الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تحطمت زينة عيد ميلاد فاروق.. مشاهد من مظاهرات "مذبحة كوبري عباس"

الرئيس نيوز

10 آلاف تظاهروا اعتراضا على المفاوضات مع إنجلترا.. المئات ألقوا بأنفسهم في النيل.. والنقراشي أغلق الجامعة


كان الآلاف من الطلبة الغاضبين على المفاوضات بين مصر وبريطانيا في طريقهم من جامعة القاهرة بالجيزة إلى قصر عابدين بوسط العاصمة، وأثناء مرورهم على كوبري عباس انفتح الكوبري فجأة، بينما طوقتهم قوات البوليس من الخلف، فسقط المئات في النيل.

هذا المشهد واحد من المشاهد البارزة في التاريخ المصري، وتحديدا في مثل هذا اليوم، 9 فبراير، عام 1946، بدأه الطلبة ثم انضم إليهم العمال، ليجسدوا نضال الشعب المصري من أجل الحرية والاستقلال.

تفاصيل الحدث المعروف باسم "واقعة كوبري عباس"، نستطيع أن نتعرف عليها وعلى أسبابها ودلالاتها من كتاب "انتفاضات أم ثورات في تاريخ مصر الحديث"، للدكتور محمد حافظ دياب، والصادر عام 2011.

كانت مقدمات التظاهرات في أواخر عام 1945، عندما أعلنت حكومة الائتلاف بين حزبي السعديين والدستوريين، بدء المفاوضات مع بريطانيا في 20 ديسمبر من ذلك العام، إذ سلم سفير مصر بلندن في ذلك اليوم مذكرة من الحكومة المصرية، تطالب بالدخول في مفاوضات بين الدولتين، وإعادة النظر في معاهدة 1936.

جاء رد بريطانيا بعدها بشهر، قائلة إن هدف المفاوضات سيكون "استمرار الارتباط بين البلدين، وإدخال مصر في سياسة التكتلات، والإبقاء على قواعدها العسكرية في مصر والسودان".

هكذا كان الجواب البريطاني مستفزا للشباب الذين يطمحون في رؤية بلادهم حرة مستقلة، لا يدوس أرضها جندي إنجليزي، ولا يتحكم في سياستها مندوب سامي.

من هنا، استنفرت القوى الطلابية، وخاصة اليسارية منها، بالتعاون مع طليعة حزب الوفد، وشكلوا لجانا منهم لدراسة الموقف، حتى جاء اليوم الذي خلده التاريخ.

في 9 فبراير 1946، عقد الطلبة مؤتمرا عاما في جامعة القاهرة، حضره قرابة عشرة آلاف طالب، وقروا رفض المفاوضات المزمع عقدها بين مصر وبريطانيا لترسيخ الاحتلال، ثم قرروا الخروج في مظاهرة كبرى إلى قصر عابدين، لرفع مطالبهم إلى الملك، والتي تمثلت في ثلاث مطالب هي: المفاوضات الدائرة، وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 الخاصتين بالسودان.

يصف المؤلف المشهد قائلا: "لكي يصلوا من الجيزة إلى القاهرة، كان عليهم أن يعبروا كوبري عباس، الذي قام البوليس بفتحه أثناء مرورهم فوقه، ثم مهاجمتهم من الخلف، مما أدى إلى إلقاء مئات منهم بأنفسهم في النيل، وجرح أكثر من مائتي طالب، منهم أربع وثمانون أصيبوا إصابات خطيرة".

وقتها أخذت الهتافات تدوي فوق الكوبري المفتوح المحاصر من البوليس: "لا بارود ومدافع رشاشة ولا خفنا عذاب في جهاد باهر.. ننصاب برصاص نربط شاشة ع الجرح ونرجع نتظاهر".

كان الحدث أكثر من أن ينتهي في يوم واحد، إذ اهتزت مصر كلها آنذاك. و"تفجرت المقاومة في كل مكان، حيث استشهد في اليوم التالي ثلاثة في الإسكندرية وثلاثة في الزقازيق وواحد في المنصورة، وقام الطلبة بتحطيم الزينات المعلقة على الجامعة بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق، وانتزعوا صورته وداسوها بالأقدام، وتضامن معهم أعضاء هيئة التدريس".

في اليوم التالي، ردت حكومة محمود فهمي النقراشي بإغلاق الجامعة لأجل غير مسمى، لكن المظاهرات استمرت هاتفة "لا ملك إلا الله"، وبعد يومين خرجت مظاهرة شعبية بالإسكندرية احتجاجا على مذبحة كوبري عباس، اشتركت فيه فئات واسعة من الجماهير وطلاب المدارس، واستشهد طالب في المرحلة الابتدائية.

وخلال أيام، كانت المظاهرات المنددة بواقعة الكوبري، والمطلبة بالاستقلال، تنتشر في كل أرجاء مصر، فسقطت حكومة النقراشي في 15 فبراير، لتأتي بعدها حكومة إسماعيل صدقي الثالثة.

أفرزت المظاهرات بعد بيومين، اللجنة الوطنية للطلبة، التي أعلن عنها الطلاب في أحد مدرجات كلية الطب بجامعة القاهرة، وأصدرت ما عرف بميثاق 17 فبراير، وكان ينص على الجلاء التام، وتدويل القضية المصرية لنيل الاستقلال، والتحرر من العبودية الاقتصادية نظرا للأوضاع المتردية للعمال بعد الحرب العالمية الثالثة، الأمر الذي ترتب عليه بعد أيام إضراب يوم 21 فبراير الذي أصبح معروفا بـ"يوم الطالب المصري".