السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

د. أحمد عمر يكتب: الحاكم والأفندية والجماهير

الرئيس نيوز

الحاكم هنا، هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات. والأفندية، هم المثقفون من أبناء الطبقة الوسطى العليا والدنيا، الذين أيدوا أو عارضوا نظام حكم وشخص الرئيس السادات، أو أيدوه حينًا وعارضوه حينًا آخر، تبعًا لتغير سياساته ومواقفه. والجماهير، هي جموع الشعب المصري من البسطاء أبناء الطبقة الدنيا، والشريحة السفلى من أبناء الطبقة الوسطى، الذين خضعت علاقتهم بالسلطة لبوصلة مصالحهم الاقتصادية، وقدرة نظام الحكم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
والعلاقة بين تلك الأطراف الثلاثة، طوال سنوات حكم الرئيس السادات، هي علاقة درامية بامتياز، يمكن من خلال تشريحها وتأملها، والخروج بالكثير من العبر والدروس المستفادة.
فالرئيس السادات حاول أن يصنع لنفسه مسارًا مغايرًا في علاقته بالأفندية والجماهير، عن ذلك المسار الذي انتهجه الرئيس عبد الناصر؛ فقد كان عبد الناصر لا يثق في المثقفين ولا الجماهير، ويرى أن الأفندية كائنات نظرية لا علاقة لها بالواقع، ولا تفكر إلا في مصالحها الشخصية الضيقة. ولهذا اكتفى بأفندي أو مثقف واحد، وثق فيه، وقربه منه، وجعله صديقه ومستشاره الأول والأخير، وهو الأستاذ محمد حسنين هيكل.
كما رأى أن الجماهير قاصرة عن معرفة مصالحها الحقيقية، وغير مؤهلة للديمقراطية، ويجب فرض الوصاية عليها، لأنها لا تمتلك من النضج السياسي والوعي التاريخي، ما يمكنها من كشف ألاعيب القوى الرجعية في الداخل والخارج، وكشف مخططات الصهيونية والإمبريالية العالمية.
ولهذا عزل الرئيس عبد الناصر نفسه عن الأفندية والجماهير، وكان قليل التواصل معهم على نحو كبير، واكتفى بما تنقله له التقارير عن الاثنين معا. ومع ذلك فقد صنعت له هيبته الشخصية التي لا تُضاهى، رهبة في نفوس الجميع، فأحبوه حبًا يمزج بين التقدير الشخصي والخوف، كما أن سياسته الاقتصادية والاجتماعية ومواقفه الوطنية، ضمنت له تأييد قطاع عريض من الأفندية والجماهير.
وعندما جاء الرئيس السادات للحكم، استحدث في علاقته بالأفندية والجماهير، منهجًا مغايرًا لما كان يصنعه عبد الناصر؛ فقد وسع من دائرة اتصاله بالصحفيين والأفندية والمثقفين من كل الأطياف، يمين ويسار ووسط، واستخدمهم وفق رؤية تكتيكية ومكر فلاحي أصيل، أحسن استخدامه لتثبيت دعائم نظامه حكمه.
كما كان الرئيس السادات عفويًا وبسيطًا في تعامله مع الجماهير، فظهر في صورة كبيرة العائلة، القريب من ناسه، العالم بأبسط تفاصيل حياتهم، الذي يجالسهم ويستمع إلى أحلامهم البسيطة ومشكلاتهم، ويساعد فورًا في تحقيق تلك الأحلام وحل هذه المشكلات.
وبتلك السياسة الحكيمة، نجح الرئيس السادات في نيل رضا ودعم الأفندية ومحبة الجماهير، وتكوين جبهة وطنية قوية، ساعدته على اتخاذ أخطر القرارات، مثل تصفية مراكز القوى، وحرب أكتوبر، والسلام مع إسرائيل.
ولكن تلك العلاقة المثالية بين الرئيس السادات وبين الأفندية والجماهير، حدث فيها تحول نوعي بعد أحداث 18 و19 يناير 1977، وخروج الجماهير ساخطة على القرارات الاقتصادية، والنتائج السلبية لسياسة الانفتاح الاقتصادي السداح مداح، وزيادة الأعباء على أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا، وما صاحب ذلك الخروج من نقد واستهزاء وسخرية من مشخص الرئيس وحياته وسلوك أسرته. مع وقوف الأفندية موقف الداعم للجماهير، المتفهم لغضبها، وعدم دفاع أغلبهم عن قرارات الحكومة وخيارات الرئيس.
وقد صنع هذا الخروج الغاضب شرخًا في سيكلوجية الرئيس السادات، وموقفه من الأفندية والجماهير، بما انعكس بالطبع في قراراته وسياساته اللاحقة، فعزل نفسه عن الجماهير، وصار كارهًا لهم ساخطًا عليهم، واكتفى فقط في علاقته بالأفندية، بمن ارتضى منهم أن يقوم معه بدور النديم، وبمن يُسمعه ما يريد أن يسمعه من تفخيم لذاته وتمجيد لقرارته وسياسته الحكيمة.
ولهذا لم يوجد حوله من الأفندية من يملك الشجاعة ليقوله له: قف يا سيادة الرئيس .. فكر قليلًا .. وتأمل .. وأنظر حولك، ولتجعل بوصلتك في الحفاظ على حكمك، وخدمة وطنك، وحماية مؤسسات بلدك، هو الحفاظ على السلام الاجتماعي، ورعاية مصالح القطاع العريض من المصريين.
ولو وجد من يقول له ذلك، لربما صوب الرئيس السادات مساره، واستدرك بعض أخطاء سياساته، فتجنب سخط الأفندية والجماهير، وحالة الانهيار السريع في شعبيته، وصولًا إلى النهاية المأساوية التي انتهت بها حياته، رغم الخدمات العظيمة التي قدمها للبلاد والعباد.
نقلا عن موقع مصراوي