الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"المال يسيطر".. كيف كانت لبنان قبل الحرب الأهلية؟

الرئيس نيوز

لبنان حالة خاصة في الوطن العربي، ربما نستطيع أن نتحدث عنه كلبد سبّاق في مظاهر المدنية والتحديث والانفتاح الاجتماعي والفكري، لكنه في المقابل عانى كثيرًا بسبب أوضاع سياسية وطائفية طاحنة، كان السلاح هو الكلمة العليا فيها في أغلب الأحيان.
وبالتزامن مع انتفاضة اللبنانيين حاليا احتجاجا على أوضاع اقتصادية معينة، فمن المناسب أن نلقي الضوء على لبنان في أكثر من فترة تاريخية.
سنتحدث هنا عن لبنان قبل سنوات قليلة من الحرب الأهلية التي استمرت منذ 1975 إلى أوائل التعسينيات.
في الجزء الثاني من سيرته الذاتية، سجل المفكر الراحل جلال أمين انطباعاته عن زيارة قام بها إلى بيروت عام 1971، لقضاء ستة أشهر ضمن منحة بحثية.
واللافت مما سنقرأه ما كانت تتمتع به بيروت من انفتاح اقتصادي ضخم للغاية، وهي أوضاع ربما تجددت بعد الحرب الأهلية، لكن مصحوبة بمشاكل سياسية وطائفية واقتصادية ضاغطة على المواطنين.

يقول جلال أمين: "كان لبيروت في ذلك الوقت (أوائل السبعينات وقبل نشوب الحرب الأهلية) سحر قوي في أعين المصريين. كانت كل السلع الممنوعة في مصر، متاحة وبمختلف الأصناف في لبنان، وكان المصري إذا سئل من أين أتى بهذه الألعاب الرائعة لأطفاله، أو من أين له هذا الجبن المدهش، أو التفاح الذي لا يرى لخ مثيل في مصر، يجيب في الغالب بأنه من لبنان".
ويضيف: "كانت لبنان بلدا مفتوحا على العالم، ليس فقط فيما يتعلق بالسلع، بل أيضا بالكتب والصحف التي كان استيرادها يخضع لقيود شديدة في مصر".
كان "أمين" زار لبنان قبل ذلك بنحو عشرين عاما، في عامي 1953 و1954، ووجدها "بلدا ساحرا بجباله وشواطئه وخضرته ومناخه ونظافته وموسيقاه وطعامه".
لكن الزيارة في تلك المرة لم تكن سعيدة بالنسبة للأستاذ الجامعي المصري. يحكي: "كانت خيبة الأمل الأولى في لبنان نفسها كبلد. فالجمال الذي كنت قد رأيته في أوائل الخمسينات، اعتدت عليه المباني اعتداء فاحشا، وكأن لبنان شهدت شيئا مثل "حركة التسوير" التي عرفتها أوربا في نهاية العصور الوسطى؛ حيث تحولت الأراضي المشاع إلى أراض مملوكة مليكة خاصة بوضع سور يمنع الغير من استخدامها؛ رغبة في الاستئثار بالربح الكبير الذي أصبحت تأتي به التجارة".
ويشرح أكثر: "هكذا رأينا الشواطئ الجميلة تحاط بأسوار تمنع الناس من دخولها إلا بدفع رسوم دخول، والاضطرار إلى شراء مشروب تافه بأسعار باهظة. وزحفت العمارات على الجبال، وأصبح من الصعب العثور على حديقة يمكن أن يعلب فيها الأطفال بحرية وبلا مقابل. وقد حاولت أن أصحب زوجتي وأولادي إلى أماكن جميلة في الجبل، كنت قد أعجبت بها منذ عشرين عاما، فوجدتها قد تحولت إلى مبان عالية أو محلات تجارية".
ويرصد جلال أمين: "كان أول ما لفت نظري في لبنان هو هذه السيطرة الكبيرة للمال في مختلف نواحي الحياة. تسير في شوارع بيروت فتروعك كثرة البنوك ومحلات الصرافة والمحلات التجارية من كل صنف، حتى قيل إن أكثر من 60 % من مساحة أرض بيروت تشغلها المحلات التجارية". 
ويستدرك: "ولكنك تحار في العثور على رصيف تمشي عليه، فقد صعدت السيارات على الأرصفة أو اعتدت عليها الدكاكين. وليس هناك سعر معروف للسلعة، فأنت قد تدفع لتاجر ضعف ما كان يمكن أن تدفعه للتاجر الذي يليه، والمسألة تتوقف في النهاية، كمعظم الأشياء في لبنان، على "الشطارة".