السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

في ذكرى رحيل عميد الأدب العربي.. لماذا انضم ابن الفقراء لحزب الباشوات؟

الدكتور طه حسين وزوجته
الدكتور طه حسين وزوجته سوزان




طفل كفيف، ابن لأسرة فقيرة، خرج من قرية صغيرة في الصعيد، تعاني الجهل والأمية، ليصبح أبرز المفكرين المصريين والعرب في العصر الحديث..

هكذا يمكننا أن نلخص حياة طه حسين في كلمات قليلة لا تكفي للتعبير عن دور هذا الرائد التنويري في المجتمع.

46 سنة مرت على وفاة "عميد الأدب العربي"، الذي غادر حياتنا في مثل هذا اليوم، 28 أكتوبر، 1973، عن عمر ناهز 83 سنة، بعد حياة حافلة بالإسهامات في الحياة الثقافية والعامة.

بجانب كونه أكاديمي ومفكر وأديب كبير، كان لطه حسين دور في الحياة السياسية، منذ بدايات القرن الماضي، وهو جانب مثير للتساؤل والتفكير في حياة المثقف الراحل.

كان طه حسين منتمياً إلى حزب "الأمة"، الذي كان يعبر عن مجتمع الباشوات والإقطاعيين في فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، وهو ما يثير التساؤل عن كيفية انضمام ابن الأسرة الفقيرة في محافظة المنيا إلى هذا الحزب.

هذا السؤال حاول الكاتب الراحل رجاء النقاش الإجابة عنه في مقال بعنوان "طه حسين والأحزاب السياسية"، في عدد خاص من مجلة "الهلال" عن عميد الأدب العربي، فبراير 1966.

يقول رجاء النقاش: "حدث أول ارتباط بين طه حسين والأحزاب السياسية في أوائل هذا القرن (العشرين). وكان الحزب الذي ارتبط به طه حسين في هذه التجربة السياسية الأولى هو حزب الأمة".

ثم يبدأ "النقاش" في شرح أسباب ذلك قائلاً: "كان الذي جذبه إلى الحزب هو شخصية لطفي السيد، أكبر رأس مفكر في الحزب، ومحرر صحيفة "الجريدة" التي تنطق بلسان الحزب".

ويوضح: "من هنا لم يكن ارتباط طه حسين بهذا الحزب الرجعي، الذي يمثل كبار الإقطاعيين والأغنياء، راجعا إلى التكوين "الاجتماعي" للحزب.. فلم يكن طه حسين منحدراً من أسرة غنية ولم يكن بعيداً عن مشاعر الطبقات الفقيرة، فهو نفسه قد خرج من أسرة متوسطة أقرب إلى الفقر منها إلى الغنى".

ماذا كان دافع طه حسين إذن؟ يجيب رجاء النقاش: "ولكن طه حسين ارتبط بحزب الأمة، لسبب فكري واضح، فقد كان طه حسين في ذلك الحين طالباً في الأزهر، وكان ميالاً - نتيجة لتفتحه الذهني العجيب - إلى الآراء المتحررة المجددة في الأدب والحياة".

كان طه حسين أمام اختيارين، الأول مجتمع الأزهر المحافظ، والثاني التيار المدني المنفتح، وبعد تفكير "كانت أقرب بيئة خارج الأزهر إلى عقلية طه حسين المتفتحة الثائرة البعيدة عن الجمود والتزمت، هي تلك البيئة التي خلقها لطفي السيد في مصر عن طريق "الجريدة" لسان حال حزب الأمة".

كان أحمد لطفي السيد - وما زال - من الأسماء اللامعة عندما تُذكر كلمة تنوير، وبحسب كلمات رجاء النقاش فإنه كان "أكبر عقل مثقف ثقافة غربية في مصر في ذلك الحين.. لقد تعلم في أوروبا، وعاد إلى مصر مقتنعاً بالثقافة الغربية اقتناعاً عميقاً، وأراد أن ينقل هذه الثقافة إلى مصر، أو بالأحرى أراد أن يجعل مصر تتجه وجهة غربية عصرية في ثقافتها الجديدة، في العلم والسياسة والمجتمع".

لذلك "وجد طه حسين في لطفي السيد، وفي التيار الفكري المتحرر الذي خلقه لطفي السيد بيئة ملائمة تماما لفكره، لعقله الذي يضيق بالبيئة المحافظة، في الأزهر ويصطدم بها كل يوم.

لم يكن هناك أحد يمكن أن يقبل آراء طه حسين المجددة، ورغبته في تطوير الأدب والفكر، أعظم من لطفي السيد. ولم يكن لطفي السيد يكتفي بقبول آراء طه حسين وإفساح صدره لها بل كان يشجعه على هذه الآراء تشجيعاً واسعاً عميقاً".

وللتدليل على كل هذا، يطرح رجاء النقاش سؤالا في المقابل حول أسباب عدم انتماء طه حسين للحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل، رغم شعبيته الكبيرة.

يشرح الكاتب قائلاً: "كان الحزب الوطني حزباً للشعب حقاً، ولم يكن حزباً للأغنياء والإقطاعيين مثل حزب الأمة، ولكن شعبية الحزب الوطني كانت تتمثل في جانبه السياسي، أما في الجانب الفكري فقد كان حزباً محافظاً متعصباً في كثير من القضايا الفكرية الرئيسية، لذلك لم يكن طه حسين الذي يقلقه الفكر أولاً وقبل كل شيء، يستطيع أن يجد راحته وغايته في فكر الحزب الوطني".