الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«اوعوا يوصلوا للفيلا دي».. كواليس مثيرة لآخر 6 ساعات في حكم مبارك

الرئيس نيوز

كان الانفجار قد حدث غير أن الجميع خشى أن يتطور الأمر إلى نتائج كارثية. الملايين في الميادين والشوارع عازمون على التوجه إلى القصر الجمهوري، والرئيس وأسرته يعاندون لتأجيل اللحظة المحتومة.

ساعات مثيرة ومصيرية عاشتها مصر كلها، ودوائر السلطة على الأخص، وتحديدا الرئيس الأسبق حسني مبارك، في مثل هذا اليوم، 11 فبراير، قبل 9 سنوات، عندما لم يجد مفرا من أن يترك الكرسي الذي ظل جالسا عليه طوال 30 سنة.

كواليس الساعات الست الأخيرة من دولة "مبارك"، منذ مغادرته القاهرة في الظهيرة، وحتى إذاعة الخطاب في السادسة مساء، لها روايات عديدة، قد تختلف قليلا في التفاصيل لكنها تتوافق في الخطوط العريضة، وهي أن الرئيس الأسبق بدا أنه يعاند التيار بلا فائدة، ليؤجل لحظته الأخيرة ليس أكثر.

في السطور التالية نستعيد ما رواه الإعلامي عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع التلفزيون وقت الثورة، في كتابه "الأيام الأخيرة لنظام مبارك"، والذي صدر عام 2012.

 

مبارك في طائرة شرم الشيخ وقت صلاة الجمعة

يقول المناوي إنه في منتصف يوم 11 فبراير، عندما كان الشعب منهمكا في صلاة الجمعة، "استقل الرئيس طائرة هليوكوبتر من القصر الرئاسي إلى مطار النزهة، ومن هناك استقل طائرة رئاسية إلى مقر إقامته في شرم الشيخ".

ويضيف أن "مبارك" قبل أن يغادر تحدث مع نائبه عمر سليمان، في القصر الرئاسي، وسأله الأخير: "هل أنت بحاجة إلى أي ضمانات؟"، فأجاب: "لا".

عاد عمر سليمان ليعرض على رئيسه هذا العرض: "هل أنت بحاجة للذهاب إلى الخارج، إلى أي مكان؟"، فكانت الإجابة أيضا "لا". لكن نائب الرئيس فتح أمامه بابا الاختيار قائلا: "لديك بعض الوقت للتفكير في الأمر إذا كنت تريد أن تفعل أي شيء آخر. بعض الوقت. أيام".

سافر "مبارك" إلى مدينته المفضلة شرم الشيخ بمفرده، لم ترافقه زوجته "سوزان" ولا نجلاه "علاء وجمال". بمجرد وصوله، في الواحدة والنصف ظهرا، أجرى مكالمة هاتفيه أعلن فيها مصيره الذي لا فرار منه.

يحكي عبد اللطيف المناوي: "اتصل بوزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي. كانت مكالمة قصيرة قال خلالها: "حسين قررت أن أفوِّض المسئولية كاملة لك وللجيش.. أنت صاحب السلطة الآن".

وبعد كلمات قصيرة من "المشير" بدت بروتوكولية ربما، أضاف مبارك: "هذا قراري. تحدث مع عمر سليمان ورتبوا كيفية إعلان هذا النبأ. خلي بالك من نفسك يا حسين".

يوضح "المناوي": "كان مبارك يريد بيانا قصيرا؛ لذا جلس سليمان مع طنطاوي لكتابته معا. عندما انتهوا، قرأوه على مبارك في التليفون، وقد طلب منهم مبارك التأكد من دستورية وقانونية هذا الانتقال للسلطة. فلم يرد التسبب في أي مشكلات لاحقا".

 

سبب اختيار عمر سليمان.. وكواليس نقل الشريط إلى ماسبيرو

وقع الاختيار على اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، لإلقاء الخطاب. وبحسب المؤلف، فإن هذا جاء "لكي لا يعطوا الانطباع أن الرئيس تم عزله بانقلاب عسكري".

تم تسجيل الخطاب القصير في أحد مباني القوات المسلحة، ثم كُلف اللواء إسماعيل عتمان، مدير إدارة الشئون المعنوية والمتحدث باسم الجيش آنذاك، بأن يحمله الشريط إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو".

كانت الخطابات السابقة أيام الثورة يحملها ضابط إلى "ماسبيرو"، لكن خطابا من هذه النوعية يحمل خبر تنحي رئيس الدولة، كان من الأهمية بمكان أن يحمله رتبة كبيرة في المجلس العسكري.

يصف المناوي لحظة وصول اللواء "عتمان" إلى مبنى التلفزيوين قائلا: "كان سعيدا ومفعما بالحيوية. كانت معنوياته مرتفعة أكثر من أي فترة أخرى خلال الأيام الماضية".

كان "عتمان" يرتدي الزي العسكري، بمعطفه الشتوي المميز، وفي جيب هذا المعطف كان يضع شريط تسجيل صغير لبيان التنحي، إذ كان يخشى أن يفقد الشريط في طريقه إلى المبنى، بعد أن اخترق حشود المتظاهرين حوله بصعوبة، لدرجة أنه ترجل من سيارته ووصل إلى المبنى سيرا على الأقدام.

قال عضو المجلس العسكري لعبد اللطيف المناوي: "قرر مبارك التنحي وعمر سليمان أعد هذا البيان. سأنتظر هنا بالشريط حتى تصلني أوامر بإذاعته".

 

كل شيء جاهز.. في انتظار مغادرة الأسرة

ماذا كان يؤخر مجئ الأوامر بإذاعة البيان إذن؟ كان الأمر أبسط مما قد يتخيل البعض، وهو انتظار مغادرة جمال وعلاء مبارك وأسرتيهما.

يشير "المناوي" إلى أنه قبل أن تغادر أسرة مبارك القصر الرئاسي، ذهب علاء إلى عمر سليمان ليسأله عما يفعلونه الآن. فأجابه سليمان: "خذ والدتك واذهب إلى شرم الشيخ".

ثم يروي: "انتظرنا، وكان (اللواء عتمان) يجري اتصالا مع المجلس كل بضع دقائق. ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تلقى نبأ وصول جمال وعلاء إلى المطار".

لكن هناك فرد مهم في الأسرة لم يكن استقل الطائرة بعد، إنها سوزان مبارك، والتي لم تحتمل ما يحدث، فرفضت ركوب الطائرة وهرولت إلى القصر من جديد، وتحديدا إلى "الفيلا" وهو مكان يبدو أنه كان خاصا للغاية بالنسبة لأسرة الرئيس الأسبق.

يقول "المناوي": "كان الغموض يكتنف هذه الفيلا، فلم يكن باستطاعة أي شخص دخولها، لم يكن يُسمح للمستشارين والمسئولين بدخولها. حتى أن الحرس كان ينتظر بالخارج لدى وجود العائلة بالفيلا، كان مكانا غاية في الخصوصية".

 

انهيار سوزان.. 3 ساعات لتهدئة "الهانم"

 في ماسبيرو، قال اللواء عتمان الذي كان ما يزال منتظرا أمر بث الخطاب، إن إحدى السيدات ربما تكون نسيت إحدى متعلاقتها من ذهب أو فستانها المفضل أو شيئا من هذا القبيل.

لكن تفاصيل الصورة كانت أكثر درامية من ذلك. يكشف مؤلف الكتاب: "سوزان مبارك رفضت مغادرة الفيلا لأكثر من ثلاث ساعات، فقد انهارت من الحزن الشديد على فقدانها للحياة التي اعتادت عليها، حيث انهار العالم من حولها وهو ما فاق قدرتها على التحمل؛ إذ تم العثور عليها منهارة على الأرض تبكي وتعجز عن السيطرة على نفسها أو الوقوف على قدميها. ولكن الجنود اخترقوا البروتوكول، وعثروا عليها في الفيلا وهي على الأرض محاطة بكل حُليها وذكرياتها".

ويتابع: "همّ الحراس على مساعدتها على الوقوف، واتكأت على كتف ضابط شاب، حيث حملوها داخل المنزل، وقد بللت دموعها أكتافها وهي تلتقط مقتنياتها القريبة إلى قلبها".

ويلفت رئيس قطاع الأخبار الأسبق، إلى أن سوزان مبارك في خضم حزنها الشديد ظلت تردد مرارا وتكرارا بدون توقف عبارة "كان لديهم سبب"، في إشارة إلى المتظاهرين.

كانت سوزان مبارك في حالة صعبة للغاية، ويبدو أن هذه "الفيلا" كانت عزيزة عليها للغاية، إذ راحت تناشد الحرس قائلة: "هل تعتقدون أنهم قادرون على الوصول إلى هنا؟ من فضلكم لا تسمحوا لهم بالوصول إلى هنا، لو سمحتم لا تسمحوا لهم بتدميرها، لو سمحتم يمكنكم البقاء هنا في الفيلا.. لو سمحتم احموها".

يستكمل "المناوي": "بعد ثلاث ساعات، تمكن الحرس من التعامل معها وتهدئتها بشكل كاف لتتمالك نفسها؛ حيث مسحت دموعها ورتبت ملابسها وتوجهت إلى الباب بعد أن ألقت نظرة أخيرة على الفيلا، وركبت السيارة متوجهة إلى المطار".

طوال هذه الأثناء، كان "المناوي" جالسا مع اللواء عتمان في انتظار صدور الأوامر بإذاعة الشريط. يعلق بشيء من السخرة المُرّة: "وعلى الرغم من أن أحدا لم يكن يعلم ذلك، إلا أن الأمة بأكملها كانت في انتظار سوزان مبارك وهي تنتحب في قصرها الخاوي!".

عندما وصلت سوزان مبارك في النهاية إلى المطار تمهيدا لأن تلحق بزوجها في شرم الشيخ، وصلت تعليمات إذاعة الشريط، فاتجه اللواء عتمان مع "المناوي" إلى غرفة التحكم في "ماسبيرو"، وهناك سلك عضو المجلس العسكري الشريط لأحد العاملين سريعا، وأذيع البيان الذي كانت مدته 37 ثانية على المصريين.

"أيها المواطنون.. في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد. والله الموفق والمستعان".