الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حُوكم عسكريًا بتهمة "تقليد الرئيس".. أحمد فؤاد نجم بين ناصر والسادات

الرئيس نيوز


6 سنوات مرت على رحيل واحد من هؤلاء الذين ينطبق عليهم وصف "مصري أصلي"، إنه الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي توفي في مثل هذا اليوم، 3 ديسمبر، عام 2013.
"نجم" هو أحد أشهر شعراء العامية في مصر، ذاع صيته لأول مرة بعد نكسة 1967 بسبب القصائد التي كتبها منتقدا السلطة آنذاك بأسلوب لاذع.
اُعتبرت قصائدة "منشورات سياسية" تستجوب في نظر الأمن الاعقتال والحبس، ومن أشهر ما كتب "بقرة حاحا، جيفارا مات، ورقة من ملف القضية، البتاع".
وتعرض فؤاد نجم للاعتقال أكثر من مرة، أولها كان في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، من منتصف عام 1968 إلى منتصف 1971 بسجن القناطر، برفقة رفيق مشواره المغني الكفيف الشيخ إمام عيسى.
ويروي الكاتب الراحل صلاح عيسى قصة اعتقال "نجم" في مقدمته لمذكرات الشاعر المعنونة "الفاجومي"، فيقول: "ذات يوم تلقى الرئيس عبد الناصر تقريرا من أحد أجهزة الأمن حول ظاهرة "نجم/ إمام" جاء به، أنهما يذيعان أشعارا مناهضة للحكم، ورغم ذلك فإن الصحف تتحدث إليهما ويذيع التلفزيون برنامجا يتضمن أغانيهما، وتستضيفهما النقابات والجمعية الثقافية".
طلب "عبد الناصر" أن يستمع إلى أغاني نجم وإمام، ثم استدعى وزير الإعلام محمد فائق وسأله: "إزاي سايبينهم يقولوا الكلام ده.. ما اعتقلتوهمش ليه".
بحسب صلاح عيسى، فإن الوزير رد قائلا إن "البلد مجروحة بسبب الهزيمة، وأن من مصلحة النظام أن يسمح بفرصة محسوبة للتعبير عن آلام الجراح، وأن ما يكتبه نجم رغم قسوته، نقد صحي يمكن احتماله".
كان رأي محمد فايق، الذي يتولى حاليا منصب رئيس المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، أن اعتقال فؤاد نجم وإمام عيسى سيثير ضجة بين المثقفين، لكن عبد الناصر، الذي - بحسب تعبير صلاح عيسى -  "كان ككل الثوار يتألم إذا ما نقده ثائر"، قال بغضب: "بلا مثقفين.. بلا كلام فارغ.. اعتقلوهم".
ويروي صلاح عيسى قصة أخرى حدثت بعد عام من اعتقاله نجم والشيخ إمام، إذ "انتهز الزعيم الفلسطيني نايف حواتمة رئيس الجبه الديمقراطية لتحرير فلسطين، فرصة لقاء بينه وبين الرئيس عبد الناصر، وطلب من الإفراج عن ثلاثة من الكتاب والأدباء معتقلون بالسجون المصرية، كانوا هم الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى وصلاح عيسى نفسه، قائلا إنه يتمنى أن يستجيب الرئيس لوساطته فيفرج عنهم.
ورغم ذلك، يسجل صلاح عيسى أن أحمد فؤاد نجم رثى عبد الناصر بعد عشرين سنة من وفاته بقصيدة شهيرة بعنوان "زيارة إلى ضريح عبد الناصر"، قال فيها "عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت، وعاش ومات وسطنا على طبعنا ثابت، وإن كان جرح قلبنا كل الجراح طابت، ولا يطولوه العدا مهما الأمور جابت".
أٌفرج عن فؤاد نجم والشيخ إمام في منتصف 1971، بعد انتصار السادات على خصومه في معركة "مراكز القوى"، في مايو من ذلك العام، لكن صلاح عيسى يستدرك قائلا إن السادات نفسه قدم الشاعر إلى محكمة عسركية في عام 1978 ليكون أول شاعر مصري يحاكم أمام هذا النوع من المحاكم.
كانت تهمة فؤاد نجم لم يوجهها أي رئيس جمهورية مصري إلى شاعر أو كاتب من قبل، وهي تهمة "إهانة الرئيس"، التي حلت في قانون العقوبات المصري بعد الثورة محل تهمة العيب في الذات الملكية.
كان سبب الاعقال هو قصيدة بعنوان "بيان عام" ألقاها نجم في مؤتمر بكلية هندسة عين شمس في نوفمبر 1977، "تقمص في مقاطعها الأولى صوت مذيع يقدم من راديو شقلبان عصامة بلد اسمها حلاوة زمان بيانا سوف يلقيه رئيسها شحاتة المعسل.. ثم تقمص في مقاطعها التالية لغة شحاتة وهو يلقي بيانه على المواطنين".
وكان شريط الكاسيت الذي سُجلت عليه الندوة هو دليل الاتهام الذي قدمته النيابة إلى المحكمة العسكرية، "متهمة نجم بأنه أهان رئيس الجمهورية بالقول والصياح علنا بتعمده تقليد صوته وطريقته في أداء خطبه وبيانات بصورة فيها كثير من السخرية مشككا موضوعيا في أمانة الرئيس".
حكمت المحكمة العسكرية على أحمد فؤاد نجم بالسجن لمدة عام مع الشغل والنفاذ، فهرب نجم من تنفيذ الحكم لمدة ثلاث سنوات، إلى أن ألقي القبض عليه ودخل السجن بهذه التهمة الغريبة.