الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

أكاذيب أردوغان وأجداده مع ليبيا (1): أسطورة استنجاد وفد طرابلسي بسليم الأول

الرئيس نيوز

الأمر الذي أعده كثيرون "وقاحة سياسية" صريحة، هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوعان، اليوم، المشير خليفة حفتر، قائد قوات الجيش الوطني الليبي، متوعدا إيا بـ"تلقينه الدرس اللازم".

أردوغان بدا مصعوقا بسبب رفض "حفتر" التوقيع على وثيقة منقوصة للتهدئة مع رئيس الحكومة الليبي فايز السراج، فاختلط عنده الكلام الانفعالي بوقائع التاريخ، وأخذ يخلط كل شيء ليسعيد أوهام السلطنة العثمانية المزعومة.

وخلال حديثه أمام البرلمان التركي، اليوم قال أردوغان إن "ليبيا كانت لعصور طويلة جزءا هاما من الدولة العثمانية، لذلك لا يمكن لتركيا أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري هناك".

وتمادى الرئيس التركي أكثر فقال: "إن نصرة أحفاد أجدادنا في شمال إفريقيا تأتي على رأس مهامنا"، مستعيدا في خيالاته زمن الاحتلال العثماني لدول المشرق العربي في منتصف القرن السادس عشر الميلادي.

في السطور التالية، سنتعرض لمزاعم أردوغان عن تاريخ ليبيا، لندحض مزاعمه بأن ما حدث لم يكن "فتحا إسلاميا"، وإنما احتلال عثماني عسكري لـ"طرابلس" كما كانت ليبيا تسمى في ذلك العصر.

سنعتمد هنا على كتاب "تاريخ ليبيا.. من منتصف القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين"، للمؤرخ الروسي نيكولاي ايليتش بروشين، وترجمة الدكتور عماد حاتم.

ويقول المؤلف في البداية أن الاحتلال التركي لطرابلس الغرب سنة 1551 جاء بعد 40 سنة مرهقة من صراع الليبيين ضد الغزاة الإسبان الذين احتلوا البلاد سنة 1510، ثم ضد فرسان مالطا الذين تسلموا المدينة سنة 1530.

ويشير المؤلف إلى أن الأتراك استغلوا نتائج الصراع الذي امتد لسنوات طويلة والذي خاضه الشعب الليبي في السيطرة على البلاد، لافتا إلى أن الإمبراطورية العثمانية غطت على أطماعها التوسعية بإظهار نفسها في مظهر محرر الشعوب الإسلامية من الضيم الأجنبي.

ويشرح المؤلف أنه من أجل ترسيخ هذه الصورة الكاذبة، روّج الاحتلال لأسطورة أن وفدا ليبيا من منطقة تاجوراء القريبة من طرابلس، ذهبوا إلى إسطنبول بين عامي 1519- 1520 لطلب مساعدة السلطان سليم الأول في تحرير بلادهم من الغزاة.

وتزعم هذه الأسطور أن سليم أرسل مع وفد الطرابلسيين فرقة من الجنود الأتراك بقيادة مراد آغا، الذي أصبح القائد المعترف به لمقاومة الأهالي للأسبان والماطليين.

وسريعا يرد المؤلف على هذه الأسطورة ويكشف ضعفها، فيذكر رأي مؤرخين ليبيين، الأول هو الطاهر الزاوي الذي يشكك في قصة الوفد الذي قطع مشوارا طويلا إلى تركيا بينما الأسطول العثماني منذ عشرينيات القرن السادس عشر يمخر عباب البحر الأبيض المتوسط وكان قادته الأتراك يخوضون حروبهم في الشمال الأفريقي بما في ذلك تاجوراء ويقدمون للسكان المحليين العون بالسلاح والرجال.

مؤرخ آخر هو محمد بازامة يقول إن "نقطة الضعف في قصة الوفد التاجوري تتكشف في المسافة الكبيرة في الزمان بين وصول الوفد إلى استامبول وبين وصول الإمدادات التركية إلى تاجوراء بقيادة مراد آغا والتي تقترب من الـ10 سنوات".

على أية حال، جاء العثمانيون عام 1551 وحاصروا قلعة طرابلس لمدة 6 أيام، بقيادة سنان باشا، نائب سليم، ثم دخلوها وأعلنوا تأسيس "إيالة طرابلس الغرب"، لتمييزها عن طرابلس الشامية.

 

انطلق العثمانيون من طرابلس (ليبيا) للسيطرة على باقي البلدان في المغرب العربي، لكن سرعان ما اكتشف أهل البلد الأصليين الوجه الحقيقي للمحتل التركي.

يقول المؤلف: "كانت الأمور مضطربة في إيالة طرابلس نفسها. فشيوخ وقادة القبائل البدوية المتميزة من المحاميد وأولاد نوير وأولاد سليمان والذين كانوا يخضعون سكان الواحات الزراعيين وعددا كبيرا من القبائل التابعة لم يقبلوا بالخضوع لدرغوث نائب السلطان العثماني وكانوا أشد رفضا لأن يقاسموه حصائص استغلال السكان المحليين".

ويعقب المؤلف قائلا: "وهكذا بدأت الانتفاضات في طرابلس الغرب ضد ظلم الأتراك"، وهو ما سنستعرضه في الحلقة المقبلة.