الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

عمرو قورة: تدخل الدولة في الدراما "مقبول" بشروط.. وعودة الإنتاج المشترك مع القطاع الخاص "حل وسط"

الرئيس نيوز

- عودة الإنتاج المشترك بين الدولة والقطاع الخاص "حل وسط" لكن ليس الأمثل

- تدخل الدولة لضبط السوق الدرامي على مستوى الإنتاج والتكاليف "مكسب كبير"

- تجربة "واتش إت"  تحتاج إلى تطوير

- ارتفاع التكلفة وراء غياب الدراما التاريخية عن مصر وتفكيرنا في الدراما يلائم عقد الستينيات

- لا يصح أن تسيطر الدولة على الإنتاج الدرامي بشكل كامل

قال المنتج عمرو قورة، الخبير الإعلامي والإعلاني، إنه مؤيد لفكرة تدخل الدولة في سوق العمل الدرامي وكذلك في المحتوى، إلا أن ذلك ينبغي أن يتم بشروط محددة يتفق عليها الجميع من صناع المهنة.

وتحدث في حوار لموقع "الرئيس نيوز"، عن مجموعة من الملفات أهمها حال الإعلام بشقيه الرسمي والخاص، وتقييمه للتجربة الدرامية والإعلامية خلال السنوات الأخيرة.

قورة تناول بشفافية كبيرة، كل ما يخص الإعلام والدراما، كما تطرَّق إلى الحديث عن إطلاق منصة "واتش ات" ووضع سقف أجور للنجوم، وإلى نص الحلقة الأولى من هذا الحوار:

ما تقييمك لتدخل الدولة في المحتوى الدرامي والسيناريوهات والموضوعات؟

ـ هناك تدخل ولكن بشكل غير مباشر، ولا يمكن لأي شخص أن يقول إنّ التجربة نجحت أو فشلت، خاصة أننا لا نمتلك مقياسا حقيقيا للنجاح، وهذه مشكلة كبيرة جدا، يجب أن تنتهي.

كيف ترى تدخل الدولة لضبط السوق الدرامي على مستوى الإنتاج والتكاليف؟

ـ بالطبع هذا مكسب كبير جدًا ولا يمكن إنكاره، فمن أفضل ما حدث خلال السنوات الماضية وضع ضوابط للإنتاج الدرامي، فمثلاً قبل عامين كان المسلسل يتراوح بين 70 إلى 100 مليون جنيه، وهذا الرقم كبير جداً ومبالغ فيه، ولا يتناسب مع حجم سوق الإعلانات في مصر، وكان يسبب خسائر كبيرة جداً للقنوات والمنتجين على حد سواء، ويخلق مشاكل كبيرة، وكانت أجور النجوم مبالغ فيها ولا يوجد ضابط لها، وأيضاً العاملون في كل التخصصات بالدراما، سواء إخراج أو تأليف أو غير ذلك، وكان النجوم يبالغون في أجورهم بل ويروجون شائعات حول أجورهم للمزايدة على بعضهم البعض، فتجد فنانة تحصل على 750 ألف جنيه وتخرج بتصريح أن أجرها 3 ملايين، وكان هذا يخلق بلبلة في الوسط ومنافسة وهمية على أجور غير حقيقية.

ويحسب للدولة تدخلها في هذا الأمر ووضع ضوابط إنتاجية، ولا أخفيكم سراً أننا كمنتجين كنا نعاني من هذا الأمر، فمثلاً كنت أسافر إلى لبنان لتصوير بعض المشاهد لتخفيض التكلفة الإنتاجية، فتجد مثلاً (أسطى الإضاءة) يحصل على أجر أقل ويعمل معه 4 مساعدين فقط، أما في مصر تجده يعمل بصحبة 10 أو 15 مساعداً لا يعملون أي شئ حقيقي، ولكن يتواجدون لأنهم أقاربه فقط أو للحصول على أجر، وعندما كنا نعترض تجد اتهامات بقطع الأرزاق، فما كنا نصوّره في لبنان بـ20 فرداً، يتم تصويره في مصر بـ120 فرداً.

ما النسبة التي يمكن أن تكون عادلة إذا كان لا بد من تدخل الدولة في الإنتاج الدرامي؟

ـ بالطبع لا يُمكن تحديد نسبة معينة أو حاكمة، لتدخل الدولة في الدراما، أما فكرة التدخل في حد ذاتها في الدراما، فهذا أمر طبيعي ومقبول جداً، ولكن بقواعد معينة، فمثلاً يجب أن تكون للدولة دراما خاصة بها تقدم من خلالها رسالتها وأهدافها، ولكن علينا أيضاً أن نترك مساحة للإنتاج الخاص للعمل في خط مواز، حتى لا يشعر المشاهد أن هناك رسالة مباشرة وموجهة، فينفر من متابعة الدراما، فالمشاهد عندما يشعر بمباشرة الرسالة المقدمة وتقديم إملائات معينة لن يستجيب لها، وستجدون مثلاً في أمريكا دراما تقدم بطولات الجيش والشرطة والضباط وتخدم رسالة مؤسسات الدولة، ولكن بطريقة غير مباشرة وتترك مساحات درامية ممتعة ومسلية في نفس الخط.

 ومن حق الدولة أن تقدم دراما خاصة بها تستهدف من خلالها تحسين الصورة الذهنية للمتلقي في مؤسسات الدولة، ولكن لا يجب أن تكون الرسالة مباشرة، إضافة إلى ذلك لا يجب أن يتم رفض ظهور نماذج فاسدة من بين العاملين في بعض المؤسسات (يعني مينفعش يترفض تقديم دور ضابط فاسد) لأن كل المهن والمؤسسات بها الحلو والوحش (الملتزم والفاسد)، والدراما تقدم جميع النماذج بحرية، لإنها في النهاية عمل إبداعي هدفه التسلية في المقام الأول ولا يوجد دراما مثالية، على طول الخط، لأن الدراما تقدم نماذج من الواقع والواقع به الخير والشر، وعندما تقدم نموذجاً لضابط مثالي في كل شئ ولا يخطئ أبداً لن يصدقك المشاهد، وبذلك لن تصل رسالتك، وأرى أن دور الدولة هو تقديم دراما تخدم أهدافها، ولكن عليها أن تتيح المجال للإنتاج الخاص بالتوازي لتقديم أعماله.

ماذا يعني عودة الإنتاج المشترك هذا العام مع بعض شركات الإنتاج الخاص؟

ـ أعتبر هذا الأمر حلاً وسطًا، لكنه ليس الحل الأمثل على الإطلاق، فالحل الواقعي هو أن تنتج الدولة أعمالها وتترك المنتجين يقدمون أعمالهم بحرية تامة، مع وضع ضوابط مالية وإنتاجية ملزمة للجميع.

هل يتقبل المشاهد فكرة "وصاية الدولة" على التربية الأخلاقية من خلال الدراما؟

ـ طبعا الأجيال الجديدة لم تتقبل هذا الأمر، وللأسف تفكيرنا في صناعة الدراما والإعلام يشبه كثيرًا التفكير بعقلية الستينيات، والدنيا من حولنا تطورت كثيرًا وتغيرت، ولا يصح أن تسيطر الدولة على الإنتاج الدرامي بشكل كامل.

لماذا يعترض بعض كبار النجوم على فكرة وضع سقف للأجور؟

ـ  الحقيقة لا أجد مبررًا لهذه الاعتراضات، بخاصة أن حجم سوق الإعلانات محدود جدًا، وستجد أن كل الدول الكبيرة تضع سقف أجور لكل المهن، وهذا أمر طبيعي، ويحدث مثلاً في أمريكا، ومن الممكن أن نتعامل مع النجوم الذين يرون أنهم يستحقون أكثر من السقف المحدد بطرق مبتكرة، فمثلاً يحصل النجم على ثلث أجره كاملاً، ويحصل على الجزء المتبقي من العائد الإعلاني في حال تحقيق المسلسل الخاص به عائداً يغطي التكلفة ويحقق أرباحاً كبيرة، وهذا أمر متّبع في الخارج، ولكن سيواجه أزمة في آلية تنفيذه داخل مصر، خاصة في ظل وجود أزمة ثقة بين النجوم والمنتجين والقنوات، للأسف الشديد نحن لا نمتلك "داتا" للمصروفات والعائدات في كل قناة، ولا يوجد شفافية في إعلان العائد الإعلاني، مشكلتنا الحقيقية في عدم وجود مصدر رسمي بمصروفات القنوات وعوائدها، ولا خريطة الإعلانات والمعلنين الذين أصبحوا لا يعرفون العائد الحقيقي من حملاتهم الإعلانية في التليفزيون، والأهم من كل ذلك لا نمتلك مقياساً حقيقياً وصادقاً وشفافاً في نسب المشاهدة، وهو ما جعل المعلنين يتوجهون إلى الديجيتال بشكل أكبر.

بمناسبة الحديث عن الديجيتال.. ما تقييمك لتجربة "واتش ات" التي أطلقت مؤخرًا؟

ـ أصبحنا في مرحلة اندثار التليفزيون، وكان يجب أن نتجه إلى الديجيتال، وإطلاق منصة إلكترونية مثل "واتش ات" أمر في غاية الأهمية بهذا التوقيت، ولكن كان يجب الانتباه لبداية الإعلان عنها وتوقيت الإعلان والتسويق إضافة إلى التكنولوجيا التي تم تنفيذها من خلالها، كل هذه الأمور لم تخرج بالشكل المطلوب، إضافة إلى قيمة الاشتراك 100 جنيه شهرياً وهو مبلغ كبير ولا يتناسب مع المواطن العادي.

ولم يراع القائمون عليها طرق استهلاك المحتوى وتطورها، وبصفة شخصية أرى أن فكرة إطلاق منصة إلكترونية صح جداً ولكن الأزمة في طريقة التنفيذ، فالمشاهد مثلاً لن يدفع مبالغ مالية لمشاهدة محتوى موجود في القنوات التليفزيونية المفتوحة.

ماذا عن توقيع بعض شركات الإنتاج عقوداً مع النجوم بدون وجود سيناريو؟

ـ هذا خطأ كبير، وكان يحدث في الثلاثينيات من القرن الماضي، في الدراما الأمريكية، واكتشفوا أنهم أخطأوا وتجاوزوا هذه المرحلة في الأربعينيات، ومن الممكن أن يحدث ذلك في السينما، لأن الجمهور يذهب للنجم الذي يحب أن يشاهده، ولكن في الدراما الوضع مختلف تماماً، ويجب أن يكون التوقيع على أساس الورق والسيناريو أولا فالموضوع هو الأهم في الدراما، وعلينا أن نتعلم من تجارب الآخرين ونستفيد منها، ونحتاج إلى البحث عن أشخاص  يستوعبون معنى الدراما لاختيار الأعمال المقدمة للجمهور، ويكون لديهم خبرة وثقافة ووعي ومعرفة حقيقية بأصول وقواعد كتابة السيناريو والإخراج وكل تفاصيل الإنتاج الدرامي حتى التسويق أيضاً.

لماذا غاب إنتاج الدراما التاريخية في مصر بعد سنوات طويلة قدمنا فيها أعملاً مهمة؟

ـ لأنَّ الدراما التاريخية مكلفة جداً، وفي الحقيقة لا يوجد من هم قادرون على تقديمها وصناعتها في مصر، بما يتواكب مع التطور الحادث في العالم، فمثلاً ستجد الجرافيك في مصر غير مقنع بالمرة ولن تصدقه الأجيال الجديدة، التي تعرضت لأعمال تاريخية من إنتاجات ضخمة في الخارج، ولذلك لن يتقبلها الأجيال الجديدة المتطورة والمطلعة على أحدث تطورات الصناعة في العالم من خلال مشاهدتهم لأعمال عالمية، وفي نفس السياق، ستجد مثلاً أنه تم الإعلان مؤخراً عن عودة أسماء كبيرة من كبار المخرجين للساحة، وهذا أمر غريب جداً مع كامل احترامي تقديري لهذه الأسماء، ولكن هل هم ملمون بالتطور الحادث على مستوى التقنية والإخراج؟..، وهل هذه الأجيال قادرة على مخاطبة 70% من الشعب أقل من سن 40 عاماً؟.. مع كل التقدير لتجاربهم في الثمانينيات والتسعينيات فهم غير قادرين على التواصل مع الجمهور الحالي.