الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"سند وذُخر في معارك مقبلة".. 60 سنة على السد العالي مشروع القرن

الرئيس نيوز

- عبدالناصر يتغزل في السد: ليس مجرد حجر أصم.. لكنه نصب تذكاري لمعركة العرب

بعد أن اخترقت سيارته الطريق المؤدي إلى الموقع مصحوبا بهتافات المواطنين، تقدم جمال عبدالناصر برفقة الملك المغربي محمد الخامس ليزيح الستار عن اللوحة التأسيسية، ثم يبدأ تفجير الديناميت في الصخور إيذانا بإطلاق مشروع السد العالي.

حدث هذا المشهد في مثل هذا اليوم، 9 يناير، عام 1960، ليكتب تاريخ المشروع الذى حمى مصر من الفيضانات والجفاف ووفر طاقة كهربائية هائلة، وساهم في تنظيم الزراعة، ويبدو أننا سنكتشف فوائد أخرى له في أزمة سد النهضة الإثيوبي.

واستغرق بناء السد الحالي نحو 10 سنوات، إذ اكتمل المشروع في منتصف يوليو 1970، ثم افتتح رسميا في 15 يناير 1971. وبشهادة المؤسسات الإنشائية الدولية اختير السد العالي كأعظم مشروع هندسي في القرن العشرين متفوقا على 122 مشروعا آخر مثل مطار "شك لاب كوك" في هونغ كونغ، ونفق المانش الذي يربط بريطانيا بفرنسا.

في ذلك اليوم البعيد، 9 يناير 1960، ألقى "عبد الناصر" كلمة تأسيس السد العالي، بدأها قائلا: "أيها المواطنون: الحمد لله فهذا هو السد العالى؛ سدكم العالى الذى طال انتظاركم له وعملكم من أجله، هذا هو السد العالى الذى كافحت الأمة العربية كلها على اختلاف شعوبها لتراه يتحقق".

بعد ذلك حيّى "عبد الناصر" الملك محمد الخامس الذي شارك في الاحتفالية، مضيفا أن السد العالي يستحق كل الكفاح الذي بُذل من أجله "لا بسبب قيمته الذاتية فحسب، ولكن بسبب معناه كرمز لتصميم الأمة العربية كلها على أن تسير فى بناء وطنها الكبير المتحرر".

وتابع "ناصر": "إن الذين حاربوا - أيها الإخوة - ليحققوا الأمل، والذين كافحوا ليحولوا الأمل إلى حقيقة، والذين لم يرهبهم النار والحديد، لم يفعلوا ذلك كله لمجرد استخلاص مليون أو مليونى فدان من براثن الصحراء فحسب، ولا لمجرد الحصول على ١٠ ملايين كيلو وات من الكهرباء فحسب، وإنما فعلوا ذلك تحقيقاً لإرادتهم المستقلة التى انتزعوها انتزاعاً من قبضة الطغيان والاحتلال والاستبداد والسيطرة".

وما من شك - أيها الإخوة - أن الأرض الجديدة التى سنحصل عليها من السد العالى هدف بالغ الأهمية، كذلك ما من شك أن طاقة الكهرباء التى سنحصل عليها من السد العالى هدف آخر بالغ الأهمية، ولكن القيمة الكبرى للسد العالى هى قيمته كعزم وإرادة وتصميم، قيمته الكبرى أنه عزم أصر عليه أصحابه بعد أن استبانوا طريقهم وعرفوه وصمموا عليه، وصمموا على أن تكون العزة والكرامة طريقهم إليه، لا ضعف ولا وهن ولا تخاذل.

ويسترجع عبدالناصر، في خطابه المرة الأولى التي أعلن فيها نية مصر إنشاء المشروع فيقول: "إنى أذكر - أيها الإخوة المواطنون - حينما أممت القنال فى سنة ٥٦، وحينما كانت هناك الصعاب الكبيرة التى تقف أمامنا فى بناء السد العالى، وحينما تحدثت إليكم من الإسكندرية فى هذه المناسبة، أذكر أنى قلت لكم إننا سنبنى السد العالى، ولكننا قبل أن نبنى السد العالى لابد أن نبنى سد العزة والحرية والكرامة".

ثم يتغزّل جمال عبد الناصر في السد العالي كقيمة ورمز فيقول: "إن الشعوب تقيم النصب التذكارية تخليداً لانتصاراتها الكبرى، وإننا لنعتبر أن السد العالى هو النصب التذكارى لمعركة العرب، وانطلاقة القومية العربية لتحقق دورها التاريخى ودورها الإنسانى".

ليس هذا فقط، بل إن "عبد الناصر" يرى في السد العالي "تذكار يتناسب فى ضخامته، ويتناسب فى فوائده، ويتناسب فى آثاره مع عظمة الأمة التى أنشأته".

ويشرح: "إنه تذكار حى خلاق وليس مجرد حجر أصم تلقى الزهور من حوله فى المناسبات، إنه حياة جديدة متجددة، إنه قوة دافعة للتطور، إنه عون وذخر وسند فى معارك طويلة على طريق طويل من أجل تحقيق الأهداف العربية الكبرى".

ثم يربط بين المشروع المصري العملاق وبين الدور الذي كانت تلعبه القاهرة آنذاك في إلهام شعوب العالم الثالث في نيل الإرادة والاستقلال.

يقول: "إننا لنثق أن هذا السد العالى سوف يكون حافزاً مستمراً لأمم كثيرة غير أمتنا العربية، أمم كثيرة فى إفريقيا التى ينبع من قلبها هذا النيل العظيم، وفى آسيا التى تمتد إليها جمهوريتنا العربية المتحدة المنتصرة".

ورغم الإنجاز الكبير الذي حققته مصر وقتها بالبدء في المشروع رغم أنق القوى العالمية الكبرى والبنك الدولي الذي رفض التمويل، فإن "عبد الناصر" يؤكد: "ها نحن اليوم نحتفل ببدء البناء فى السد العالى، ونحتفل به فى رضاً لا يشوبه الزهو أو التفاخر.. نحتفل به فى رضاً يدفعنا إلى خطوات أوسع ولا تقيد حركتنا بالوهم أو بالغرور.. نحتفل به لأنفسنا ونحتفل به للذين صنعوه منا وللذين سيبقى السد العالى أمامهم نموذجاً دائماً خالداً".

ثم يشير إلى أعداء المشروع فيقول: "بل إننا نحتفل به دون حقد على الذين حاربونا؛ ذلك أنهم أتاحوا لنا الفرصة حتى ننتصر وأن يكون انتصارنا اعتماداً على أنفسنا. تصميمنا على أن نبنيه بأنفسنا فى بلدنا المتحرر، تصميمنا على أن نسير فى الطريق الذى أردناه لأنفسنا".

ولا ينسى "ناصر" أن يشكر الدولة التي ساعدت في تنفيذ المشروع ماليا وفنيا، وهي الاتحاد السوفييتي: "كانت مساعدة خالصة غير مشروطة، مساعدة تمليها الصداقة وتمليها المودة التى تجمع بين الشعب العربى والشعب السوفيتى، وكانت مساعدتهم لنا صادقة إلى أبعد الحدود، لا قيد عليها ولا شرط بل لا عنت ولا إرهاق".