الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حوار| حلمي النمنم: الإعلام عقبة تجديد الخطاب الديني.. والصحفيون يخلقون السلطة الدينية (2-2)

الرئيس نيوز

- الشعراوي كان يتقبل النقد لكن الإعلام صنع هالة حوله.. وحكايات "تحجيب الفنانات" أسرارها كثيرة

- مجلس الشعب رفض قانون زراعة الأعضاء قبل فتوى الشعراوي.. و"إمام الدعاة" ملئ بالأكاذيب

- أقول لمن يهاجم الشعراوي الآن "أين كنتم وهو حي؟".. والصحافة تتعامل بمنطق الألتراس

- ليس هناك مؤسسة دينية تجدد نفسها تلقائيا.. والأزهر مثقل بتاريخ عمره ألف سنة

- "الأوقاف" سبقت "الأزهر" في ملف تجديد الخطاب الديني.. والمشيخة تمنع المرأة من دخول "البحوث الإسلامية"

- الصحفيون هم من يخلقون السلطة الدينية.. والدولة يجب أن تحدد ما تريده من الدين

- الرئيس السييسي رجل شديد الاستنارة.. وصفاته دليل أنه لا تعارض بين التدين وبين الدولة المدنية

-       يجب أن نسعد بما يجري في السعودية ونفعل الشيء نفسه.. وأقول لمن ينتقد الوهابية الآن "خليك في حالك!"


لم يكن في تخطيطنا إطلاقًا أن نسأل الكاتب الصحفي حلمي النمنم أي سؤال عن الصحافة والإعلام. كنا قد انتهينا من ملف "الإخوان والجيش"، المحور الرئيسي للحوار - وهو عنوان الكتاب الأحدث لوزير الثقافة السابق - فكانت فرصة لأن نفتح ملفات أخرى تقع في اهتمامه وبحثه.

وهكذا.. بدأنا بـ"الشيخ الشعراوي" ثم انتقلنا إلى ملف تجديد الخطاب الديني ثم أخذنا الكلام إلى السعودية وما يجري فيها، لكن "النمنم" فرض فجأة "الصحافة والإعلام"، كعامل مشترك بين كل هذه الأمور.

يبدو رئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق في حالة غضب من "أوضاع صحفية" حالية، لدرجة أنك قد تتصور أن الصحفي المتمرس الذي يعمل في المهنة منذ الثمانينيات متحاملا، لكنه يعود ويصر على كلامه ويتحدى أن يُنشر فنؤكد التزامنا بأن يُنشر كاملا.

في الجزء الثاني والأخير من حوار "الرئيس نيوز" مع "النمنم"، والذي جرى بمكتبه في دار الهلال العريقة، سيكون علينا قراءة ما بين سطور إجاباته في مسائل كثيرة بدا حذرا وهو يتحدث فيها، أو مؤجلا الإفصاح عن تفاصيلها، لكنك ستجده واضحا بما يكفي في أمور أخرى.

-          قبل أسابيع.. حدثت أزمة بدت من لا شيء على صحفات "فيسبوك" حول انتقاد ابنة أحد الفنانين الداعية ووزير الأوقاف الأسبق محمد متولى الشعرواي.. كيف تابعت هذا بدايةً؟

 

كل هذا لا أسميه معارك، ولا جدلا حتى. هذه مجموعة "خناقات على السوشيال ميديا".

 

-          بعيدا عن مُسمى النقاش حول الرجل.. كيف ترى شخصية الشعراوي؟

الشيخ الشعراوي عمل شيئًا جديدًا، وهو أنه لأول مرة عالم دين يفسر القرآن للمصريين بلغة أقرب إلى العامية. وعمل شيئًا آخر جديدًا لا بُدَّ أن ننتتبه إليه كلنا، وهو أنه عادةً تكون تفسيرات القرآن مكتوبة، لكن تفسيره شفوي سماعي، لذلك كل كتب التفسير له كانت تفريغًا للحلقات التلفزيونية، لكنه لم يكتب، تلاميذه ومريدوه فرّغوها. وبالتالي كل هذا خلق نوعًا من العلاقة المباشرة بينه وبين الناس.

النقطة الثالثة أنه رجل بسيط في قعداته وحكيه مع الناس، كان قادرًا على مخاطبتهم والوصول إليهم، وليس التعالي عليهم.. هذاهو الإنجاز الحقيقي الذي قدمه.

-          وبالنسبة لمرجعيته الفقهية وأفكاره؟

عندما نأتي للأفكار التي كان يعبر عنها الشيخ الشعراوي.. هو تلميذ نجيب للمذهب الأشعري، وبالذات في قضايا مثل القضاء والقدر أو الجبر والاختيار، الإنسان مسيَّر أم مخيَّر، وهي قضايا أثيرت في الفكر الإنساني كثيرا. كانت آراء فضيلة الشيخ الشعراوي فيها نفس آراء المدرسة الأشعرية، لكنه بسَّط هذه الآراء وقدمها للبسطاء.

-          هذه هي نفس مدرسة الأزهر؟

يعني.

أمَا أن له بعض الآراء التي من الممكن أن نختلف فيها، فطبعًا له آراء كثيرة من هذا النوع، مثلا رأيه في واقعة سجوده يوم 5 يونيو 1967.

وأعود لأقول لك.. أولًا وأخيرًا المذهب السني لا يعرف فكرة الإمام المعصوم، والقرآن الكريم عمل شيئًا رائعًا في هذا، فحينما قصّ القرآن قصص الأنبياء كان حريصًا على أن يقدم ملاحظة على كل نبي أو توجيها له.

مثلًا حينما يقول لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "وما يدريك لعلّه يذّكى"، لمّا يقول له "أفأنت تُكره الناس". لمّا يقول لسيدنا موسى "اخلع نعليك". لمّا يقول لإبراهيم "أولم تؤمن"، وليدنا يوسف "لا تقصص هذه الرؤية".

معنى كل هذا أن النبي ليس كاملا، وأنه - فيما خلا التكليف الإلهي - إنسان عادي يصيب ويخطئ.

 

-          هذا بالنسبة للرسل والأنبياء.. لكن بالنسبة لشخصية مثل الشعراوي نجدها تستحق التوقف أمامها من حجم الهالة حولها؟

ليس الشعراوي فقط، هناك شخصيات بسب الكاريزما الخاصة بها لا تستطيع أن تنتقدها.

-          هل تتفق مع من يقول أنه كان ظاهرة من نتاج ما بعد نكسة 1967، عندما بدأ المصريون "يهربون إلى الدين"؟

هذا تفسير غير صحيح، اللجوء للإسلام السياسي بدأ بعد حرب أكتوبر. بعد النكسة كان لجوءًا إلى الروحانيات، وهناك فارق كبير. المصريون لجأوا إلى الروحانيات وكانوا يذهبون للإمام الحسين والسيدة زينب، والمسيحيون يقولون العذراء بانت.

أنا مرة رصدت هذا سنة 1979، العام الذهبي للإسلام السياسي كان1979؛ عام قيام ثورة الخوميني،وبدأ فيه الجهاد في أفغانستان، واحتلال الحرم المكي في واقعة جهيمان العتبي. هذاهو العام الذي وقّع فيه الرئيس السادات معاهدة السلام التي مثلت انتعاشة للإسلام السياسي الذي أخذ يردد "خلاص خان وبيبيع القدس، وع القدس ملايين شهداء بالملايين".. وهذه الأشياء!

-          لنكن محددين أكثر.. ما رأيك في فتاوى له مثل تحريم زراعة الكلى رددها من على التلفزيون الرسمي للدولة؟

هذا كان اتجاه الدولة وقتها، الدولة كلها كانت تقول هذا. كيف نقول إنه أفتى بكذا ونفصل الكلام عن أن هذا كان لاحقًا على رفض مجلس الشعب لقانون زراعة الأعضاء؟! لماذا هذا الكلام لا يُقال؟! لا يصح أن نتناول الأمور بشكل جزئي.

نعم هو قال بفتوى عدم زراعة الأعضاء ثم بعد ذلك زرع قرنية، لكن كلنا ننسى و"نعمل مش شايفين" أن البرلمان رفض قانون زراعة الأعضاء قبل فتواه تلك.

هناك مثلا مسلسل عن الشيخ الشعراوي "إمام الدعاة" ملئ بالأكاذيب، من الذي أنتجه وأذاعه؟ التلفزيون المصري.

النقطة الثالثة، طب يا سيدي.. الدكتور زكي نجيب محمود ذات مرة اختلف مع الإمام الشعراوي، وكتب مقالا في "الأهرام" وقامت حملة ضارية عليه. هل وقف كاتب واحد إلى جوار زكي نجيب محمود؟

حدثت معركة بين توفيق الحكيم والشيخ الشعراوي بخصوص أزمة "حوار مع الله" أم "حوار إلى الله"، وكانت معركة ضارية أيضا ضد "الحكيم" في أواخر عمره، من ساند توفيق الحكيم؟ لا أحد.

-          هل تريد أن تقول إن المثقفين تخاذلوا في التصدي لأفكاره وقتها؟

لا أسميه هكذا، لكن أقول أين كنتم وقتها؟"ماتجيش تقول لي دلوقتي أصل الشيخ الشعراوي"! الرجل كان موجودًا، حيٌّ يرزق بيننا ويقول هذه الآراء وكان ممكن الناس ترد، لكن لا أحد رد.

لكن في أمور مثل زراعة الأعضاء وسجدة 5 يونيو وغيرها وغيرها.. طبعا آراء لا بُدَّ أن يُرد عليها وتفند وترفض. إنما خناقات السوشيال ميديا لا أسميها حوارا أو جدلا.. هذه خناقات.

-          ما تصفها بـ"الخناقات" تخرج أحيانا من "السوشيال ميديا" إلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية.. وقتها يأخذ الأمر مساحة أكثر جدية.

تخرج إلى صحفات الجرائد لماذا؟ لأن الجرائد باتت تفتقد إلى المهنية، وبدأت تطارد "السوشيال ميديا" وتنافسها، وبأدواتها.

-          لكن بعض الأحداث تفرض نفسها ولا بُدَّ من العمل عليها كما تعلم.

تمام، لا بُدَّ من العمل عليها، لكن ليس بأدوات "السوشيال ميديا". يعني تقول لي إن الشيخ الشعراوي قال كذا وكذا في التاريخ الفلاني، وأن هذا وفقا للمذهب الفلاني.. وهكذا. لكن الحقيقة أنا لايعجبني ما تفعله الصحافة حاليًا.. خالص.

لو هناك موضوعا يشغل الرأي العام فدور الصحافة أن تأصلها، وأن تضيف للقارئ معلومة، لا أن تتعامل بمنطق الردح أو بمنطق الألتراس. الصحافة لا ينبغي أن تعمل بمنطق الألتراس، الصحافة هي أن تؤصِّل كل شيء وتعطي لكل طرف حقه. ومستعد أجيب لك عشرات النماذج ولي فقط الشعراوي.

-          مثل ماذا؟

الإعلام لم يعد يقوم بمهمته، وهو الاعتماد على المعلومة. كنا زمان نقول "الإعلام يقدم المعلومة والإعلان دوره أن يخلق انطباعا، لكن الإعلام حاليا هو من يقوم بخلق الانطباع، هذا ليس دوره.
أنا كنت أتمنى في هذه الأزمة أقرأ بحثًا عن الشيخ الشعراوي، عن حياته وأفكاره وفتاواه وتكوينه. في القضية الفلانية كان متشددا ومتطرفا وأصل هذا التشدد. إنما في الأصل أقول لك إنه ابن المذهب الأشعري، وهو قائم على الاعتدال والوسطية وليس التطرف.

أما في القضايا المستحدثة مثل تحجيب الفنانات، هذا كله أنت لا تعرف حجم الأسرار التي فيها، ما هو موجود كلام صحفي كله، لا تستطتيع أن تعتمد عليه.

-          ننتقل إلى قضية تجديد الخطاب الديني.. هذا عنوان عريض بالطبع وأنت كتبت فيه وقلت إن ضغوط التجديد أدت إلى نتائج لا بأس بها لكنها دون المأمول.. كيف ترى هذا الملف بعد نحو 5 سنوات؟

شوف.. أكثر فترة شهدت محاولة للتجديد الفكر الديني كانت في الثلاثينيات، وتحملت المسئولية فيها الصحف والكتاب.. محمد حسين هيكل وطه حسين ولطفي السيد وكل هؤلاء، وباتالي هذه المهمة ينبغي أن تقوم بها الصحف والمجلات والبرامج  الإعلامية في الأساس.

وكما قلت،  موضوع مثل معركة الشيخ الشعراوي هذه كان يمكن أن يكون خطوة، أن نخرج بفائدة ونعلِّم الناس التفكير الحر، وأنك عندما تنتقد أحدًا فإن هذا ليس إهانة أو تطاولا، وأنه لا أحد مقدس، كله يؤخذ منه ويُرد عليه.

الصحافة والإعلام مع الأسف الشديد يغيب عنها كثير من المهنية وكثير من الكفاءة، والكفاءة يعني الوعي بمقتضيات اللحظة، بالدور الذي يجب أن تُركز عليه والدور الذي لا يجب أن تركز عليه.

يعني لاحظ مثلا، كتاب "الإسلام السياسي" للمستشار محمد سعيد العشماوي كان في الأصل مقالات نُشرت في "المصور" و"الأهرام"، وستجد معظم كتبه بهذا الشكل، وغيره وغيره. الموضوع بدأ من الصحافة، مع الأسف الشديد هذا لا يحدث حاليًا.

-          لكن دعنا نركز على دعوة الرئيس في الاحتفال بالمولد النبوي عام  2015 والتي كانت موجهة للمؤسسة الدينية.. ما رأيك في الخطوات التي تمَّت؟

ليس هناك مؤسسة تجدِّد نفسها تلقائيا، ولكن الظروف هي التي تُملي عليها التجديد، والشخصيات التي فيها لا بُدَّ أن تكون مقتنعة بالتجديد.

-          هل الشخصيات الموجوة حاليا في المؤسسات الدينية الرسمية غير مهيأة أو راغبة؟

لا أعرف. لكن كما قلت، لا بُدَّ أن تكون مقتنعة وساعية وراغبة.

النقطة الأخرى أن مشيخة الأزهر مثقلة بتاريخ عمره ألف سنة، وبالتالي التجديد يكون فيها صعبًا، من داخلها.

مثلا، ما تعرض له الإمام محمد عبده، إلى درجه أنه حينما تُوفي الأزاهرة تفاوضوا مع بعضهم "هل يمشوا في جنازته ويترحموا عليه ولا لأ!"،وهذا هو الشيخ محمد عبده، ونماذج أخرى كثيرة.

-          لو أردنا أن نقارن بين مشيخة الأزهر وبين وزارة الأوقاف في ملف التجديد الديني.. كيف تقيم أداء كل منها؟

"الأوقاف" تخطو خطوات أكثر من "الأزهر". يعني الوزارة مثلا سمحت بالداعيات، وأدخلت السيدات في عضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بينما المرأة ممنوعة الى الآن من دخول مجمع البحوث الإسلامية التابع للمشيخة.

لاحظ شيئًا أيضًا في جامعة الأزهر.. هناك فرع البنات، ونائب رئيس الجامعة لفرع البنات رجل! لم يحدث أن تولت سيد هذا المنصب.

 

-          إذا ركزنا على مثال محدد وهو قضية الطلاق الشفوي ودعوة الرئيس قبل نحو عامين بإلغائه.. كيف قرأت هذه الأزمة على ضوء موقف الأزهر فيها؟

التجديد أكبر من هذا، أكبر من هذا بكثير. لذلك أقول إنه ليس مسئولية مؤسسة واحدة. يعني مثلا أنا كنت في محاضرة بجامعة أسيوط الأسبوع الماضي، ووجدتهم أسسوا فيها مركزا لتجديد الخطاب الديني.. أتمنى أن تنفذ الجامعات المصرية هذا الموضوع.

سأحكي لك حكاية عما تفعله الصحافة في ملف تجديد الخطاب الديني.. منذ شهور كانت ذكرى وفاة الشيخ محمد مصطفى المراغى، في أغسطس، فانطلقت الصحف لتتحدث عن مآثر الشيخ المراغى، وتنشر الصحف مقالات عن عظمة الشيخ المراغى، وأن الملك فاروق حاول أن يفرض عليه أن يصدر فتوى تمنع الملكة فريدة من الزواج بعده، ولكن الشيخ أبى وقال له لا أستطيع أن أحرِّم ما أحلّه الله!

أنا حقّقت هذه الواقعة وهي كاذبة، ودليل كذبها أن الطلاق جرى في نوفمبر 1948 والحديث عن الطلاق بدأ قبلها بشهور. أما حين تُوفي الشيخ المراغى عام 1945 لم يكن هناك أي حديث عن الطلاق بين فريدة وفاروق. ثانيا أن الملك فاروق كان يعرف أن إصدار الفتاوى دور دار الإفتاء وليس شيخ الأزهر. ومع ذلك.. ما معنى كل هذا؟ مثل هذه الأكاذيب، وهي تنشر يوميا في الصحف؟ معناه أن شيخ الأزهر ينبغي أن يكون أقوى من حاكم مصر! وأن يتحدى حاكم مصر! ثم بعد ذلك تحدثني عن تجديد الخطاب الديني!

لذلك أنا أقول إن عقبة تجديد الخطاب الديني في مصر هي الإعلام والصحافة. الإعلام والصحافة أشد رجعية من كل التيارات السلفية في مصر، لن أقول أكتر من هذا.

واقعة ثانية.. تُوفي قبل أكثر من شهر أحد السادة الوزراء، وكان وزيرا جليلا. (المستشار محمد أمين المهدي رئيس مجلس الدولة الأسبق، ووزير العدالة الانتقالية الأسبق). تكتب الصحف عنه فتترك الوزير وتبدأ تتحدث عن جده الذي كان شيخًا للأزهر في زمن الخديوي إسماعيل والخديوي توفيق (الشيخ محمد المهدي العباسي) ويتحدثون عن معجزات هذا الشيخ وعن عظمته في تحدي إسماعيل! لكن وقائع التاريخ تقول إن أحمد عرابي حينما ذهب إلى الخديوي توفيق وعرض عليه مطالب الأمة لم تكن ثلاثة مطالب كما هو شائع، كانت أربعة مطالب، المطلب الرابع فيها كان عزل هذا الشيخ لأنه منحاز للعنصر التركي ضد العنصر المصري، ولأنه يساند الاستبداد. كُتب التاريخ التي تُدرَّس الآن تحذف هذا المطلب الرابع! ولنرجع إلى الوثائق.

 

-          تقصد القول إن الصحافة تفعل كل هذا لأجل خاطر السلطة الدينية؟

طبعًا.. طبعًا. لماذا يحرص كل صحفي على أن يقبل يد شيخ الأزهر؟! هل يفعلون هذا مع أي رئيس جمهورية أو رئيس وزراء؟ هل هذا من الإسلام؟!

أريد أن أقول إن الذي يقف ضد تجديد الخطاب الديني في مصر هو الإعلام والصحافة. أنا أقول هذا الكلام وأعرف أنه لن يُنشر، لأن الصحفيين ينبغي أن يظهروا أمام الشعب المصري مقدسين وضحايا للسلطة!

-          كأنك تقول إن الصحفيين أسرى لهذه السلطة؟!

لا، بل هم من خلقوا ويخلقون السلطة الدينية. بالعكس.. أنت لمّا تقعد مع رجال الدين تجدهم ناس طيبين ومتواضعين.

الشيخ الشعراوي كان رجلا في غاية البساطة، وكان يتقبل النقد ويسمعه. من الذي صنع هذه الحالة حوله؟ الصحافة والصحفيين.

-          كنت وزير الثقافة وهي وزارة متداخلة بالطبع مع ملف تجديد الخطاب الديني.. هل يمكن أن نعالج هذه القضية من الصغر بالتعاون مع وزارة التعليم على سبيل المثال؟

سيبك من كل هذا، المهم أولا أن تبني دولة مدنية حقيقية، تقول لنفسك هذا هو الهدف، ثم أن تنفذه ولا تخاف من أي شيء يعترض طريقك.

يعني مثلا عندما تنوي أن تنشئ طريقا دوليا في الإسكندرية وهناك زاوية (مسجد) تعترضه، هل هذا الأمر يقتضي تدخل رئيس الدولة؟!

-          يبدو أنه اقتضى ذلك بالفعل.

لماذا؟! لأنك خلقت قدسية وأخفت المسئولين أن يقتربوا من هذا.

-          وماذا يفعل رئيس الدولة، رأس السلطة التنفيذية، لحل هذه المشكلة؟

أن أي مسئول لديه تكليف بتنفيذ طريق أو غيره ينفذه بغض النظر عن أي شيء. وهذا مجرد مثال، وهكذا في كل الأمور.

-          مرة أخرى في ملف التعليم.. كيف نبدأ معالجة أزمة الخطاب الديني؟

الموضوع بسيط جدًا.. ماذا تريد من الدين؟ لا تسأل الأزهر، (أسأل نفسي كدولة؟) شيخ الأزهر قال في التلفزيون المصري إن الشرع يبيح لولي الأمر تقييد المباح، إذن ولي الأمر، والمجتمع أيضًا، لا بُدَّ أن يكون واضحا في هذا، وهذا غير موجود للأسف.

 

تعاملت مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بالطبع بحكم منصبك السابق في الوزارة.. كيف وجدت أفكاره عن قرب في هذه الأمور؟

شوف.. الرئيس السيسي أكثر وأشد المؤمنين بدولة مدنية حديثة، وهو رجل شديد التدين وشديد الوطنية، وهذا يؤكد أنه لا تعارض بين التدين وبين الدولة المدنية.وفي الأمور الدينية هو رجل شديد الاستنارة.

 

 

-          إذا ذهبنا إلى السعودية وما يحدث فيها؟ هل تعتبر أن المملكة تشهد تحولا هائلا بالفعل؟

هو تطور إيجابي.

-          إزاء هذا التطور.. تبدو للبعض مفارقة مريرة في أن هناك ظهير للوهابية في مصر بينما المملكة تتخلص من ذلك الإرث.

يا سيدي "ما الوهابية بتتطور أهي"، يجب أن نتحرر من العقد التي لدينا؛ يعني هم حاليا يتركون الوهابية وأنت تريد مني أن أشتم الوهابية!

-          أنا أسأل تحديدًا عن وضع أفكار سلفية بمصر كانت تتغذى على أفكار وافدة من هناك.

ما حدث في السعودية تطور إيجابي، وإيجابي جدا، ينبغي أن نكون أول السعداء به.

السلفيون في مصر شيئ آخر غير الوهابية، السلفية نشأت في بغداد مع أحمد بن حنبل، ثم في دمشق مع ابن تيميمة. الوهابية فرع منها، وبالتالي الأصل ليس الوهابية.السلفية كانت موجودة في مصر قبل الوهابية، كان هناك مثلا دعوات قديمة لهدم أبو الهول.

وعموما المجتمع المصري ليس ميالا للسلفية، بدليل أنه طوال منصب شيخ الأزهر من القرن السادس عشر إلى الآن، لم يحدث أن تولاه أحد الحنابلة، رغم أن المذهب الحنبلي كان يُدرَّس في الأزهر وله أتباع. ليس فقط لم يتوله حنبلي، لكن أيضا لم ينافس عليه. كان التنافس بين الأحناف والشافعية والمالكية.

في المملكة السعودية أدركوا أن الانفتاح على العصر شيء مهم، وأن الدولة ينبغي أن تكون دولة حديثة، لأن الوهابية والصحوات والإخوان جرُّوا عليهم البلاء، وعلى المنطقة بالكامل، وهم يتحروون من هذه المرحلة، وينبغي أن نكون سعداء بذلك، وأن نفعل في مصر الشيء نفسه.

-          نفعل الشيء نفسه؟!

نعم، أن نعطي المرأة نفس الحقوق مثلا.

-          هل نبدو في موقف متأخر عن السعودية؟!

أنت تمنع المرأة من دخول مجمع البحوث الإسلامية، أنت لا تريد أن تعطيها منصب نائب رئيس جامعة الأزهر للبنات، وتحدثني عن الوهابية! "ما تخليك في نفسك".من الذي يمنع هذا؟ السلفية أم الوهابية أم الأزهر؟!

-          وكيف ترى موقع صعود الأمير محمد بن سلمان، ولد عهد المملكة، من هذا التطور؟

هذه كلها تفاصيل، السياسة فيها الجوهر وفيها التفاصيل، أنا غير معني بالتفاصيل. الأمور الخاصة بالمملكة تخص المملكة والشعب السعودي، ولا تخصنا، صعود مَن وهبوط مَن أشياء لا تخصنا نحن. ما يهمنا أن هناك دولة مدنية تولد الآن.

-          أخيرًا.. ماذا تقرأ أو تكتب حاليا؟

أقرأ حاليا كتاب "مشاريع وأحلام ألمانيا القيصرية في الشرق الإسلامي". وبالنسبة لما أعمل عليه حاليا فلديَّ كتاب قيد النشر بعنوان مبدئي "طه حسين بين الملكية والجمهورية" أو" طه حسين بي فاروق وعبد الناصر".


الجزء الأول:

حوار| حلمي النمنم: الملك فاروق كان مؤيدًا لأفكار "الضباط الأحرار".. والإخوان خرجوا ولن يعودوا (1- 2)