الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد فؤاد يكتب: الإصلاح السياسي وعيد الحب!

الرئيس نيوز

لطالما حدثنا الأستاذ ياسر رزق، عن انفراجة قادمة في العملية السياسية قائمة على إتاحة الحريات للأحزاب ودعم انتشارها في الشارع وتحسين الجو العام، وفتح الإعلام لأصوات المعارضة وغيره، وهي أمور غاية في الأهمية لإصلاح الوضع في مصر من ناحية الأدوار السياسية والمزيد من الحريات المطلوبة، وهي أيضا خطوة تعكس الانتباه إلى أخطار حالة الانغلاق السياسي.
إلا أنه ومع هذه الانفراجة التي تحدث عنها، انتشرت العديد من المظاهر الدخيلة على العملية السياسية التي لا تبشر بالخير إطلاقا على واقعنا، ومؤشر خطير مفاده أن المستقبل سوف يكون أسوأ بكثير إن استمر الوضع وهذه الفلسفة، خاصة وأن محددات العملية السياسية ودور الفاعلين فيها من نواب وأحزاب واضحة ومتعارف عليها والحياد عنه يفسدها ويخرجها عن المضمون الأساسي لوجودها.
فأصبحنا نجد أكبر الأحزاب وأكثرها تمثيلا في البرلمان وأغناها مالا، لا تمارس أي دور سياسي فاعل وتركز في دورها على توزيع البطاطين وإقامة الحفلات والمعارض وغيره، وتعتمد على ممارسة دور الجمعيات الخيرية في الشارع وتتشبث بهذا الدور وكأنه من صميم دورها وهدف أساسي لوجودها.
بل أن القيادات الحزبية أصبحت تبارك هذا الجو الكرنفالي وتدعي أنه من صلب السياسة، وأيضا تتفاخر بأداؤه وتعلن تركيز مجهودها فيه، وأصبح الترقية داخل الأحزاب قائم على الأكثر قدرة على أداء هذا الدور سواء تنظيم الحفلات أو تمويل الحملات المجتمعية في الشارع كتوزيع البطاطين ومواجهة ارتفاع الأسعار من خلال المعارض وغيره.
فالغريب أن الأحزاب ذاتها هي من تقوم بالخروج عن دورها في العملية السياسية وحادت إلى مستوى أدنى بكثير مما هو مأمول منها بعد ثورتين في إصلاح الوضع وتبوء الدور المطلوب منها وأداء مسئوليتها لصالح الوطن والمواطن.
المؤشر الأخطر، أن الأحزاب الأخرى حينما تريد أن تظهر أنها موجودة وتروج لنشاطها، تقوم بتقليد ذلك أيضا من حفلات وتوزيع بطاطين، كأن هذا الدور تم إلصاقه بالأحزاب السياسية بما أصبح مسار تقييمها الأساسي وأن النجاح الحقيقي في أداء مسئوليتها نابع من توزيع بطاطين أكثر مثلا.
فمنذ ساعات تم عقد احتفال بمناسبة عيد الحب في إستاد القاهرة حضره الآلاف من المواطنين، ولكن الأزمة في أن هناك تنظيمات سياسية تولت مسئولية الحشد للمشاركة فيه وحضور الجماهير من مختلف المحافظات، وقبله في موقف مشابه تولت الأحزاب أيضا مسئولية الحشد لمؤتمر القبائل العربية في نفس الإستاد.
واقعة احتفالية القبائل العربية تحديدا تحتاج إلى مزيد من التأمل والعديد من التساؤلات، فهل هناك توجه لإنشاء كيانات "عنصرية" تحت مسمى القبائل العربية وبعدها أهالي الصعيد والنوبة؟، وهل ذلك يعطي شرعية لإطلاق تكتلات جديدة ممثلة للمسلمين وأخرى للأقباط وغيره؟.
في الواقع لا أعلم أي سبب سياسي مقنع يدفع الأحزاب إلى المشاركة في هذا الأمر، خاصة وأنه دون أي داعي إطلاقا وأيضا دون هدف، بل مجرد مصروفات وتكاليف على الأرض وتشتيت دورها الذي كان يبغي أن تركز في القضايا التشريعية والسياسية والمجتمعية التي تدخل في صلب دورها كأحزاب.
ودولتنا بالفعل تواجه العديد من المشاكل السياسية التي تتطلب مجهودا للأحزاب في التصدي لها، كسد النهضة وقضايا الدعم والمعاشات وحقوق ذوي الإعاقة والمحليات وتقويم أداء الحكومة بشأن القضايا المجتمعية كالانفجار السكاني وزيادة معدل الفقر وغيره الكثير، بما لا يعطي أي مبرر مقبول لتجاهل الدور الحقيقي للأحزاب والتحول التدريجي إلى الجمعيات الخيرية ومنظمي الحفلات.
أعلم أن الممارسة السياسية من الأفضل ألا تكون برقيب عليها ينظمها ويحدد أدورها، وأن خطوات النظام في التدخل بشئونها نابع من رغبة في إصلاحها، خاصة بعد فترة طويلة من تواجد الأحزاب الكرتونية، ولكن ما تمارسه الأحزاب الآن يخرجها من توصيف الكرتونية إلى آخر أسوأ منه بكثير وينذر بمستقبل سياسي غير مطمئن.
فالتغيير الذي تفرضه تصرفات الأحزاب على مفردات العملية السياسية من إقامة حفلات والحشد لحضورها وتبوء دور الجمعيات الخيرية، أصبح تغير صادم مقلق يصيب المنظومة في مقتل ويعكس حالة من عدم الوعي والإلمام بالدور الحقيقي لها والذي بدون الاهتمام به وتفعيله والمحاربة في سبيل الحفاظ عليه لن نصل إلى الانفراجة المطلوبة في السياسة.