الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

نحو الحق.. عصام شيحة يكتب: نحو استراتيجية حزبية متكاملة

الرئيس نيوز

 يُعد التشابك من أهم السمات المميزة لفعاليات الساحتين الإقليمية والدولية المعاصرة، سواء ما بين الداخل والخارج، أو ما بين السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فإن رؤية استراتيجية متكاملة لا بديل عنها أمام الدولة المصرية كي تشق طريقها بنجاح وسط ما يواجهها من منافسات، ناهيك عن ما يجابهها من تحديات ومخاطر.

وبالفعل تنتهج الدولة المصرية المُعبرة عن ثورة الثلاثين من يوينو سلوكًا مدروسًا علي الساحتين الإقليمية والدولية، بما يتسق تمامًا مع ما تقطعه من خطوات في الداخل. كذلك فإن اعتماد التخطيط الاستراتيجي كسبيل علمي مدروس وموضوعي أسهم كثيرًا في التغلب علي كثير من العقبات التي حالت سابقًا دون تحقيق الدولة المصرية قفزات كنا نتمناها منذ عقود بعيدة، وجاءت الدولة المصرية الراهنة بأفكار لا تغيب عنها الشجاعة، ولا تنقصها الخبرة، ولا تفتقد لدراسة التجارب الدولية الناجحة.

من ذلك نجد أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس مؤخرًا لها تداعيات شتى علي كافة مجالات العمل الوطني، السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي. فمن جهة الشأن السياسي استطاعت مصر التكيف بصورة أكبر مع كثير من القيم والمبادئ الحاكمة للمجتمع الدولي، وهو بالمناسبة يمكن وصفه بأنه مجتمع غربي بامتياز، حيث تسوده القيم الديمقراطية مثل سيادة القانون والعدل والمساواة وحرية الراي والتعبير والمسائلة والمحاسبة... وغير ذلك كثير من مبادئ الحكم الرشيد.

ومن الوجهة الاقتصادية، فتحت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان المجال أمام مزيد من التعاون مع المجتمع الدولي دون التوقف أمام ما يثيره أعداء الوطن من ادعاءات تطعن في مصداقية التوجه الوطني نحو ترسيخ حقوق الإنسان في مصر.

واجتماعيًا، بات علي المواطن المُبادرة بالتمسك بحقوقه وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف كان، وفي ذلك تتصاعد مسؤولية الإعلام الوطني المنوط به رفع الوعي الجمعي بحقوق الإنسان وأهمية التمسك بها وصيانتها من أي انحرافات قد تشوه من جهود الدولة في هذا الشأن، حتى أن كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الآن في مصر لديها قناعة بأن الدولة لن تتراخي في حماية حقوق الإنسان والمحاسبة السريعة والحاسمة لكل من يتجه إلي انتهاكها في التعامل مع المواطن.

 وأمنيًا، أثق تمامًا أن ثقافة حقوق الإنسان أصبحت ركنًا أصيلاً في المناهج التي يدرسها أبناء المؤسسات الأمنية الوطنية، ولم تعد الحكاية مجرد ديكور، أو أمور هامشية للتجميل فقط، بل باتت تعبر عن قناعات حقيقية، وإرادة سياسية صلبة لا تلين؛ إذ لا يمكن أن تترك الدولة تصرفات فردية تشوه ما تبذله من جهود في هذا الشأن.

 أردت أن أضرب مثالاً بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان كنموذج يُبرز التشابك الحاصل بين الداخل والخارج، كما بين الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وهو تشابك نجد له العديد من الأوجه، ما يجعل الدولة تتحرك صوب أهدافها ككتلة واحدة؛ ومن ثم لا نجد قطاعًا يتأخر عن غيره، أو قطاعًا يتجه بعيدًا عن المسار الطبيعي للدولة.

وعليه، أقول أن عمل الوزارات يعبر أيضًا عن صورة من هذا الفِكر، فوزارة التعليم لا يمكن أن تُنجز مهامها علي أكمل وجه دون تعاون حقيقي مع كثير من الوزارات مثل الصحة والتعليم العالي وغيرها. والحال نفسه في كثير من الوزارات ومؤسسات الدولة.

   من هنا أجدني حريصًا علي نقل مثل هذا الفِكر التكاملي إلي أطراف أخرى في العمل الوطني ما زالت الانقسامات والتشرذم يضرب في أوصالها بما يُبعدها تمامًا عن الانشغال بقضاياها الحقيقية ومسؤولياتها الوطنية التي أُنشئت أساسًا من أجلها.

وأسوق هنا مثالاً بحياتنا الحزبية التي تفتقد استراتيجية متكاملة تحدد أهدافها ومنطلقاتها الوطنية التي ترتكز عليها بما يضمن لها تعاونًا جادًا يمكن من خلاله بناء حياة حزبية تتفق والمعايير العالمية التي أنتجتها التجارب الدولية الناجحة في هذا الخصوص. 

   فأنا لا أعلم أن الأحزاب السياسية تلتقي لتتدارس فيما بينها تكوين رؤية مشتركة تجاه قضايا الوطن، أو تجاه أي ملف بعينه يشغل الرأي العام؛ فتجد الكل مُنكفئ علي ذاته، والبعض منهم تمزقه الخلافات الداخلية، وغيرهم لا يمكنه التعبير عمليًا عن انتمائه وتأييده للدولة الوطنية الحديثة مُكتفيًا بشعارات جوفاء يعرف أبناء حزبه أنها زيف وكذب إذ لا يدعمها عمل جزبي جاد يقوده داخل حزبه، بل يختصر جهده ولا يتذكر دعمه للدولة إلا أمام الكانيرات عندما تدور وتُصوب الميكروفونات تجاهه متصورا أن أحوال حزبه خافية عن الدولة ومؤسساتها التي لا يمكن أن ينطلي عليها مثل هذه الأساليب الرخيصة التي تؤكد أن سعي مثل هؤلاء إنما لمصالحهم فحسب، وإسهاماتهم في بناء الدولة ما هي إلا أصوات لا قيمة لها لدى الرأي العام، ولا مصداقية لها في الخارج؛ إذ لا تضيف أي شيء حقيقي يمكن أن يُفيد الدولة الوطنية التي يحلو له إعلان تأييده له بينما تشغله الخلافات الداخلية والأطماع الشخصية والسعي نحو الوجاهة الاجتماعية، أما أداء واجباته الوطنية التي من أجلها نشأت الأحزاب وازدهرت كظاهرة عالمية بالغة التأثير الإيجابي في تنمية مجتمعاتها، فتلك أمور بعيدة عن قدراته وأهدافه. 

 الحق أقول... نريد استراتيجية حزبية متكاملة بموجبها نختصر أحزابنا، وعددهم يزيد عن المائة!، في عشرة أحزاب علي الأكثر، تمثل التيارات السياسية الأصيلة المعروف في العالم كله، وأن تُدار الأحزاب إدارة علمية ديمقراطية، مرتكزة علي التعاون الوثيق بين مكوناتها، مُتسقة والخطط التنموية للدولة، تجسيدًا للوظائف الطبيعية التي نشأت من أجلها الأحزاب السياسية وكما يعرفها العالم، لا كما يتمناها البعض... وجاهة اجتماعية... ومصالح شخصية... وشاشات وميكروفونات تذيع دعمهم للدولة.!!