الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

تقنين مخدر الحشيش وخفض سن التصويت.. أولاف شولتز وتحديات ما بعد ميركل

الرئيس نيوز

لأول مرة منذ 17 عاماً، أطل على الألمان في هذا العام مستشار رجل في خطاب رأس السنة بينما هيمنت جائحة كورونا على جزء كبير من خطاب أولاف شولتز الذي تناول كذلك موضوعات أخرى مهمة لشعبه، ووفقًا لموقع الإذاعة الألمانية "دويتش فيله"، حظرت الحكومة الحفلات الصاخبة في ليلة رأس السنة، ولم يشهد الألمان ألعابا ناريةً تسرق الأبصار كالمعتاد، وانتهى عام الجائحة 2021 في ألمانيا مثل سابقه عام 2020 في خضم موجة جديدة للعدوى، ولكن هناك فرق واحد: في حين خاطبت أنجيلا ميركل الألمان بسترة ذهبية اللون قبل عام، رأوا بالأمس القريب أولاف شولتز مخاطبًا إياهم من مقر المستشارية مرتدياً بدلة داكنة، فاز شولتز وحزبه الاشتراكي الديمقراطي، ويغلب على شعاره اللون الأحمر، في انتخابات البرلمان الألماني البوندستاج في سبتمبر وشكل حكومة ائتلافية ملونة مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، ولونه التقليدي الأصفر، واستهل المستشار خطابه للعام الجديد قائلاً: "الانتقال السلس، والودي تقريباً في بعض الأحيان من الحكومة القديمة إلى الحكومة الجديدة لقي استحساناً كبيراً في جميع أنحاء العالم”.

جائحة تأبى الرحيل
تسلم شولتز مسؤولية الحكم في ألمانيا في أوقات صعبة، فبلاده تواجه الموجة الرابعة من الوباء والتي لم تنتهِ بعد، وتلوح الموجة الخامسة مع متحور أوميكرون في الأفق، في وقت سئم فيه كثير من الألمان من الجائحة .

وقال المستشار "جائحة كورونا بأعبائها وقيودها بعيدة المدى"، وأقر المستار بأنها "أصابتنا في الصميم"، فلا أمل في نهاية سريعة بل على العكس تماماً، من الواضح أن الوباء لم يصل إلى محطته الأخيرة بعد.

 وأعلن المستشار الجديد أن جكومته بصدد "فرض قيود واضحة في الأسابيع القليلة المقبلة تشمل التواصل الشخصي بين الناس"، راجياً التعامل مع هذه القيود على محمل الجد، وبعد بضعة أيام، تحديدًا في السابع من يناير، يعتزم المستشار الاتحادي الاجتماع من جديد مع رؤساء حكومات الولايات لمناقشة المزيد من الإجراءات والتدابير بشأن كوفيد-19 ومتحوراته.
مناشدة عاجلة لتلقي اللقاح
أوضح أولاف شولتز أن السيطرة على كورونا أحد المهام الكبرى في العام الجديد وأن ألمانيا طرحت أكثر من 30 مليون جرعة لقاح منذ منتصف نوفمبر وبحلول نهاية شهر يناير الجاري، يجب أن يكون هناك 30 مليون جرعة لقاح أخرى قد تم توزيعها، وناشد شولتز بإلحاح أولئك الذين لم يتلقوا اللقاح بعد فقال: "حدد موعداً في مركز التطعيم أو عند الطبيب في الأيام القليلة القادمة واغتنم الفرصة للحصول على اللقاح على الفور وبدون تسجيل مسبق! من فضلك لا تؤجل ذلك إلى أي وقت قريب"، وأكد أنه يجب أن يحصل أي شخص تلقى اللقاح  بالفعل على "جرعة معززة سريعة"، أي الحصول على التطعيم الثالث وشدد على أنه "يعتمد الأمر الآن على السرعة، وعلينا أن نكون أسرع من الفيروس”.

وخاطب شولتز المتشككين من اللقاح موضحا أن مخاوفهم من أي تباعات سلبية للقاح لا أساس لها من الصحة وتلقى ما يقرب من أربعة مليارات شخص حول العالم اللقاح وعلق شولتز: "ليس للقاح أي آثار جانبية كبيرة.

 وأصبح عدد لا يحصى من الأشخاص الذين تم تطعيمهم آباء لأطفال أصحاء"، متحدثاً عن حكمين مسبقين بخصوص اللقاح وشدد على أن "فوائد اللقاحات عظيمة بالفعل”.

شكر خاص للأطقم الطبية
في خطابه الأول كمستشار بمناسبة العام الجديد، توجه رئيس الحكومة بشكل خاص إلى كل من يكافح الوباء في المستشفيات وأقسام التمريض والعيادات ومراكز التطعيم وأقسام الشرطة والقوات المسلحة فقال: "شكراً لكم على ما تفعلونه من أجل بلدنا، من أجلنا جميعاً"، ولم يتطرق المستشار بكلمة واحدة عن الاحتجاجات المناهضة لتدابير احتواء الجائحة، التي أخذ بعضها طابعاً عنيفاً، وأكد: "بالطبع لدينا أيضاً آراء وتقييمات مختلفة في حياتنا اليومية وهذا غالباً ما يكون مرهقاً، لكن المجتمع القوي يمكنه تحمل التناقضات. كيف؟"، وسرعان ما أجاب المستشار: "عندما نستمع لبعضنا البعض وعندما يحترم بعضنا بعضا”.
بلد موحد
لا يعترف الحزب الاشتراكي الديموقراطي، حزب شولتز، بوجود أي انقسام في المجتمع، وعن ذلك قال: "أود أن أقول هنا بوضوح شديد: العكس هو الصحيح! بلدنا موحد”. ويرى شولتز "تضامناً هائلاً في كل مكان واستعداداً هائلا لمد يد العون وشد الأزر والدعم"، ومضي شولتز مشيراً إلى فيضانات الصيف في بعض الولايات الألمانية: "يمكن رؤية وقوف الناس مع بعضهم البعض، ورفع الأنقاض سوياً، والبدء بإعادة الإعمار". 

وُعد الألمان بتشكيل حكومة جديدة في الوقت المناسب قبيل احتفالات الكريسماس  ومع وميض أضواء الأعياد على أشجار التنوب في الحي السياسي في برلين، فقد حصلوا على حكومة جديدة بالفعل، ووفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، وافقت الأحزاب الثلاثة على اتفاق الائتلاف، وأدت هذه المجموعة السياسية المتباينة اليمين الدستورية بالفعل وستفسح حقبة أنجيلا ميركل الطريق رسميًا لعصر جديد في ظل الديمقراطي الاشتراكي أولاف شولتز، وتم تسمية "ائتلاف إشارات المرور" على اسم ألوان الأحزاب المعنية: الاشتراكيون الديمقراطيون (الأحمر) الذين يناصرون المجتمع العادل، والديمقراطيون الأحرار (الأصفر) الذين يدافعون عن التجارة والصناعة، وحزب الخضر المدافع عن البيئة، وسيتعين عليهم المضي قدمًا، مع وقوع ألمانيا في قبضة موجة رابعة عدوانية من فيروس كوفيد، والقيود المشددة بشكل متزايد على الحياة العامة.

التركيز على تغير المناخ
كل شيء يتغير سياسيًا، وإذا كان للحكومة الجديدة طريقتها، فسيكون هناك تغيير اجتماعي بعيد المدى أيضًا، فالائتلاف يود تقديم نفسه كصاحب طموح كبير يريد ألمانيا أكثر إنصافا وليبرالية ويريد لألمانيا أن تجعل معالجة تغير المناخ أولوية قصوى، وبموجب خطط الائتلاف الثلاثي سيتم تسريع التخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030 على عكس الهدف السابق لعام 2038، وبحلول عام 2030 يجب أن توفر مصادر الطاقة المتجددة 80٪ من الكهرباء التي تحتاجها ألمانيا، وبحلول نفس التاريخ، يريد التحالف 15 مليون سيارة كهربائية على الطرق الألمانية، أما عن الواقع، فثلاثون بالمائة فقط من السيارات الجديدة المسجلة في ألمانيا في أكتوبر تعمل بالكهرباء
البعد الاجتماعي
هناك مقترحات اجتماعية كبيرة وسخية أيضًا، على سبيل المثال سهولة الوصول إلى الرعاية الاجتماعية وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 12 يورو (13.50 دولارًا أمريكيًا) في الساعة.
تقنين مخدر الحشيش وسن التصويت
لكن يبدو أن الناخبين الألمان لا يزالون منقسمين حول خطط أخرى أعلنت عنها حكومة أولاف شولتز، مثل التوجه الرسمي لتقنين مخدر الحشيش واقتراح التحالف بإنهاء قانون قديم يمنع الأطباء من الإعلان عن خدمات الإجهاض، لا يبدو أن خطة خفض السن القانوني للتصويت في الانتخابات العامة من 18 إلى 16 سنة قد أبهر الجمهور الألماني ويوافق 30٪ فقط من المشاركين في استطلاع رأي منشور على الفكرة، وهو اقتراح آخر مثير للجدل سواء في الداخل أو في الخارج، كما ترغب أطراف الائتلاف الثلاثة في إجراء إصلاح شامل لنظام الهجرة في ألمانيا وكذلك إصلاح سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وتريد الحكومة الجديدة تشجيع الهجرة وتحسين حقوق الأشخاص الذين يطلبون اللجوء وتسهيل حصول الأجانب على الجنسية.
ماذا تعني الحكومة الجديدة لأوروبا وبقية العالم؟
يقود تحليل اللغة التي يستخدمها مسؤولو السياسة الخارجية إلى نبرة مختلفة عن تلك التي استخدمتها حكومة المستشارة السابقة ميركل، ورد فعل أكثر صرامة إلى حد ما على دول في مقدمتها روسيا والصين، وتشير معاهدة الائتلاف على وجه التحديد إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، فضلاً عن المطالبة بالعودة إلى الدولة الواحدة وسياسة نظامين لهونج كونج ودعم تايوان، وتبدو هذه النبرة بوضوح، على سبيل المثال في تصريحات أنالينا بربوك، وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة التي قالت فيها: "بصفتنا ديمقراطيات أوروبية وجزءًا من تحالف ديمقراطي عبر الأطلسي، نحن أيضًا في منافسة منهجية مع نظام استبدادي مثل الصين".

المعجزة مقابل فرص النجاح
تكمن كبرى التحديات التي تواجهها ألمانيا في حقيقة أن الأحزاب الثلاثة تتمسك بمواقف ورؤى سياسية مختلفة ومتباينة للغاية بالنسبة لألمانيا، وكأن البلاد تقف عند مفترق طرق، إن تمكنهم من الاتفاق على تشكيل الحكومة في المقام الأول يعتبره البعض بمثابة معجزة، ولكن بعد شهور من المفاوضات المكثفة، أيد أعضاء الأحزاب الثلاثة بأغلبية ساحقة اتفاق الائتلاف، وكان الخضر آخر من وقع على الاتفاق، مما مهد الطريق لانتخاب شولتز كمستشار، لن يكون تكوين التحالف سهلاً دائمًا وخططهم لـ "ألمانيا جديدة" باهظة الثمن ويتساءل بعض الخبراء كيف يخطط التحالف لدفع ثمن ذلك كله.

كانت ألمانيا تكافح بالفعل لمواكبة عالم يتزايد فيه الطابع الرقمي وفي وقت مبكر من الوباء، ظهر أن السلطات الصحية كانت لا تزال تتواصل عبر الفاكس وتم الكشف عن أوجه قصور صارخة في البنية التحتية للتعليم، وتعرض أولاف شولتز بالفعل لانتقادات بسبب ما يقول الكثيرون إنه استجابة رسمية متساهلة وغير صارمة بما فيه الكفاية لفيروس كورونا، وبعد استبعاد إجراءات الإغلاق، بدأت شخصيات التحالف العليا في إعادة التفكير في مواقفهم، حتى قبل أن تؤدي الحكومة الألمانية الجديدة اليمين، فإن مستشارها القادم غارق فيما وصفتهميركلبأنه أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، فكيف سيدير الدفة، هذا ما سيكشف عنه العام 2022 وما بعده.