الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد عبدالعزيز يكتب: 2020 عشرية جديدة في دراما القرن! (2-2)

الرئيس نيوز



يقول الأديب العالمي تشارلز ديكنز، في وصف السنوات الدرامية التي سبقت وصاحبت وقوع عملية التغيير الكبرى في الثورة الفرنسية، في روايته الشهيرة قصة مدينتين:
 "كان أحسن الأزمان وكان أسوأ الأزمان .. كان عصر الحكمة وكان عصر الجهالة .. كان عهد اليقين والإيمان وكان عهد الحيرة والشكوك .. كان أوان النور وكان أوان الظلام .. كان ربيع الرجاء وكان زمهرير القنوط .. بين أيدينا كل شيء وليس في أيدينا أي شيء .. وسبيلنا جميعاً إلى سماء عليين، وسبيلنا جميعا إلى قرار الجحيم."!! 
ولم تكن تلك الكلمات، إلا الوصف الدقيق الذي ينطبق على سنوات العشرية الثانية من هذا القرن، تلك السنوات العشر التي سيستمر الجدل حولها طيلة التاريخ!
العشرية الثانية (2010- 2020)
بدأت العشرية بسلسلة زلازل سياسية، في نظم حكم عربية شاخت على مقاعدها، تصلبت شرايينها، فقدت أجيالها الشابة أي أمل في الإصلاح السياسي أو الاقتصادي، تجاهلت تلك النظم العربية جميع دعوات الإصلاح الداخلية العاقلة، فانفجر الوضع أوائل العشرية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وانفجر في آخرها في السودان والجزائر، تصاعد الأمل في إحداث تغيير وإصلاح سياسي حقيقي، فلامسته شعوب تلك الدول، لكنه كان السراب، فدخلت المنطقة كلها في أزمات سياسية واقتصادية كبرى، تغير نظام الحكم في مصر بتغيير رئيسين ودستورين و ٨ حكومات، وذهبت أيام مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وعبد العزيز بو تفليقة وعمر البشير، وكلهم حكموا سنوات وسنوات، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولكن الرابط بينهم جميعاً تمسكهم بكراسيهم، وقتلهم لأي فرصة للتداول السلمي للسلطة، واحتقارهم للديمقراطية، واعتبار أنفسهم أنهم هم الوطنيون وغيرهم خونة، ولولا لفظ شعوبهم لهم لاستمروا فوق كل تلك السنوات يحكمون إلى اليوم!
سيقول قائل إن هذا التغيير بهذه الطريقة قد يدمر بلدانا، وله حق، ولكن الذنب الأول لهؤلاء الحكام الذين لم يدركوا أن الديمقراطية ووجود آلية سلمية دستورية لتداول السلطة، هو الأمر الوحيد الذي يحمي الاستقرار ويحمي الدولة، وأن دول العالم لا تنهار لأن لديها رئيس سابق يسلم السلطة لرئيس منتخب، بل تنهار الدول لأن لديها رئيس يريد أن يبقى أبد الآبدين في الحكم!
صاحب كل ذلك رغبة لدى قوى دولية وإقليمية، في تمكين تيار الإسلام السياسي من مقدرات المنطقة، فقد تغلغل وسيطر على حواري ونجوع وقرى المنطقة، بخطاب ديني متشدد، وبجمعيات خيرية لم تنشأ لعمل الخير، بل وجدت لتحقيق التمكين، وكان التمكين قريباً في مصر، حين اعتقد الإخوان وحلفاؤهم أنها دانت لهم، وظنوا أنهم قادرون عليها، فخرج الناس من كل فج عميق، يهتفون في أرجاء المحروسة: "يسقط يسقط حكم المرشد"، ومن اسكندرية حتى أسوان، خرج المصريون يستعيدون دولتهم، وما كان من الجيش المصري إلا أن يستجيب لصوت الشعب، وانهارت كل الخطط الدولية والإقليمية بتمكين تيار الإخوان من مصر وبعدها من المنطقة كلها، بفضل وعي المصريون ويقظة ووطنية الجيش.
كان بين أيدينا كل شيء، بحسب تعبير تشارلز ديكنز، كان بين أيدينا حلم الإصلاح، الإصلاح بمعناه الشامل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولم يكن بين أيدينا أي شيء، بحسب تعبير ديكنز كذلك، فكل التحديات التي تحاول إعاقة الإصلاح لا تزال قائمة، بين تيار الإرهاب الإخواني ونذالته، وعقلية البيروقراطية القديمة وفسادها، وإقليم ملتهب يواجه الإرهاب والأطماع الدولية والإقليمية في ثرواته، لا يزال المواطن يحلم بعشرية جديدة تحقق خطط التنمية، ولا يزال الطلب على تحقيق إصلاح سياسي شامل، ولا تزال التحديات الإرهابية قائمة كذلك.
في وضع شديد التعقيد بدأت العشرية الثالثة من القرن (2020-2030)، وليس من قبيل الصدفة أن استراتيجية الدولة للتنمية قد حملت عنوان 2030، لكن بداية السنة الأولى من العشرية توحي بأنها كذلك ستشهد الكثير والكثير من الدراما في هذه المنطقة، التي نأمل لها أن تستقر وتحقق تنميتها وإصلاحها السياسي والاقتصادي رغم كل تلك التحديات!.