السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"طوارئ" ما بعد مقتل كليبر: تعمير المدافع واستجواب تحت التعذيب وتشريح الجثة

الرئيس نيوز

 - الفرنسيون جهّزوا "الهاون" لضرب القاهرة.. وقالوا: "لا بُدّ من قتل أهل مصر عن آخرهم"

- عذبوا سليمان الحلبي أثناء التحقيق.. واستدعوا شيخ الأزهر وقاضي القضاة حتى منتصف الليل

 

في مثل هذا اليوم، 14 يونيو، سنة 1800، كانت القاهرة، على موعد مع حادث شهير في تاريخ مصر، عندما قتل الطالب الأزهري سليمان الحلبي، الجنرال جان باتيست كليبر، قائد الحملة الفرنسية على مصر والشام آنذاك.

الحادث الذي شهده حي الأزبكية بالقاهرة ووصل أثره إلى فرنسا، كان من الوقائع الفارقة في تاريخ الحملة الفرنسية، والتي عادت إل بلادها بعد ذلك بسنة واحدة، عام 1801.

في السطور التالية نستعرض التداعيات المباشرة للحادث، وأجواء حالة الطوارئ التي فرضها الفرنسيون سريعا عقب مقتل قائدهم، حسبما نقل المؤرخ المصري الشهير عبد الرحمن الجبرتي في مؤلفه الضخم "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، بعيدا عن دوافع الحادث أو تفاصيل المحاكمة.

يقول "الجبرتي" إنه في يوم السبت وقعت "نادرة عجيبة"، عندما كان "ساري عسكر"، أي قائد الجيش الفرنسي بالقاهرة، "كلهبر"، يسير مع كبير المهندسين الفرنسيين في حديقة دار القائد بمنطقة الأزبكية.

ويحكي "الجبرتي" أن شخصا اقترب من "كليبر" فأشار إليه الأخير بالرجوع قائلا له: "مفيش"، ظنًا منه أنه متسول، لكن الشخص الغريب لم يرجع، وأوهم القائد الفرنسي أن له حاجة يريد أن يقضيها منه.

بعد ذلك، كما يروي "الجبرتي": "لما دنا منه مد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده، فمد إليه الآخر يده، فقبض عليه وضربه بنجر كان أعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية، فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا، فصاح رفيقه المهندس، فذهب إليه وضربه أيضا ضربات وهرب".

هذا عن واقعة القتل الشهيرة، لكن اللافت والمثير هو ما حدث بعد ذلك، إذ أعلن الفرنسيون ما يشبه "حالة الطوارئ" عالية الدرجة بمفهوم اليوم.

نُكمل مع "الجبرتي": "سمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس، فدخلوا مسرعين، فوجدوا كلهبر مطروحا وبه بعض الرمق، ولم يجدوا القاتل فانزعجوا".

هنا بدأت "حالة الطوارئ" سريعًا. يواصل المؤرخ المصري: "ضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل، واجتمع رؤساؤهم وأرسلوا العساكر إلى الحصول والقلاع".

حسبما ينقل "الجبرتي"، فإن الفرنسيين ظنوا في البداية أن القاتل من المصريين. فكيف تصرفوا؟ يقول: "فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر (الهاون)، وقالوا: "لا بد من قتل أهل مصر عن آخرهم".

اضطربت القاهرة سريعًا وبدا أن شيئًا غير عادي يجري: "وقعت هوجة عظيمة بين الناس، وكرشة وشدة انزعاح، وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال".

كما أن الفرنسيين، ضمن إجراءاتهم، "أرسلوا أشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات والنواحي، يتفرسون في الناس، فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك، ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر، فتحققوا من ذلك براءتهم من ذلك".

في تلك الأثناء كان قاتل "كليبر" مختبئًا بالقرب من موقع الحادث: "ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت ساري عسكر المعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم".

يسجل "الجبرتي" أن الفرنسيين "قبضوا عليه فوجدوه شابا شاميا، فأحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده، فوجودا حلبيا واسمه سليمان، فسألوه عن محل مأواه، فأخبرهم أنه يأوى ويبيت بالجامع الأزهر، فسألوه عن معارفه ورفاقه، وهل أخبر أحد بفعله، وهل شاركه أحد في رأيه، وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك، وكم له بمصر من الأيام أو الشهور، وعن صنعته وملته".

ويشير المؤرخ الشهير إلى تعذيب سليمان الحلبي بقوله "وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال"، وهو الأمر الذي سجلونه في محضر التحقيق المطول بعد ذلك قائلين: "لما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته، أمر ساري عسكر أنهم يضربونه حكم عوائد البلاد، فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو، ووعد أنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب، وانفكت له سواعده، وصار يحكي من أول وجديد".

 ويلفت "الجبرتي" أن الفرنسيين عندما علموا ببراءة  المصريين من قتل قائدهم، "تركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد".

وبعد استجواب سليمان الحلبي، أحضر الفرنسيون اثنين من علماء مصر وقادتها الدينين، هما الشيخ عبد الله الشرقاوي، شيخ الجامع الأزهر، والشيخ أحمد العريشي، قاضي القضاة، وأعلماهما بالخبر، "وعوقوهم إلى نصف الليل"، حسبما يذكر "الجبرتي"، في إشارة إلى سوء معاملتهما من قبل الفرنسيي على خلفية الحادث.

في سياق متصل، وبعد أن سمع العساكر في دار كليبر صرخة رفيقه المهندس، استدعوا الأطباء سريعًا بعدما رأوا الرجلين غارقين في دمائهما.

وينقل "الجبرتي" عن محضر التحقيق وإثبات الحالة المطول الذي كتبه الفرنسيون بثلاث لغات بعد الحادث، بيانات تشريح جثة "كليبر".

وكتب الأطباء الفرنسيون في تقريرهم التالي عن جثة القائد الفرنسي المقتول: "وصلنا فرأيناه في آخر نفس، فحصنا عن جروحاته، فتحقق لنا أنه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد، وجروحاته كانت أربعة الأول: منها تحت البز في الشقة اليمنى، الثاني: أوطى من الأول جنب السوّة، الثالث: في الذراع الشمال نافذ من شقه لشقه والرابع: في الخد اليمين"، مسجلين أنهم عاينوا الجثة وكتبوا تقريرهم في الساعة الثالثة بعد ظهر ذلك اليوم.