الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

الدكتور طارق فهمي يكتب: القيم الأخلاقية في توجهات الرئيس السيسي

الرئيس نيوز


تفرَّد الرئيس السيسي من بين قادة وزعماء مصر التاريخيين، بأنه يتحدث وبصورة مباشرة إلى الرأي العام المصري والعربي، بدون مواربة أو تجمل أو انتهاج مبادئ "مكيافيلي" في كتابه السياسي الشهير "الأمير"، ونصائحه إلى الحاكم، يتحدث الرئيس بشفافية كبيرة وصراحة مباشرة وهو ما لم يكن يحدث من قبل لدى رؤساء وزعماء مصر الذين كانوا يتوارون وراء تصريحات مُعدة سلفاً، ومن خلال أوراق ومواقف مسبقة لهذا ظهر هيكل إلى جوار الرئيس جمال عبد الناصر، والذي ظن في مراحل معينة أنه ظل للرئيس، وبنى لنفسه هالة إعلامية ضخمة باعتباره خبيراً للسلطة وللحكم، وبات يعرف صحفياً أنه نبي الصحافة المصرية، واعتمد على سلسلة وثائق الدولة في العديد من مؤلفاته، وظل كاتب الرئيس ناصر، وتنافس موسى صبري وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين  وإبراهيم سعده، وآخرون على عقل الرئيس السادات، وكانت مصر فياضة بكتابها ومفكريها المحترفين في الإعلام والسياسة والأدب والثقافة، وهو ما استمر في عهد مبارك لبعض الوقت، وكانت هناك شخصيات صحفية كبيرة كتبت وعلقت وشاركت في إثراء الحياة السياسية والإعلامية إضافة لبعض السياسيين المحترفين من أمثال أسامة الباز ومصطفي الفقي وعمرو موسى ونبيل فهمي ونبيل العربي  وإبراهيم نافع، واليوم تغيّر الموقف وأصبح الرئيس السيسي وحده يتحدث ويبادر ويصرح ويقوم بمهام الرئيس والموجِّه، لينقل الصورة بنفسه إلى الرأي العام، وغاب من المشهد السياسيون المحترفون بالمعني المتعارف عليه، وظهرت شخصيات تكنوقراطية كل في تخصصه، في هذه الأجواء تفرد الرئيس السيسي في طرحه ورؤيته التي بناها وفقاً لرؤيته،  باعتباره رجل دولة بمعنى الكلمة، تدرج في أعلى المناصب قبل أن يتولى مهامه الرئاسية، لهذا عاشت بعض كلمات وتصريحات الرئيس السيسي، ومنها على سبيل المثال "مسافة السكة"، ما يؤكد أن الرئيس تحدث ونقل رسائله مبكراً، ووضع النقاط فوق الحروف، وهو ما يتكرر عندما يتحدث بلغة الأرقام ويسبق في هذا الأمر محافظون ووزراء  مسئولون، وهي ميزة إيجابية لم يشابهه فيها أحد من الرؤساء المصريين السابقين، وتؤكد على ملكات خاصة، يتحدث الرئيس السيسي عن الشرف في التعامل الدولي، والأخلاقيات في العلاقات الدولية والنظم السياسية، واحترام القانون الدولي والحقوق التاريخية والأعراف السياسية والاجتماعية، مؤكداً أنه لن يفرض على مصر خياراً أو يتم تشغيل سد النهضة وفقاً لسياسة الأمر الواقع والإشارة هنا واضحة تماماً وتنقل رسالة إلى الجانب الأثيوبي.

وربما كان علم السياسة يقوم على المكر والدهاء والحيل والمؤامرات (التعريف الأولي لعلم السياسة باعتباره فن الممكن والمستحيل) إلا أنه وأيضا- وفي المقابل - للدول مسئوليات أخلاقية وممارسات مسئولة  ومشروعة، فمصر على سبيل المثال لها قيم وأصول ومبادئ في سياستها ومنها عدم احتلال أي دولة أو شن حروب عدائية أو السطو على  حقوق دول جوار ونجدة الأشقاء والأصدقاء، وهو ما تم في مراحل متعددة عبر التاريخ السياسي المعاصر، عندما هبّ المصريون لاستعادة ودعم التحالف الدولي لإخراج قوات النظام العراقي من الكويت، كما أعلن الرئيس السيسي أنه إذا تعرَّض أمن الخليج للخطر،  فإن مصر لن تتردد لحظة في دعم أشقائها في الخليج والدفاع عن أمنها.

 إنها الثوابت العظيمة والراسخة  للدولة المصرية والتي يحرص الرئيس السيسي على العمل بها والتأكيد عليها وعدم الانشغال بمبادئ نظرية، ولهذا يسن الرئيس السيسي قيماً جديدة في السياسة والتفكير السياسي، وهو ما يتطلب تفهم أبعادها جيداً عندما يتحدث على سبيل المثال عن حقوق الإنسان،  ولا يقصرها على الحقوق السياسية فقط، بل يركز على سائر الحقوق الأخرى، والتي لا تقل أهمية عن الحقوق السياسية التي يراها الغرب فقط الجديرة بالتناول.

يتحدث الرئيس السيسي بلغة سياسية جديدة تماماً عندما يشرح ويحلل ويقيم المواقف والاتجاهات، ولا يتوقف عند مفهوم جامد أو تعبير مطلق، ولهذا تميزت تصريحاته وخطابه السياسي والإعلامي بالمصداقية الكاملة لدى القطاعات العريضة للشعب المصري، الذي يتوجه له الرئيس مباشرة بهدف إعلامه عما يجري، وفي ظل غياب الأطر، والقنوات التي يمكن أن تقدم وتفسِّر وتعاون في شرح المواقف التي تحتاج لتناول ومعالجة عاجلة (سبق أن اشتكى الرئيس السيسي من ذلك ومذكراً بفترة الرئيس عبد الناصر)، وفي ظل صراع يجري على الجانب الآخر من ملاحقة مواقع التواصل الاجتماعي والجهات المعادية التي تبث أخباراً كاذبة ملفقة وغير صحيحة، ولا تتميز بالمهنية والحرفية.

سيظل الرئيس السيسي متمتعا بالمصداقية المسئولة التي يمكن أن يعبر عنها في تصريحاته وأحاديثه بعيدا عن القوالب الجامدة، والتي تنقل الصورة الحقيقية، وتجلي الغموض والضبابية في بعض الاحداث الداخلية والخارجية .