الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

طارق العوضي يكتب: رحلتي من الزنزانة إلى روب المحاماة (3)

الرئيس نيوز


داخل حجز قسم الوايلي جاءنا أحد الأمناء بعدد لجريدة الأخبار صباح اليوم الثاني مرددا بفرحة كبيرة "شفت يا ابني الجرائد كاتبه عنكم دا أنتم هتروحوا ورا الشمس كده خلاص".
أخذت منه جريدة الأخبار بلهفة شديدة لأجد مانشيت في الصفحة الأولى "القبض على 9 من متزعمي الشغب بجامعة عين شمس".

وهنا أصابتني حالة من هيستريا الضحك وأخذت أردد "بقى إنتم متزعمي الشغب إنتم"، فقد كان الطلاب الثمانية الذين معي لا علاقة لأي منهم بالتظاهرات، بل إن أحدهم كان طالبا بكلية العلوم وكان الثالث على دفعته وكان موجودا طوال اليوم داخل معمل الكلية ولم يكن على علم بوجود مظاهرات من الأساس حيث تقع كلية العلوم في آخر طريق الجامعة بجوار قطار المرج آنذاك قبل أن يتحول إلى مترو الأنفاق بعد ذلك.

خلدنا إلى نوم مضطرب داخل حجز قسم الوايلي فقد كان الجو شديد البرودة، ثم أيقظنا الحراس في السابعة صباحا حيث تم إحضار 9 جنود شرطة وتم وضع القيود الحديدة في يدي لأول مرة في حياتي وكان كل طالب مقيدا رفقة عسكري شرطة وخرجنا في طابور طويل محاطون بحراسة أكبر من أن توصف بأنها مشددة!.

وصلت إلى باب القسم فوجدنا عددا كبيرا من الطلاب والأهالي ينادون علينا، لمحت من بينهم أمي رفقة أبي رحمه الله وحين شاهدتني بدأت في الصراخ "عاوزة ابني يا محمد – هاتلي ابني محمد – ابني ميركبش العربية دى يا محمد"، هنا انهرت باكيا وزملائي رفقاء سيارة الترحيلات حتى أن بعض الجنود قد انسابت دموعهم رغما عنهم فقد كان المشهد شديد الوجع والألم.
انطلقت بنا سيارة الترحيلات مكبلين بأغلال حديدية ومن أمامنا وخلفنا سيارتين من قوات مكافحة الإرهاب مدججين ببنادق آلية.
وصلت بنا السيارة إلى طريق الأوتوستراد أمام نادي المقاولون العرب مباشرة حيث توجد بعض العمارات، وتوقفت أمام إحداها لأجد لافتة مكتوب عليها "نيابة أمن الدولة العليا".
وتوجه بنا الحراس إلى داخل مبنى النيابة وبعد ساعة تقريبا بدأ التحقيق معي حيث فوجئت بوجود عدد من المحامين الشباب لا أعرفهم قالوا لي إنهم لجنة الحريات بنقابة المحامين.
كانت الصورة الذهنية لدي آنذاك أن المحامي يدخل في مبارزة قانونية مع وكيل النيابة وإنه سيصطحبني بعد نهاية التحقيق إلى منزلى خاصة وأنه لم يتم وضع أي أحراز لنا ولم يتم تصويرنا في أي مشهد أثناء المظاهرات.

بدأ التحقيق، وكيل نيابة أمن الدولة وجه حديثه لي: طبعا يا طارق إنت طالب في حقوق يعني فاهم النيابة والتحقيق أو عندك فكرة على الأقل؟، أجبته فورا: لا خالص ولا عندي أي فكرة، وأنا هسكت خالص والأستاذ المحامي هو اللي يجاوب على الأسئل، ضحك وكيل النيابة والمحامي وقام بالضغط على الجرس حيث دخل أحد الحراس وسألني وكيل النيابة: تشرب إيه؟ قلت عاوز مياه ضروري، فكرر تشرب إيه تاني؟ قهوة مظبوطة.
أحضر الحارس زجاجة مياه وكوب زجاجي من القهوة وأفهمني وكيل النيابة أنني فقط الذي يجيب عن الأسئلة وبدأ في توجيه الاتهامات لي: 
س / أنت متهم بحيازة منشورات
ج / محصلش 
س / أنت متهم بنشر شائعات وأخبار كاذبة
ج / محصلش 
س / أنت متهم بقيادة مظاهرة دون ترخيص
ج / محصلش 
س / أنت متهم بأهانة رئيس الجمهورية
وهنا صرخت يا نهار إسود رئيس الجمهورية مرة واحدة دا أنا رحت في داهية كده.
وهنا ضحك المحامي الشاب وقال لي يعني إنت سايب جنايات مش زعلان منها وزعلان على جنحة إهانة رئيس الجمهورية اللي عقوبتها غرامة.

انتهى التحقيق وطلب المحامي إخلاء سبيلي بأي ضمان ثم صدر القرار الذى تصدر في اليوم الثاني عناوين الصحف كلها (النيابة تأمر بحبس متزعمي الشغب بجامعة عين شمس 15 يوما على ذمة التحقيق).
لم نعد إلى قسم الوايلي مرة أخرى فقد انطلقت بينا السيارات مسرعة على طريق الأوتوستراد حيث دخلنا منطقة لا يمكن وصفها إلا  أنها مقبضة وتشبه القبور في صمتها ثم استقرت السيارة أمام مبنى بشع عليه لافتة مكتوب عليها (سجن الاستقبال) فقد كان سجن الاستقبال بطره.
أدخلوني ورفاقي الثمانية إلى داخل السجن وكان في انتظارنا صفين من الجنود ممسكين بخرزانات وطلبوا منا أن نجلس جميعا القرفصاء وسط صفي الجنود الممسكين بخرزاناتهم في وجود مأمور السجن المقدم محمد عوض.
جلسنا القرفصاء مرتعدين وجميع من حولنا متجهمي الوجه ونحن لا نعلم ماذا سيحل بنا ولا لماذا نجلس هكذا ولا سبب وقوف كل هؤلاء الجنود حولنا ممسكين بخرزاناتهم.

وبينما نحن جالسون يأتي صوبنا ضابط فارع الطول برتبة نقيب فنبتسم جميعا ونقفز إلى أعلى ونتوجه صوبه ونحتضنه مرددين كابتن فوزي كابتن فوزي.
فقد كان هذا الضابط الذي تسبب وجوده فجأة ورد فعلنا تجاهه في نجاتنا من حفلة استقبال معتادة آنذاك بواسطة هؤلاء الجنود الممسكين بخرزاناتهم "هو لاعب النادي الأهلي آنذاك الكابتن فوزى سكوتي"..  وللحديث بقية.