الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كيف تغيّرت شخصية الرئيس؟ «2»..

خطاب السيسي.. عاطفة مستمرة وصراحة صادمة وندّية أمام الغرب

الرئيس نيوز

مع تولي عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية، وكسره حاجز الصمت بينه وبين الشعب، وجهت انتقادات قاسية حول خطابه الارتجالي الذي يتحدث فيه بأريحية وبعبارات تلفقتها ماكينة السوشيال ميديا بالسخرية تارة وبالنقد مرات.

بعض الناصحين أوصوا بضرورة تلقى السيسي "كورسات مكثفة" فى الخطابة، فخطاب الرئيس جزء أصيل من بناء صورته الذهنية لدى الجمهور سواء المحلي أو الدولي، وهي النصيحة التي لم تلق قبولا لديه، فقد شعر بعدم ارتياح لوضع حواجز خطابية مفتعلة بينه وبين جمهوره من الناس، واعتاد أن يلقى الكلمات البروتوكولية المكتوبة، قبل أن يزيح الأوراق جانبا ويبدأ في الحديث "باللهجة العامية".

مع مرور الوقت أصبحت لغة الجسد والخطاب للسيسي أكثر انضباطا، مع تضاعف مرات ظهوره وتعدد كلماته التى باتت بشكل شبه أسبوعي خلال افتتاحات المشروعات أو الجولات التفقدية، أصبح السيسي أكثر ارتياحا أمام الكاميرا سواء في حواره مع المسئولين الحاضرين أو خلال كلماته الموجهة إلى الشعب، ليمازح الحاضرين أو الجمهور الذى يتابعه أمام شاشات القنوات.

صراحة صادمة رغم تحفظات الأجهزة السيادية
من تصريح كشوف العذرية في 2011 إلى الرد على اتهامات المقاول الهارب محمد علي في 2019، ما زال السيسي محتفظا بصراحته الصادمة، رغم تحفظات الجهات السيادية على بعض ما يدلي به.
أول من اعترف فعليًا بإجراء كشوف العذرية، في حواره مع أمين منظمة العفو الدولية؛ لحماية الجيش من مزاعم الاغتصاب التي قد تلحق بالجنود بعد الإفراج عن المحتجزات.
"الأجهزة نصحتني بعدم الكلام.. لكن ثقتكم في تستوجب الرد - كل إنجاز تحققه مصر يقابله إجراء إما إرهاب أو تشكيك - الضربة هذه المرة موجهة للثقة.. ولن تنجح".
"عملت قصور وهاعمل "، لم يحاول السيسى أن يتملص من بناء قصور واستراحات رئاسية وهي التي اعتمدت عليها الجماعة في الهجوم على ولكنه قرر أن يقلب الطاول ويتباهى ببناء مصر الحديثة.

"العاطفة" تسيطر على خطاب السيسى.. وتصاعد نغمة الندية في مواجهة الغرب
ما زالت النغمة العاطفية تصاحب خطاب الرئيس، فهو صاحب العبارة الشهيرة، "انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا ايه"، "لو سمحتم متسمعوش كلام حد غيرى، أنا عارف مصر وعلاجها، لو سمحتوا متسمعوش كلام حد غيري، أنا لا بكذب ولا ليا مصلحة غيرها، أنا فاهم أنا بقول إيه”. في كلمته أثناء تدشين 2030 (فبراير 2016)
"جبرتم بخاطرى وخاطر مصر" ( إبريل 2019)، خلال احتفال مصر بعيد العمال بقصر التين بالإسكندرية، تعليقا على المشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
ابنكم شريف "لكل أم كبيرة مصدقاني وبتدعي، وكل راجل كبير مصدقني وبيدعي؛ ابنكم إن شاء الله شريف ومخلص". فى معرض رده على اتهامات للمقاول الهارب محمد على سبتمبر 2019.
 كما أصبحت لغة الخطاب الدولى لغة أكثر رقيا، مدعومة بنغمة أكثر وضوحا  وتطرح وجهة النظر المصرية فيما يتعلق بالشأن الإقليمي بشكل أكثر قوة، وأقل موائمة.
كما جاهر الخطاب المصرى على لسان السيسي بأن الحلول فى إفريقيا لابد وأن تكون أفريقية أفريقية.   
مع أحداث 30 يونيو 2013، اتخذت دول غربية موقفا متشددا مما يدور من أحداث شككت فى حقيقة ما يحدث من كونه بإرادة شعبية أو مدعومة عسكريا، الأمر الذى وضع مصر تحت وطأة دولية  انعكست فى الخطاب المصرى الذى حمل على كاهله عبء الدفاع عن حقيقة ما وقع من أحداث.
إلا أنه بعد مرور 6 أعوام كاملة أعيد فيها انتخاب السيسى لدورة رئاسية ثانية  بإرادة شعبية وبمتابعة دولية، فإن أولويات الخطاب المصرى قد تغيرت، وارتفعت نغمة الندية فى  خطاب السيسى فى مواجهة الخطاب الغربى. وقد ظهر ذلك فى عدد من مقابلات السيسى بشبكات غربية، أبرزها لقاء بثته شبكة سي بي إس الأمريكية، وتساءل مقدم البرنامج عن السبب وراء عدم القضاء على المتشددين في سيناء رغم تلقي مصر مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة مليار ونصف دولار، فأجاب السيسي بسؤال قائلا "ولماذا لم تستطع الولايات المتحدة القضاء على الإرهاب في أفغانستان طوال 17 عاما أنفقت فيها تريليون دولار أمريكي".
وفي مطلع العام الحالي أثناء المؤتمر الصحفى المشترك للسيسى ونظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، رد السيسى على الانتقادات حيال أوضاع حقوقية فى مصر، قال الرئيس السيسي "نحن لسنا كأوروبا ولسنا كأميركا".
وأضاف موجها حديثه لصحافي فرنسي سأله عن حقوق الانسان "لا تنسى أننا نتحدث عن منطقة مضطربة ونحن جزء منها". ووجه السيسي سؤالا الى الصحافي الفرنسي قائلا "ماذا كنتم تستطيعون أن تفعلوا لنا لو أن حربا أهلية قامت في مصر؟".
وتابع أن "القضايا في مصر مختلفة تماما عن (الطريقة) التي تفكرون فيها".  وقال الرئيس "أنتم مطالبون بأن ترونا بالعيون المصرية وليس بالعيون الأوروبية".

الدكتور محمد سعد إبراهيم أستاذ الصحافة، وعميد المعهد الدولى العالى للإعلام بالشروق، قال إن هناك ملاحظة جوهرية يكشفها تحليل الخطاب السياسي للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الـ7 سنوات الأخيرة:
  • اختلف الخطاب السياسي في محتواه ونبرته باختلاف السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وإن كان الطابع الغالب في مراحل الفترة الانتقالية والولاية الأولى والولاية الثانية هو الخطاب العاطفي الارتجالي العامي.
  • تنوعت وتعددت استراتيجيات التخاطب وتطورت مع كل مرحلة حيث برزت استراتيجية التوحد التعبوي وطلب المساندة الشعبية في المرحلة الأولى في حين غلب على المرحلتين الثانية والثالثة الخطاب الهجومي القائم على استراتيجية الدفاع والهجوم معاً عبر نبرة التحدي الواثقة.
  • تعددت القضايا البارزة في الخطاب الرئاسي حيث تصدرت قضية التآمر على إسقاط الدولة، تلتها قضية الإرهاب، ثم الاصلاح الاقتصادي، والإنجازات القومية.
  • تمثل المسكوت عنه في الخطاب الرئاسي في ملابسات ثورة 25 يناير، والحريات السياسية، وأولويات المشروعات القومية.
  • اتسم الخطاب الرئاسي في أعقاب 30 يونيو 2013 نبرة تعبوية عاطفية استعانت بمفردات الرئيس جمال عبدالناصر ليتحول قطاع من المواطنين من حالة الغضب والسخط إلى تقدير وتفهم لموقف الدولة وهي تجابه أخطار وتحديات جسام.

  • وركز الخطاب في البداية على طلب المساندة الشعبية عبر دعوات التفويض الشعبي واستثمار حالة الاستقطاب السياسي التي عمقتها حملات القنوات الفضائية المعادية لمصر. وارتبط خطاب التفويض والمساندة بعلو النبرة الإنسانية التي تعكس رغبة القيادة في الحنو علي شعبها وتبشيره بغد أفضل وكما عكس الخطاب الخلفية العسكرية للقائد المخلص تم استحدام لغة الجسد ونظرات العين الحادة والقوية أحياناً والعين الحانية الباكية أحياناً أخرى بجانب حركات اليد المعبرة عن القوة والثقة والداعية للتوحد في مجابهة أهل الشر.
  • مع الولاية الثانية، تطور الخطاب ليأخذ مسارات جديدة عبر المكاشفة والمصارحة الصادمة وإدراك جسامة ما يواجهه الشعب في إطار شبه دولة فقيرة ليس لديها موارد تفي بوعود الانفراجة وتحسن الأحوال.
  • وتعلو نبرة الخطاب الهجومي التهديدي وتكرار مفردات (أنا) و(لست سياسياً) و(ماتسمعوش لحد غيري) و(ماضيعتكوش قبل كدة علشان أضيعكوا تاني) و(اللي حيقرب منها ح أمسحه من على وش الأرض) و(اللي حصل من 7 سنوات مش حيتكرر تاني) و(لن أتركها إلا بانتهاء مدتي أو حياتي) وكلها مفردات أبوية سلطوية تعكس عمق المخاوف من مؤامرات وتهديدات تستهدف إسقاط الدولة.
  • وإذا كان الخطاب الإنشائي العاطفي الذي يخلو من كشف الحقائق قد حاول جاهداً في معالجة بعض الأزمات مثل أزمة حلايب وشلاتين وأزمة سد النهضة وأزمة تعديل الدستور فإن خطاب الإنجازات جاء مختلفاً ومدعماً بالأرقام مؤكداً إنفاق 4 تريليون جنيه على آلاف المشروعات تنوعت بين عاصمة إدارية جديدة واستصلاح أراضي وإسكان وأنفاق وموانئ وطرق وتأمين صحي ومزارع سمكية.
  • ويعكس الخطاب الرئاسي بمحتواه وتوجهاته أزمة الإعلام المصري الذي تراجع دوره وتآكلت مصداقيته لينهض الرئيس نفسه بالخطابين السياسي والإعلامي الأمر الذي يلقي بأعباء ثقال تخرج عن نطاق مهام رئيس الدولة الذي بات عليه أن ينهض بها في غياب ظهير إعلامي وسياسي قوي وذو مصداقية.
  • أما الخطاب الرئاسي المواجه للخارج فقد ركز في أعقاب 30 يونيو على معالجة أزمة الشرعية السياسية وتصحيح الصورة من خلال تأكيد استجابة الجيش لإرادة الملايين. وارتبط هذا الخطاب بإزالة المخاوف والشكوك الغربية وإعادة دمج مصر في النظام الدولي من خلال الربط بين الدور المصري في مكافحة الإرهاب بالتوجه الأمريكي الأوروبي لوصم الإسلام السياسي بالإرهاب وهكذا تماهي الخطاب الرئاسي في تحذيره من فوبيا الإخوان تلك الجماعة الإرهابية من عبائتها مع الخطاب الغربي المروج لفوبيا الإسلام السياسي.

  • خطاب ما بعد الولاية الثانية 
وتطور الخطاب بعد الولاية الثانية ومع التقارب والاندماج في النظام الدولي وترحيبه بالدور المصري في مجابهة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في منظقة الشرق الأوسط وهنا يبرز خطاب جديد يؤكد تصدر مصر لمجابهة الإرهاب نيابةً عن الغرب والعالم.
ويتزامن هذا الخطاب الجديد مع سلسلة من العمليات الإرهابية خلفت آلاف الشهداء والمصابين من ضباط وجنود الجيش والشرطة الأمر الذي عزز كثيراً من مصداقية الخطاب وألقى بظلاله على الحملات الانتقادية لملف حقوق الإنسان المصري.

خطاب حقوق الإنسان
ويختلف الأمر مع حقوق الإنسان في نغمة الخطاب ومفرداته فيركز الخطاب الرئاسي على خصوصية الحالة المصرية ورفض تلقي الدروس والتوجيهات من الغرب ومنظماته، فالحق في السكن والصحة والتعليم والأمن لا يقل أهمية عن الحقوق والحريات السياسية، غير أن الخطاب الإنساني الذي تعوزه الحقائق وتفنيد ما يذاع عن عدد المعتقلين وحالات الاختفاء القسري لم ينجح في تصحيح الصورة بالقدر الذي نجح به الخطاب المتعلق بالإرهاب.

وبوجه عام، فإن ما حدث من تطور إيجابي كبير في العلاقات المصرية الأمريكية والمصرية الأوروبية قد تجاوز بكثير تهافت خطاب حقوق الإنسان، لتتراجع نبرة النقد الرسمية وتنسحب لأورقة المنظمات الحقوقية الدولية وتبقي الصورة علي ما هي عليه كلما صدر بيان أو تقرير جديد، الا أن لغة المصالح المشتركة أسهمت إلى حد كبير في إزالة العديد من المخاوف والشكوك وتهدئة نبرة النقد لحالة حقوق الإنسان.