السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

طارق العوضي يكتب: رحلتي من الزنزانة إلى روب المحاماة (5)

الرئيس نيوز

إحنا أعضاء "الناجون من النار"... قال المنادي هذه الجملة فسقطت أرضا من فوق الشباك وصرخ رفاقي في الزنزانة "يا نهار إسود.. يا نهار إسود"،
أخذ المنادي ينادي علي بعد سقوطى أرضا: "يا أخ طارق.. يا طلبة"، إلا أننا جميعا كنا قد أخذنا القرار بعدم الرد عليه بعد ذلك.
انتابني ورفاقي حالة من الرعب الحقيقي وتصورنا أن الزنزانة ملغمة بالكاميرات وأجهزة التسجيل وأنهم بذلك قد سجلوا لنا وصورونا ونحن نتحدث من خلال شباك الزنزانة مع أحد أعضاء تنظيم الناجون من النار الذين ارتكبوا في منتصف الثمانينات عمليات إرهابية كبرى مع بدايات تنامي قوة ونفوذ الإسلام السياسي في مصر واستخدامه العنف والإرهاب في مواجهة الدولة واغتيال ومحاولة اغتيال العديد من رجال الدولة والساسة والشخصيات العامة والكتاب والمفكرين.
 وقد وصل بهم الأمر في هذا التوقيت إلى السيطرة على محافظات ومناطق بأكملها سواء بالصعيد مثل محافظة أسيوط وفي قلب القاهرة والجيزة في عين شمس وإمبابة على وجه التحديد.
ورغم أني كنت في بدايات تكويني الفكرى وعلاقتي بالسياسة إلا أنني منذ الوهلة الأولى كنت أحمل عداء شديد لفكرة استخدام العنف في مواجهة الخصوم السياسيين وهو ما ترسخ عندي بعد ذلك في العديد من المواجهات الفكرية مع الإسلام السياسي بوجه عام والتي كانت سببا في اتهامي بالكفر والإلحاد والعلمانية من جانبهم.
مضى الأسبوع الأول داخل الزنزانة ودون أن يتم فتحها لأي سبب من الأسباب، كان الطعام داخل السجن إما فول أو عدس وخبز وأرز شديد الرداءة ولم تكن لدينا وقتها ثمة خبرات في كيفية تحسين هذا المسمى (التعيين) ولم تكن لدينا أي نقود لما يسمى بالكانتين حتى نستطيع شراء أطعمة منه.
في نهاية هذا الأسبوع داخل هذه الزنزانة لا نعلم شيئا عما يحدث بالخارج ولا نتواصل مع العالم على الإطلاق إلا من خلال إذاعة السجن.
وإذاعة السجن هذه كان يقوم بها أعضاء الجماعة الإسلامية المحبوسون وقتها على ذمة قضية أحداث عين شمس وهم مجموعة من تنظيم الجهاد شديدي العنف والتجهم وكل شيئ لديهم حرام.
سمعتهم مرة يتناقشون حول تحريم ترك الخيار داخل المنزل سليما حيث يمكن للزوجة أن تستخدمه في أغراض جنسية لأنه قد يثير شهوتها وأن الأفضل تقطيعه إلى شرائح.

لم تكن لنا أي تحركات إلا داخل الزنزانة التي تبلغ مساحتها حوالي 3 أمتار في 6 أمتار بخلاف الحمام.
اكتشفنا في نهاية الأسبوع الأول لتواجدنا داخل الزنزانة أننا أصبحنا لا نقوى على الوقوف أو المشي وأننا أصبحنا نزحف على أيدينا وأرجلنا عندما نرغب في التحرك وأخبرنا أحد زملائنا أننا قد نصاب بتيبس في المفاصل وأنه يجب أن نمارس رياضة الجري في المكان وبعض التمارين والألعاب السويدي، وكانت هذه أولى خبراتنا في السجن.

مع بدايات الأسبوع الثاني كنا قد بدأنا في اعتياد الأماكن والأشخاص وكيفية النداء على الشويش المسئول عن العنبر وبدأنا نتعايش مع الواقع الجديد وعرفنا مواعيد الزيارة ومواعيد الجلسات ومواعيد النداء على الإفراجات وكان كل ذلك يبدأ دوما بالنداء من بهو السجن بعبارة (عنبر.. كله يسمع).
بعد مرور عشرة أيام بدأوا في السماح لنا بالخروج من الزنزانة لمدة ساعة واحدة داخل حوش العنبر وفي أول يوم للزيارة التقينا بمجموعة من الشباب الذين بدا عليهم من الوهلة الأولى الود والحب نحونا قاموا بالنداء علينا وتعريفنا بأنفسهم.
أنا ياسر عبدالجواد (محام) وأنا محمد منيب (محام) وأنا محمد الغمري (محام) وأنا دكتور أحمد الصاوي أستاذ بكلية الآثار.
كانوا 4 محبوسين انفراديا في القضية المعروفة وقتها بقضية التنظيم الناصري المسلح والتي قضي فيها لصالحهم بعد ذلك ببراءتهم إلا أنه كان يسمح لهم بالفسحة وبالزيارة وكانت أول مرة نتذوق فيها الأكل الملكي بعيدا عن تعيين السجن الميري وكم كان لذيذا ورائعا وكان هذا هو الدرس الثاني لنا في السجن (عندما تصبح للأشياء البسيطة معنى عظيم) 
وللحديث بقية..