الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"فاروق حسني يتذكر" (2): لم أمنح مادلين أولبرايت تمثال "شيخ البلد".. وأقترح إدارة عسكرية للمتحف الكبير

الرئيس نيوز


- لمست تقصيرًا أمنيًا فادحًا من مدير الأمن قبل مذبحة الأقصر بأيام.. وكدت أصارح وزير الداخلية
- آلاف الأثار خرجت من مصر بـ"طريقة شرعية".. واختيار موقع متحف الحضارة كان من وحي إفطار وزاري
- المتحف الكبير "رهان مصر الاقتصادي".. وإسناده للقوات المسلحة يحميه "أمنيًا وسلوكيًا"

 
محمد حسن
أن تبقى لنحو ربع قرن وزيرًا فإن الأمر مثير للتأمل والتحليل، ورغم أن الموضوع قد لا يخلو من تميز، فإنه أيضًا لا يعفي من مسؤولية ولو أدبية عن بعض القيم التي مثلتها تلك الفترة في ظل نظام سياسي ظل لنحو 30 عامًا في السلطة.
هو فاروق حسني، وزير الثقافة المصري في الفترة من 1987 إلى 2011، والذي تتراوح النظرة إليه ما بين الفنان المستنير المبدع في عيون محبيه، وراعي "الحظيرة" في نظر كل من اختلفوا معه ومع سياساته طوال سنوات.
كتاب "فاروق حسني يتذكر.. زمن من الثقافة"، الصادر عن دار نهضة مصر، 2018، وهو كتاب حوارات، حررته الصحفية انتصار دردير، يستعيد تفاصيل تلك الفترة التي شغل فيها الفنان الوزارة، وشهدت معارك وأحداث وتطورات ثقافية شتى.
"الرئيس نيوز" يعرض الكتاب الذي يمكن اعتباره مذكرات الوزير الأسبق، على عدة حلقات، نظرًا للمكانة الجدلية التي شغلها صاحبه في مسيرة الثقافة المصرية الرسمية طوال أكثر من عقدين.

***
ما زالت أجواء "المعارك" التي خاضها فاروق حسني مسيطرة على الكتاب، ففي فصل "وزير أبو الهول" تفرد محررة الكتاب إنتصار دردير مساحة كبيرة لواقعة سقوط كتف أبي الهول عام 1988، وعملية ترميمه، وأزمة فاروق حسني مع رئيس هيئة الآثار. 
الفصل يسلط الضوء بشكل عام على ملف الآثار في "الذكريات الوزارية" لفاروق حسني، إذ كان يجمع بين الثقافة والآثار قبل أن تنفصل الأخيرة بوزارة منفردة بعد ثورة 25 يناير.
تسأل محررة الكتاب الوزير الأسبق عن شهادته على حادث مذبحة الأقصر في نوفمبر 1996، وهو حادث إرهابي راح ضحيته 58 سائحا قتلوا داخل معبد حتشبسوت البحري.
واللافت – بعد أن يشرح حسني تأثره بالحادث وكيف تجاوزته مصر سريعًا- أنه يبدي رأيًا "أمنيًا" فيما حدث. يقول وزير الثقافة والآثار الأسبق: "وقتها كنت أرى تقصيرًا أمنيًا فادحًا، وأذكر أني قبل وقوع الحادث بأيام كنت أزور الأقصر مع وزير الداخلية وقتها حسن الألفي للإعداد لأوبرا عايدة، ونويت مصارحته بأن مدير الأمن بالأقصر ليس على كفاءة كبيرة، شعرت بذلك من أول وهلة، إلا أنني فوجئت برئيس مجلس المدينة يشيد بعمل مدير الأمن، ويؤكد أنه على كفاءة كبيرة، وحدث بعدها ما حدث".
بعد ذلك يأتي الدور على ملف مهم للغاية ولا يزال يُثار على فترات، آخرها منذ أسابيع على خلفية عرض تمثال للملك المصري الشاب توت عنخ آمون في صالة مزادات بلندن.
هنا يصبح كلام الوزير الأسبق مهما في قضية سرقة الآثار وخروجها من مصر. يشرح فاروق حسني أن "استعادة الآثار تتم وفقا لاتفاقية اليونسكو 1970 التي وقعت عليها مصر، وتقر بأن القطع الأثرية التي خرجت قبل عام 1970 تصبح ملكا لمن يحوزها، أما التي خرجت بعد هذا التاريخ وتستطيع أن تثبت الدولة أحقيتها بها فمن حقها استردادها".
ويضيف: "ولا يخفي على المتخصصين أن آلاف القطع الأثرية خرجت من مصر بطريقة شرعية"، وذلك وفقا لمبدأ التقسيم الذي كان سائدا في وقتٍ ما، والذي "يقضي بتقسيم القطع الأثرية المكتشفة بين دولة البعثة وبين مصر"، لافتًا إلى أنه "أثناء حقبة الستتينيات وخلال حملة إنقاذ آثار النوبة من الغرق التي تبنتها منظمة اليونسكو، خرجت معابد كاملة للغرض إلى إسبانيا وأمريكا بإهداء من الحكومة المصرية".
ويقر الوزير الأسبق أن أغلب المتاحف العالمية تزخر بالقطع المصرية في اللوفر والمتروبوليتان والفاتيكان ونابولي وموسكو وتورينو.
وعلى ذكر القطع الأثرية، تسأل إنتصار دردير الوزير الأسبق عن اتهامات موجهة له بخصوص إهداء تمثال شيخ البلد لوزير الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت خلال زيارتها للقاهرة.
هنا ينفعل فاروق حسني بحسب وصف محررة الكتاب، قبل أن يرد: "هذه اتهامات جاهلة تصدر عن شخصيات مريضة، فلا أحد يجرؤ على فعل ذلك، لا أنا ولا غيري، أولا لأنها جزء من تاريخنا الذي لا يمكن أن نفرط فيه وهو ليس ملكنا بل ملك التاريخ والأجيال، وثانيا لأنه لا يحق ولا يجوز قانونيا ذلك، وأتحدى من يثبت هذه الافتراءات".
ويقطع الوزير الأسبق بنفي التهمة تمامًا قائلًا إن تمثال "شيخ البلد" موجود بالمتحف المصري بالتحرير، ولم يجرؤ أحد على إهدائه لأحد.
عندما نأتي إلى قصة إنشاء متحف الحضارة بالفسطاط، فإن فاروق حسني يكشف تفاصيل اختياره الموقع الحالي، وهي ذكريات تعود لعام 1999.
يحكي: "كان من المقرر إقامة متحف الحضارة في أرض الجيزة، وبعد أن تم تخصيص الأرض لبناء الأوبرا، تقرر إقامته في موقع خلف الأوبرا، إلا أنني اعترضت بشدة، لأن المكان المقترح لا يناسب هذا المتحف المهم الذي يضم آثار ما قبل التاريخ".
رفض أو أجّل فاروق حسني تنفيذ المتحف في مكانه الأول. يضيف: "ظللت أبحث عن مكان بديل يليق به، وحدث أن دعاني مرة وزير الداخلية عبد الحليم موسى إلى إفطار في موقع رائع أمام بحيرة عين الصيرة، وقفت أمام المكان مبهورا بروعته، ورأيت أنه أفضل مكان لمتحف الحضارة، وحين عدت لمكتبي اتصلت على الفور بمحافظ القاهرة عمر عبد الآخر، وقلت له: أريد أن أقيم متحفا بجوار البحيرة، وطلبت 25 فدانا، ووافق مشكورا، وأعدنا تصميمات المتحف وفقا للمكان الجديد، وحصلنا على 17 فدانا أخرى من المحافظ عبد الرحيم شحاتة، وقمنا بضم البحيرة للمتحف، وأقمنا مبنى المتحف".
أخيرًا، بالنسبة لمشروع المتحف المصري الكبير، فإن فاروق حسني يبدو متأثرًا وهو يقول عنه: "كان آخر ما أتمنى إنجازه قبل أن أترك منصبي، فهو أحد أحلامي الكبيرة لمصر بكل ما تمتلكه من زخم حضاري وثقافي، وهو أحد الرهانات الثقافية العالمية".
وينظر الوزير الأسبق للمشروع الضخم نظرة اقتصادية أيضًا، ويصفه بـ"رهان مصر الاقتصادي"، إذ أنه يمكن أن يحقق عائدات مهمة مادية وثقافية باعتباره أكبر متاحف العالم.
حاليًا، يتابع "حسني" ما يتم من بعيد، لكنه يرى أن فكرة افتتاح المتحف الكبير جزئيًا خطأً كبيرا؛ "إذ لا بد من الافتتاح الكامل له حتى يكتمل الاستعداد لهذا الحدث الضخم الذي يجب أن نستغله للترويج لمصر".
ويطالب فاروق حسني بتطوير منطقة الأهرامات وفيصل تطويرا جذريا، قبل أن يقترح أن تتولى جهة تابعة للقوات المسلحة تأمين المتحف، لتدير المنطقة أمنيًا وسلوكيًا، على حد تعبيره.