر وقطر ودول المنطقة في سد فجوة الغاز
إذا كان غزو أوكرانيا على وشك دفع أوروبا إلى إعادة التفكير في تعاونها السياسي والأمني والاقتصادي مع روسيا، فهل يمكن لأوروبا إعادة النظر في اعتمادها على الغاز الروسي، وما البدائل؟ وهل من بين البدائل المطروحة محطات الغاز الطبيعي المُسال المصرية في إدكو ودمياط؟
تُعد روسيا واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. في 2020، أنتجت روسيا 638.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي يبلغ حجم إنتاجها 915 مليار متر مكعب سنويًا  وتصدّر روسيا ما يقرب من 196 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، بسبب التقارب الجغرافي، وجدت أوروبا شريكًا طبيعيًا في روسيا لتلبية احتياجات أسواقها المحلية المُتعطشة للطاقة وتهيمن روسيا على سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي، حيث توفر نحو 38% من إجمالي إمدادات تلك السوق. النرويج، تحل في المرتبة الثانية كأكبر موردي الغاز لأوروبا، ولكنها لا توفر سوى 19% فقط من احتياجات السوق.

ومن أجل نقل الغاز إلى أوروبا، تعتمد روسيا على شبكة واسعة من خطوط الأنابيب، يمر الكثير منها عبر المناطق التي يتم غزوها الآن في أوكرانيا، وأبرزها خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، علقت ألمانيا الموافقات التنظيمية، ما قد يهدد المشروع بأكمله، وهي حقيقة استخدمتها الولايات المتحدة وأوروبا خلال المفاوضات مع روسيا. وحذت الولايات المتحدة حذو ألمانيا، مُعلنة الأربعاء الماضي أنها فرضت عقوبات على الشركة المسؤولة عن بناء خط أنابيب الغاز وتشمل العقوبات شركة نورد ستريم 2 ورئيسها التنفيذي، ماتياس وارنيج.

البدائل  
عندما أصبح واضحًا في منتصف فبراير الجاري أن روسيا ستغزو أوكرانيا، انطلقت قاطرة البحث عن بدائل للغاز الروسي في أوروبا، وفي نهاية يناير، ذكرت رويترز أن الحكومة الأمريكيةتجري محادثات مع العديد من شركات الطاقة بشأن خطط طوارئ لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي إذا تسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا في تعطيل الإمدادات، ولاحقا  صدرت تصريحاترئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، حول قدرة الاتحاد الأوروبي على التعامل مع انقطاع جزئي لواردات الغاز من روسيا وأكدتفون دير لاين، خلال مؤتمر صحفي في ستراسبورج، أن الاتحاد الأوروبي تحدّث مع الولايات المتحدة وقطر ومصر وأذربيجان ونيجيريا وكوريا الجنوبية بشأن زيادة شحنات الغاز والغاز الطبيعي المُسال، إما من خلال شحنات إضافية أو عن طريق مُبادلة العقود.

وفي مبكر من فبراير، أعلنت طوكيو تحويل بعض شحنات الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا، استجابةً لطلبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وسجّلت واردات الغاز الطبيعي المُسال الأوروبية رقمًا قياسيًا بلغ نحو 11 مليار متر مكعب في يناير الماضي، ويأتي أقل من نصفها بقليل من الولايات المتحدة.

شروط قطر
ومع ذلك، لم تكن جميع الأطراف التي حاول الاتحاد الأوروبي التفاوض معها مرنة إلى هذا الحد، أما عن موقف قطر، فقد انتهزت الفرصة للرد على لوائح السوق الأوروبية بشأن قطاع الغاز  وطالبت الاتحاد الأوروبي بتقييد إعادة بيع الغاز خارج الاتحاد لكي تنظر الدوحة في إمداد أوروبا بالغاز ومنع حدوث أزمة قصيرة المدى وتشمل الشروط الأخرى التي طرحها القطريون وقف تحقيق الاتحاد الأوروبي الطويل الأمد في عقود الغاز القطرية طويلة الأجل، وأن يصبح الاتحاد أكثر اعتمادًا على العقود طويلة الأجل، بدلًا من المبيعات الفورية، لتعزيز أمن الطاقة الواردة إليه.

على الرغم من أن قطر تفتقر إلى الغاز الاحتياطي الكافي لتلبية أي طلب متزايد من الاتحاد الأوروبي بمفردها في حال تقلص الإمدادات من روسيا، فقد أشارت إلى أنها ستكون على استعداد لتحويل بعض الكميات من آسيا بوساطة من الولايات المتحدة ولم تتخذ الدوحة إجراء فعلي بشأن تحويل مسار أي شحنات.

مصر أمام فرصة جيدة
قد تكون الصادرات من مصر خيارًا آخر، نظرًا لقربها من أوروبا. في 2021، سجلت الصادرات من منشآت الغاز الطبيعي المُسال في مصر أعلى مستوى لها في عشر سنوات، إذ يتجاوز الطلب المحلي إنتاج مصر من الغاز، ولكن مصر تطمح لأن تصبح مركزًا لتصدير الطاقة شرقي البحر الأبيض المتوسط ولقد ارتبط هذا الطموح في البداية بالرسوم التي يمكن تحصيلها مقابل السماح للدول المجاورة باستخدام بنيتها التحتية للغاز، إلا أن حافز مصر لزيادة الصادرات أصبح محكومًا بشكل متزايد بسوق محلي متعطش للطاقة وغالبًا ما تقوم القاهرة بتسوية رسوم إسالة ونقل الغاز من خلال تحويلات الغاز أي أن الغاز يدفع كرسوم بدلًا من النقد.

وشحنت مصر حوالي 6,80 مليون طن من الغاز الطبيعي المُسال في 2021، بزيادة قدرها أربعة أضعاف عن 2020 عندما أدى الركود الناجم عن «كوفيد-19» إلى انخفاض الطلب العالمي ودفع القاهرة إلى اتخاذ تدابير بدلًا من التصدير بالخسارة، ولكن، هل ستصبح مصر أكثر استعدادًا للشراكة مع أوروبا من قطر التي تُعد مصدرًا أكبر بكثير للغاز الطبيعي المُسال بأكثر من 70 مليون طن سنويًا؟

تواجه مصر العديد من المشكلات مثل التي تواجهها قطر في اضطرارها للتخلي عن عملائها الحاليين، إلى جانب العقبات التي يفرضها التوازن الذي تسعى مصر إلى تحقيقه في استخدام إمكاناتها التصديرية لتلبية احتياجات سوقها المحلي وأنتجت محطة دمياط ما يقرب من ثلاثة ملايين طن من الغاز الطبيعي المُسال للتصدير في 2021، منها 52,9% إلى الأسواق الآسيوية و37,9% إلى الأسواق الأوروبية وأنتجت محطة إدكو نحو 3,8 مليون طن من الغاز الطبيعي المُسال، مع ارتفاع حصة الأسواق الآسيوية بنسبة 71,4% مقارنة بـ 24,9% للأسواق الأوروبية، وفقًا للبيانات التي قدمتها شركتا «كلبر» و«مييس» لتحليل بيانات الطاقة، وقد يعني تدفق مزيج الغاز الطبيعي المُسال القطري والغاز المُصدَّر من مصانع التسييل في مصر أن الاتحاد الأوروبي يستطيع التغلّب على اضطراب تدفقات الغاز الروسي، جزئيًا، فالأرجح أن يسد الغاز الطبيعي المُسال من قطر ومصر جزءًا من الفجوة المتبقية على المدى القصير، لكن هذا الحل ليس طويل الأجل.

ومن أجل تعزيز طموحاتها الإقليمية كمركز لتسييل الغاز وإعادة تصديره، تحاول مصر إنشاء المزيد من منشآت الغاز الطبيعي المُسال وتأمل في أن تتخذ شركة الغاز الأمريكية «شيفرون» -التي تشغل الحقول العملاقة خطوات عملية لبناء خط أنابيب يربط نقاط التصدير بمحطة إدكو في مصر، ومن المحتمل أن يساعد الوضع في أوروبا في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للغاز الطبيعي، إذا تمت إدارة الطلب المحلي الذي يلعب دورًا مهمًا.