السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

السيسي أشاد بـ"موقفها التاريخي".. كيف لعبت رومانيا دورًا في عملية السلام؟

الرئيس نيوز

خلال زيارته لرومانيا والتي بدأها اليوم، أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن خالص شكره وتقديره لموقف نظيره الروماني كلاوس يوهانيس "الواضح والحازم" من قضية القدس المحتلة، قائلًا إنه "يأتي متسقا مع موقف رومانيا التاريخي من القضية الفلسطينية وعملية السلام والقائم على حل الدولتين وعلى أساس الشرعية والمرجعية الدولية".

وارتبطت القاهرة بعلاقات وطيدة مع بوخارست وصلت ذروتها خلال فترة السبعينيات، إبان حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، إذ لعب الرئيس الروماني آنذاك نيكولاي شاوشيسكو دورًا في عملية السلام مع إسرائيل.

كان السادات وشاوشيسكو بمثابة "الصديقين"، وتبادلا زيارات رسمية عديدة، شهدت واحدة منها محاولات سرية من جانب الرئيس الروماني للوساطة بين القاهرة ودولة الاحتلال، رفضتها مصر قبل معركة العبور في حرب أكتوبر.

وفي مقاله الشهير "بصراحة"، في 28 أبريل 1972، كتب محمد حسنين هيكل، إبان رئاسته لتحرير "الأهرام": "وفقًا لمعلومات، أثق في مصادرها، فإن الرئيس الروماني أثار – فجأة وبلا مقدمات – أثناء وجوده في الجزائر، وخلال اجتماع له مع الرئيس هواري بومدين، رغبته في الوساطة بين العرب وإسرائيل".

ونقل "هيكل" الرد "المنطقي والمعقول" للرئيس الجزائري، إذ قال ما معناه "إن الجزائر لا تستطيع أن تقترب من هذا الموضوع، لأن الصراع يخص في الأساس "الأشقاء في المشرق" ولأن لا أحد يستطيع أن يتحدث نيابة عن الفلسطينين.

وأضاف رئيس تحرير "الأهرام" آنذاك: "وصل تشاوشيسكو إلى القاهرة، وفى نيته - كما ظهر فيما بعد - أن يفتح الموضوع مع الرئيس أنور السادات، وفوق ذلك فلقد عرف أن السيد ياسر عرفات موجود فى القاهرة وقتها لحضور المؤتمر الفلسطينى، ومن ثم قرر أن يقابله".

وبحسب المقال، فإنه فى المحادثات الرسمية مع الرئيس أنور السادات، حام الرئيس تشاوشيسكو حول الموضوع، ولكنه لم يدخل فيه مباشرةً، ثم طلب اجتماعاً مغلقاً مع الرئيس السادات، وإذا هو يفتح الموضوع مباشرةً".

رفض السادات الحديث عن أي وساطة في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل أراض مصرية وعربية. بعد ذلك قابل "شاوشيسكو" ياسر عرفات الذي كان موجودا في القاهرة، وحاول فتح موضوع الوساطة معه، لكن عرفات – وفقا لهيكل– تعامل بلباقة واستبق أي كلام ليتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فبلغ "شاوشينكو" الكلام ولم يفتح اقتراحه بالوساطة.

عاد الرئيس الروماني إلى بلاده، لكن بعدها بأيام أعلنت بوخارست أن "شاوشيسكو" بعث نائب وزير خارجيته إلى تل أبيب، لمقابلة  رئيسة وزراء إسرائيل، بداعي أنه "يريد أن يخطر جولدا مائير بنتائج زيارته إلى بعض العواصم العربية".

من هنا – كما يستكمل "هيكل"– "بدأت قصص مثيرة ومتوحشة تقفز على تقارير السفارات الأجنبية فى إسرائيل، وعلى كل الرسائل الصحفية الصادرة منها وعلى كل ما ينشر ويذاع داخلها. قصص عن وساطة رومانية بين مصر وإسرائيل! وقصص عن مشروع لدى رومانيا سوف تعرضه لحل أزمة الشرق الأوسط، عندما تصل جولدا مائير إلى بوخارست"، الأمر الذي أقلق القاهرة التي طلبت توضحيًا حاسمًا، رافضةً مثل هذه المحاولات في تلك السنة.

لكن بعد حرب أكتوبر بأقل من سنة، في 28 يونيو 1974، زار "السادات" بوخارست، ونشرت "الأهرام" أن محادثاته مع "شاوشيسكو" تناولت "الموقف في الشرق الأوسط عقب الفصل بين القوات على الجبهة السورية".

وقال الرئيس في تصريح لإذاعة بوخارست وقتها: "لقائي مع الرئيس شاوشيسكو خطوة هامة في طريق إقامة سلام عادل ودائم في المنطقة، ومن المنطقي أنه في الوقت الذي توجد فيه مصر حاليا في وضع يتميز بتركيز الجهود لإعادة فتح قناة السويس وإعادة تعمير المناطق التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي وكذلك رسم مشاريع البناء المقبلة، ان نتوجه نحو أصدقائنا في رومانيا، وكلنا قناعة في تعميق التعاون في ميادين التعمير والصناعة والثقافة والفن، من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين".

اللافت أن "الأهرام " نشرت في نفس الصفحة خبرا أن "شاوشيسكو" استقبل في نفس اليوم وفدا من منظمة التحرير الفلسطينية، والذي أبلغ الرئيس الروماني تحيات السيد ياسر عرفات رئيس المنظمة وشكره لتأييد رومانيا لقضية الشعب الفلسطيني". وجاء الخبر أن الرئيس شاوشيسكو "أكد للوفد ضرورة التوصل إلى حل نهائي لأزمة الشرق الأوسط بضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وحل مشاكل الشعب الفلسطيني وفقا لمصالحه بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية".

وفي 11 مايو 1977، استقبل "السادات" نظيره الروماني بالقاهرة، وفي حفل عشاء لتكريم "شاوشيسكو" خاطبه الرئيس المصري قائلا: "إن الأمة العربية تعتز بالتأييد المتصاعد الذي تجده من رومانيا شعبا وقيادة في كفاحهما المشروع، في سبيل تحرير أرضها المحتلة، وتحقيق الحقوق الوطنية لشعب فلسطين العربي، وأولها حقه في إقامة دولته المستقلة وهو حق لا نقبل الجدل فيه أو المساس به".

بعد ذلك بنحو 6 أشهر، في 30 أكتوبر 1977، زار السادات بوخارست، وفي حفل غداء أقامه له "شاوشيسكو" في 30 أكتوبر من ذلك العام، قال الرئيس المصري: "أعبر عن شكري شخصيا والشعب المصري كله بل والأمة العربية لهذا الموقف المبدئي الذي تقفه رومانيا بقيادتكم.. من أجل سلام يقوم على العدل في المنطقة".

وأكمل السادات: "إن الموقف القائم على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وقيام دولة فلسطين واسترداد حقوقهم المشروعة هو موقفنا نحن أصحاب القضية".

دور لافت بالطبع لرومانيا ونيكولاي شاوشيسكو في ملف الصراع العربي الإسرائيلي. ويسجل إسحق شامير، في فترتي الثمانينيات والتسعينيات، في مذكراته، ما كتبه "هيكل" قبل ذلك بسنوات، أن "تشاوشيسكو قد حاول في عام 1972 التوسط بين جولدا مائير وأنور السادات. كما أن السادات وبيجين زارا الرئيس الروماني قبل الشروع في المفاوضات بينهما"، مضيفًا أن "السادات" قال فيما بعد أن "تشاوشيسكو هو الذي قال له إنه يستطيع الاعتماد على مناحم بيجين".