الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

6 أكتوبر بقلم مراسل حربي (3): المشاة يدمرون "190 مدرع".. و"الكوماندوز" يضربون داخل سيناء

الرئيس نيوز


"لقد قضيت ليلة طويلة متوحدًا أذرف الدمع الحار على مقاتل مصري من هذا النوع الذي يأتيك انطباع عند رؤيته، أنه خُلق ليستشهد، من جرأته، من البطولات الأسطورية التي أتاها، من تأثيره بين رجاله، من طريقته في الحديث التي تجعلك تشعر أنك أمام راهب حرب، متصوف عسكرية.. لو سردت آلاف الصفحات بأكثر الأقلام حدة، وأكثرها موهبة، فلن يصبح هذا إلا بمثابة خدش فوق سطح متعدد الأعماق".
بروح المقاتل وقلم الصحفي، سجّل الكتاب الراحل جمال الغيطاني هذه الكلمات، في السنة الأخيرة من فترة عمله مراسلًا حربيًا على الجبهة، والتي بدأها منذ عام 1968 إلى 1974.
عايش "الغيطاني" الجيش المصري، في تلك الفترة الملحمية التي شهدت الاستعداد لمعركة التحرير، وتفاعل بروحه وشاهد بعيينه ونقل بقلمه عمليات حرب الاستزاف، حتى جاءت اللحظة الكبرى في 6 أكتوبر 1973، عندما عبرنا قناة السويس إلى الضفة الشرقية.
كان الكاتب الراحل أحد أشهر المراسلين الحربيين في تاريخ الصحافة والجيش المصري، وكانت مراسلاته اليومية من الجبهة إلى الشارع عبر صحيفة "الأخبار" مادة أدبية إخبارية رفيعة المستوى لنقل صورة كاملة عن بطولات الجندي المصري في مواجهة العدو الإسرائيلي.
"الرئيس نيوز" يعرض على حلقات متتالية يوميات حرب أكتوبر بقلم "الغيطاني" والتي صدرت حديثًا في كتاب "على خط النار"، الصادر عن دار أخبار اليوم في مناسبة الذكرى 46 لمعركة العبور.

*
كان جيش العدو الإسرائيلي يمتلك في حرب أكتوبر ترسانة أسلحة ضحمة، مدعومة بالطبع بالمعاونات العسكرية الأمريكية التي سرعان ما قدمتها الولايات المتحدة إلى جيش الاحتلال، لكن الجيش  المصري تفوق على كل هذا بالتخطيط العسكري المُحكم والروح القتالية العالية.
في عدد "الأخبار"، بتاريخ 30 أكتوبر كتب جمال الغيطاني عن كيفية خداع العدو في خطة تركيب الكباري فوق قناة السويس فيقول: "كانت القيادة قد وقع اختيارها على مواقع معينة يتم فيها إقامة المعابر، ومن ناحية أخرى بذل العدو جهودا جبارة لاكتشاف هذه المواقع، ولأن قادتنا يعرفون العدو تماما، ودرسوا كافة أساليبه، فقد دبروا له عملية خداع ككتازة، تعكس أحد أساليب قواتنا في هزيمة العدو".
ويشرح: "لقد اختاروا موقعا معينا وبدأوا في تمهيد الأرض المؤدية له، ودفعوا ببعض القوات الهيكلية على الطريق، وركزوا عمليات الاستطلاع على هذه النقطة بالذات، بحيث أن العدو، اقتنع فعلا أن هذا هو مكان العبور المحتمل وعند بدء المعركة دفعت قواتنا بكوبري حقيقي إلى هذا الموضع، وبدأت عمليات مده".
ظنّ العدو الإسرائيلي أن هذا هو الكوبري الرئيسي لعبور القوات المصرية فـ"ركز كل جهوده لضرب هذا المعبر، ركز مدفعايته كلها، وجاءت أسراب من الطائرات تحاول قصف الكوبري".
لكن، رجال الجيش المصري كانوا يواصلون في مناطق أخرى تركيب الكباري الحقيقية لعبور الدبابات. وينقل "الغيطاني" تعليق مقاتل اسمه "حسن" قال: "لقد افتدى هذا الكوبري كل المعابر الأخرى".
عندما حل ليل اليوم الأول من المعركة، عندما اقتحم المصريون النقاط القوية الواقعة في مواجهتهم، "كان كل شيء يعكس الذعر والمفاجأة التي لحقت بالعدو، في إحدى النقاط القوية كان البوتاجاز ما زال مشتعلا وفوقه إناء فارغ لم يوضع به شيء، وثلاجة تعمل بالكيروسين مفتوحة الباب لم يستطع الجندي إغلاقها، وثمرات بطاطس قٌشّر نصفها ولم يتم تقشير النصف الآخر وكان جنود العدو القتلى حفاة لم يجدوا الوقت اللازم لارتداء ثيابهم".
معركة عنيفة أخرى كانت تجري على أرض قناة السويس عندما دخل سلاح المدرعات المواجهة بقوة، فاصطاده الجيش المصري دبابات العدو برجال المشاة.
يحكي "الغيطاني": "دفع العدو الإسرائيلي بلواء مدرع في اتجاه قناة السويس، وهذا اللواء يعد من أكفأ الألوية المدرعة الإسرائيلية، ويتكون اللواء المدرع المعادي عادة من 110 دبابات مدعومة بكتيبة مشاة ميكانيكية، وكتيبة مظلات، وسرية هاون ثقيل، ومدفعية معاونة، وبالطبع هناك الطيران".
ماذا حدث إذن؟ ينقل المراسل الحربي: "كانت هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ الحروب التقليدية، لأول مرة تقوم وحدات مشاة خالصة غير مدعمة بالمدرعات، مسلحة بالقواذف المضادة للدبابات، بتدمير لواء مدرع كامل بكل ما يضمه، كانت سرعة اقتحام المدرعات عالية، ولكن سرعة اقتحامنا كانت أعلى".
دمر جنود المشاة المصريون اللواء المدرع الإسرائيلي عن آخره. تعالوا نقرأ كيف كان ذلك. يقول: "فوق مساحة واسعة من رمال سيناء تتناثر باقيا اللواء المدرع 190 وأعداد كثيرة من الدبابات التي أبيدت خلال المعارك العديدة التي جرت خلال الفترة التالية في هذا القطاع، الحديد متفحم أسود، وأجزاء الدبابات منبعجة، الأبراج طارت من دباباتها، وكأن أيادي قوية خرافية لا تمت إلى عالم الإنسان قد فعلت هذا، الدروع القوية ملوية ملفوفة، ولكنا ليست قوى خارقة أو خيالية".
في اليوم التالي، 31 أكتوبر، نشرت "الأخبار"، لجمال الغيطاني تقريرا كشف فيه عن دور القوات الخاصة في الجيش المصري أثناء حرب أكتوبر.
يقول: "كانت وحدات الكوماندوز المصرية تعمل منذ بداية حرب التحرير العربية في أعماق سيناء، وفي جميع المناطق المهمة بها، وأستطيع القول إن وحدات الكوماندوز المصرية العاملة داخل سيناء كبيرة الحجم جدًا، وتبلغ أضعاف العناصر الإسرائيلية التي حاولت التسلل إلى البحيرات المرة".
يضيف جمال الغيطاني أن القوات الخاصة المصرية "قامت بعديد من الأعمال الهامة والتي لم يعلن عنها داخل سيناء، وسببت وتسبب هذه العمليات العامة إرهاقًا شديدًا للعدو، حيث تستهدف خطوط تموينه وإمداده ومراكز قيادته وقواته الخلفية".
ويختم بأن "الكوماندوز" المصرية "أضافت خبرة جديدة إلى حروب التحرير العالمية، وذلك بقيامها بعملياتها فوق صحراء وعرة وقاسية كصحراء سيناء، فلأول مرة في تاريخ حروب التحرير يقوم رجال القوات المسلحة المصرية المدربة تدريبا عاليا بشن حرب الأغوار في صحراء سيناء".